الانخفاض الواضح بين أوساط المدخنين في الدول المتقدمة قابله ارتفاع كبير في دول العالم الثالث (1 من 3)
كشف مسؤولون وأطباء عن حجم المشكلات الصحية والاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الدول التي تنمو فيها أعداد المدخنين سنويا، مؤكدين أن السعودية من الدول التي تشهد ارتفاعات كبيرة في نسب المدخنين وخصوصا فئة الشباب.
وقالوا في ندوة خاصة تنشرها "الاقتصادية" على ثلاثة أجزاء أسبوعية: إن حجم الضرر الكبير الذي يواجه المجتمع يتطلب تدخلا عاجلا لحماية الناس من هذا الوباء القاتل، مبينين أنه يمكن التقليل من آثار التدخين من خلال سن الأنظمة والقوانين التي تردع غير المبالين، ورفع مستوى التوعية. وتحدث المشاركون في الجزء الأول من الندوة عن واقع التدخين وآثاره.
المضار والهدر
يقول الدكتور عبد الله البداح: تمثل تكاليف العلاج للأمراض الناتجة عن التبغ، نسبة مرتفعة من تكاليف الفاتورة العلاجية لمجمل الأمراض، نظرا لارتفاع تكلفة حالات علاج ورعاية سرطان الرئة وأمراض القلب والشرايين وأمراض الرئة والشعب الهوائية المزمنة ونحوها من أمراض تحتاج إلى تكاليف رعاية صحية مستمرة قد تستغرق سنوات عدة.
وفي المملكة تشير بعض البيانات والدراسات إلى تصاعد في الإحصائيات مرض سرطان الرئة، حيث يستقبل مستشفى الملك فيصل التخصصي نحو 12 ألف حالة سرطان سنوياً، كما تشير دراسة أخرى أجريت في المنطقة الشرقية إلى أن أعلى نسبة وفيات في المنطقة بين مرضى السرطان كانت بسبب سرطان الرئة، وهو ما يشير إلى نمو متزايد في نسبة المرض الذي يلعب التبغ الدور الأساسي في التسبب فيه وخاصة مع تزايد نسبة المدخنين في المملكة، حيث دلت بعض المصادر على تدخين ما نسبته بين 35 في المائة إلى 45 في المائة من الرجال ونسبة المدخنات ما بين 5 في المائة إلى 10 في المائة مع نمو متصاعد في أعداد المدخنين بين طلبة المدارس تقدر بنحو 15 في المائة إلى 25 في المائة بين الذكور.
ونظرا لعدم توافر البيانات المحلية الوافية أو المؤشرات الإحصائية التي يمكن استخدامها في تقدير حالة المملكة بشكل خاص فيما يكلفها علاج الأمراض الناتجة عن التبغ أو الخسائر في الإنتاجية الاقتصادية والأعباء الاجتماعية الأخرى، فإن استخدام الدراسات العالمية التي تتناول موضوع العبء الاقتصادي أو الخسائر الناجمة عن استهلاك التبغ بما يقدم مؤشرات حول ما تتكبد المملكة من خسائر اقتصادية في علاج وتعويض الحياة المفقودة الإنتاجية المهدرة بسبب استهلاك منتجات التبغ، وعليه وبحسب التقديرات لدراسة المركز الوطني الماليزي للسميات والمستمدة بياناتها من تقديرات البنك الدولي فإن استهلاك الطن الواحد من التبغ يكلف نحو 24200 دولار من الخسائر الاقتصادية المهدورة بسبب التبغ والتي تمثل العبء العلاجي وتعويض الإنتاجية الناجمة عن الوفاة المبكرة، ووفقا لتقديرات البنك الدولي فإن استهلاك الطن الواحد من منتجات التبغ يؤدي إلى 0.65 حالة وفاة مبكرة.
ووفقا لبيانات الاستهلاك المحلي المتوقعة للفترة المقبلة وحتى عام 2010 هذا عند افتراض نمو استهلاكي سنوي بمعدل 10 في المائة، فتقدر الخسارة الاقتصادية الناجمة عن الوفيات المبكرة والهدر في الإنتاجية بسبب التبغ للفترة من عام 2005 ولغاية 2010، بنحو 24.6 مليار ريال. وإذا ما أضيف للقيمة السابقة ما تنفقه المملكة على المشتريات المباشرة من منتجات التبغ المختلفة للفترة نفسها، والمقدرة بنحو 13 مليار ريال، فمن المحتمل أن تتكبد المملكة ما يقارب 38 مليار ريال من الخسائر الاقتصادية بسبب التبغ، هذا دون ما قد يضيفه التهريب من عبء مضاف لا يحتسب ضمن حركة الاقتصاد السعودي وهنا وبناء على التقديرات السابقة لمعدل التهريب العالي فمن الممكن تقدير تكلفة منتجات التبغ المهربة للفترة الأخيرة بنحو 3.3 مليار ريال، أي بإجمالي خسارة اقتصادية تقديرية بنحو 41 مليار ريال، وعند احتساب المتوسط السنوي للهدر الاقتصادي السعودي بين بداية عام 2005 وحتى نهاية 2010، فيقدر متوسط الخسارة الاقتصادية السنوية بنحو 6.8 مليار ريال سنوياً.
مؤشرات مقلقة
من جانبه، يقول الدكتور عبد الله الضلعان: مشكلة التدخين مشكلة عالمية وطبعا تخصنا نحن أيضا بوصفنا جزءا من هذا العالم، وهذه المشكلة لها تأثيران رئيسيان: الأول هو التأثير الصحي الذي نراه من الدخان، والثاني التأثير الاقتصادي.
التدخين بدأ من بداية القرن الماضي، يعني بدأ تقريبا من عام 1900، بدأ ينتشر في العالم ويُعرف، وللