الجوف تعد بتشكيل العلامة الفارقة في السياحة السعودية

الجوف تعد بتشكيل العلامة الفارقة في السياحة السعودية

قال الرحالة الإنجليزي فورد عن الجوف "إن الرجال في منطقة الجوف يصنعون عباءاتهم بأنفسهم، إضافة إلى أغطية الرأس وسروج الخيل والسجاد", ثم قدم وصفاً لبساتين الجوف وما يزرع فيها من أشجار الفاكهة والخضراوات إضافة إلى أشجار النخيل.
من هنا بدأت منطقة الجوف تمثل جزءا مهما من تاريخ الحضارات حيث كانت ذات صلة بالحضارات الإنسانية المبكرة من خلال موقعها المتميز بين جزيرة العرب وبلاد الشام والعراق وما هي إلا تاريخ يحكي سيرة حكاها قِدم الزمان.
كانت الجوف ملتقى الحضارات ومحطة تبادل تجاري واتصال ثقافي يبن الأمم, فقد ظهرت منطقة الجوف في العهد الآشوري القديم, كما أن هناك نصوصا مكتوبة تتحدث عنها تعود إلى القرنين الثامن والسابع قبل الميلاد, وأشارت المصادر الآشورية إلى دومة الجندل بـأدوماتو أو أدمو.
من هنا نود أن نأخذكم بلمحة تقريرية عن منطقة الجوف التي مزجت تاريخها بحاضرها لتشكل صياغة تلك المدينة الحالمة.

سياحة الجوف العلامة الفارقة في السياحة السعودية
اشتهرت منطقة الجوف على العالم في معالمها السياحية الأثرية حتى باتت قبلة محبي الآثار والباحثين والسيّاح الأوربيين الذين تعاقبوا على الجوف منذ عشرات السنين ليكتبوا على صفحات مؤلفاتهم ما نسميه الآن التاريخ الموثق, ولعل من أبرز الأماكن السياحية التي تزخر بها منطقة الجوف قلعة مارد, مسجد عمر بن الخطاب, أعمدة الرجاجيل, حصن زعبل, بئر سيسرا, وحي الدرع الأثري.
لعل هذه من أهم المواقع التي تكفل للجوف حقها من السياح ومحبي التاريخ والآثار لتكون قبلة سياحية عالمية, وهذا ما سيتحقق في القريب, حيث قدمت عدة دراسات ومشاريع لاعتمادها رسميا في منظمة اليونسكو العالمية.
ومع اهتمام الدولة بالجانب السياحي كأحد الروافد الاقتصادية المستقبلية في المملكة, بدأت منطقة الجوف تطرح نفسها كواحدة من أبرز مناطق الجذب السياحي في المملكة, وانطلاقاً من هذه الخواص السياحية أطلق الأمير فهد بن بدر أمير منطقة الجوف مهرجان" الجوف حلوة" ليكون أحد محفزات التنشيط السياحي في المنطقة, فقد افتتح الدورة الأولى للمهرجان قبل خمس سنوات, وواكب انطلاق فعاليات هذا المهرجان افتتاح مركز الأمير عبد الإله الحضاري في مدينة سكاكا, الذي يعد الآن أحد أبرز المعالم الحضارية في المنطقة, ومنذ ذلك الوقت يتزايد الاهتمام بالمهرجان ويتزايد الحرص على تطوير فعالياته, وفي المقابل يتزايد الإقبال عليه من أهل المنطقة ومن المناطق الأخرى, حتى أصبح موسماً سياحياً صيفياً يتجدد كل عام من خلال فعاليات المهرجان. ومن أبرز فعاليات المهرجان الندوات الثقافية, الأمسيات الشعرية, المعارض التشكيلية والفوتوغرافية, العروض المسرحية, وعروض الفنون الشعبية, إضافة إلى معارض الحرف اليدوية التي اشتهرت بها المنطقة مثل النسيج والسدو وغيرهما من الحرف والصناعات الخاصة بمنطقة الجوف. وفي فصل الصيف من كل عام, اعتاد أهل المنطقة أن تضاء سماء الجوف بالألعاب النارية, ليبدأ الموسم السياحي حيث يتم عرض الأوبريت الذي يقام بهذه المناسبة وعروض الدراجات النارية, ولم يغفل المهرجان الاهتمام بالأطفال فتقام لهم فعاليات خاصة, من خلال القرية النسائية الترفيهية, التي تعد أحد أكبر المشاريع السياحية في المملكة, فمشروع القرية النسائية الترفيهية في منطقة الجوف يتكامل مع المعالم السياحية في المنطقة, وأصبح مزاراً مهماً بالنسبة إلى الأسرة في منطقة الجوف, حيث تشارك هذه القرية النسائية في فعاليات المهرجان من خلال البرامج الداخلية للقرية وفي إطار الحرص على تطوير المهرجان من عام إلى آخر.
ولم يقف النمو السياحي التي تشهده المنطقة عن هذا الحد بل امتد للاستفادة من مقومات المنطقة نحو صناعة سياحية الأولى من نوعها في المملكة, حيث وجه أمير منطقة الجوف "بإقامة مهرجان سنوي تحت اسم "مهرجان الجوف للزيتون", الذي بدأ العام الماضي وتقرر إقامته بشكل سنوي, ورسم هذا المهرجان خطة سياحة اقتصادية لمنطقة الجوف.
ولم يكن المهرجان تسويقيا بحتا بل تصاحبه فعاليات دينية وثقافية ورياضية متنوعة مثل المحاضرات الدينية والندوات العلمية وسباق رالي الزيتون للسيارات والطيران الشراعي ومعارض التصوير الفوتوغرافي.
ومن خلال نظرة ثاقبة للدولة تجاه السياحة في منطقة الجوف رأت ممثلة في الهيئة العامة للسياحة والآثار أن تفتتح فرعا لها في المنطقة لتنمي الحركة السياحية وفق خطط واستراتيجيات قريبة وبعيدة المدى, وبدأ فعليا هذا الجهاز في العمل فكان من أولى ثمراته إقامة مهرجان الربيع في الجوف العام الماضي.

الحياة الثقافية والفكرية في الجوف من التاريخ إلى الجغرافيا
تشارك منطقة الجوف في المهرجان الوطني للتراث والثقافة في الجنادرية منذ بدايات المهرجان, وكانت المشاركة رمزية في البداية ثم تطورت في كل عام حتى عام المئوية حيث تزامن المهرجان مع تعيين الأمير عبد الإله بن عبد العزيز آل سعود أميراً لمنطقة الجوف, حيث وجه بأن تكون المشاركة مميزة وفاعلة. وحيث كانت المشاركة تتم بجناح واحد لمنطقة الجوف وفرقتين هما العرضة السعودية وفرقة الدحة وبعض الحرف في السوق الشعبية تطورت المشاركة بعمل جناحين للمنطقة هما الجناح الدائم وفيه تعرض لوحات عن المنطقة ومجسمات للآثار المهمة في المنطقة هما قلعتا مارد وزعبل وجبل الصعيدي وبئر سيسرا والرجاجيل, كما تعرض عينات للأدوات المستخدمة قديما في المنطقة سواء أدوات حربية أو زراعية ونحوها, أما الجناح الثاني فهو بيت الشعر الجوفي الأصيل وفيه تعرض منسوجات الصوف والشعر المختلفة مثل السجاد, البسط, المخاد, المراكي, والخروج, وكلها مصنوعات يدوية.
وحين تقيم الجوف بيت الشعر, الذي كان رفيق البدو الرحل, فهو لإيضاح كيف كان الناس يعيشون ببساطة ولتجسيد صور الكرم الجوفي, فالجوف هي وادي النفاخ نسبة إلى ما يتمتع به بناء المنطقة من كرم حيث كانت بيوت الشعر مكانا لاستقبال الضيوف وتقديم الأكل والشرب.
وتأتي قيمة الأدب الشعبي باعتباره يحمل الخصائص والأغراض الجغرافية التي يحملها الأدب الفصيح.
ومع مراحل التطوير المختلفة التي عاشتها المملكة وتعيشها على جميع المستويات كانت المؤسسات الثقافية مطلباً مهماً بالنسبة لسكان منطقة الجوف لتسهم في نشر الوعي والمعرفة، وقد كانت (دار الجوف للعلوم) التي أنشئت قبل 40 عاماً واحدة من العلامات التي تعكس الوعي المبكر لسكان المنطقة بأهمية العلم والتنمية البشرية, وارتبط تأسيس هذه (الدار) بجذور مؤسسة الأمير عبد الرحمن السديري الخيرية التي تم تأسيسها بأمر ملكي عام 1403هـ/1983، بعد أن بدأت نشاطها فعلياً قبل ذلك التاريخ بعقدين من الزمان، حيث كانت البداية بمكتبة عامة أنشأها الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري أمير منطقة الجوف - في ذلك الوقت – في مدينة سكاكا عام 1963 سعياً منه للمساهمة في نشر الوعي والعلم والثقافة بين أبناء منطقة الجوف, ومع مرور السنوات أصبحت هذه المكتبة المعروفة حالياً باسم (دار الجوف للعلوم) صرحاً علمياً وثقافياً متميزاً في المنطقة, تبلغ مساحتها نحو 2350 متراً مربعاً, وتضم قسمين كبيرين منفصلين أحدهما للرجال والآخر للنساء, وارتفع رصيدها من الكتب والمراجع إلى ما يزيد على 92 ألف مجلد, ونحو 250 دورية، إضافة إلى ما تضمه الدار في مجموعتها الخاصة من الوثائق والمخطوطات والطوابع والخرائط والرسائل والكتب الأصلية للرحالة الذين مروا بالمنطقة.
ولن نغفل أهم الجوانب الأدبية والفكرية في هذا الوقت, خصوصا في عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز, حيث أعيدت صياغة الحركة الأدبية في المنطقة من خلال ضخ الدماء في شرايين المنطقة بعد التشكيل الجديد للأندية الأدبية, ومنها نادي الجوف الأدبي, الذي يحاول جاهدا وبخطوات مركزة للخروج من المفهوم الأدبي الضيق إلى المفهوم الأدبي الواسع, حيث تم تشكيل المجلس الجديد انتخابا برئاسة الأديب والقاص عبد الرحمن الدرعان, الذي اتخذ خطوة مهمة من خلال تفعيله للقاء شهري يجتمع فيه المثقفون وأبناء المنطقة المحبون للثقافة من خلال ليلة ثقافية أدبية همها استمرار التطور الفكري والأدبي في منطقة الجوف.

الجوف سلة غذاء متكاملة
تميزت منطقة الجوف على مر العصور بأنها منطقة زراعية بحكم تكوينها الطبيعي، الذي يوفر التربة الصالحة للزراعة، ومنذ القدم توارث أهل المنطقة حب الزراعة جيلاً بعد جيل، فزرعوا السهول والوديان، وسخروا الجبال، وكان لخصوبة أرض الجوف، وتربتها الصالحة للأغراض الزراعية المختلفة، ووفرة المياه العذبة في أرجائها، ومناخها القريب من مناخ البحر الأبيض المتوسط، والقريب من مناخ الجزيرة العربية دور في جعلها منطقة زراعية ذات طابع خاص، وهو ما لفت أنظار الرحالة الذين زاروها وأرخوا لها في مراحل زمنية مختلفة.
إلا أن المناخ الزراعي في المنطقة يحمل الإعجاز الإلهي, حيث إن المنطقة تشتهر بزراعة النخيل والزيتون, وتكمن الغرابة في أن النخيل تحتاج إلى درجة حرارة عالية على عكس الزيتون الذي يحتاج إلى درجات حرارة منخفضة, إلا أن الجوف كانت حاوية لكلتيهما, إضافة إلى جهود الدولة الحثيثة من خلال تطوير الزراعة في المنطقة ودعمها وتقديم التسهيلات للمواطنين للاستثمار الزراعي بشكل يكون عائدا اقتصاديا مميزا.
قامت الحكومة ممثلة في وزارة الزراعة بإنشاء مركز أبحاث تنمية المراعي والثروة الحيوانية في الجوف عام 1982, وأقيم في المركز مختبرات كاملة للصحة الحيوانية والتحاليل النباتية وتحاليل التربة والمياه وبيئة المراعي والإنتاج الحيواني, كما يمتلك المركز مزرعة لأبحاث الإبل والأغنام وثلاث محطات لأبحاث وتحسين المراعي, وفـي عام 1423هـ صدر التوجيه من وزارة الزراعة بإنشاء وحدة أبحاث الزيتون ي المركز بعدما أصبحت شجرة الزيتون من الركائز الرئيسة في المنطقة، وذلك بزراعة أكثر من خمسة ملايين شجرة زيتون في المنطقة، ما يتطلب رعايتها والعناية بها والمحافظة عليها والآن الجوف, بحسب آخر إحصائية, تحمل أراضيها ما يزيد على 12 مليون شجرة زيتون.

الأكثر قراءة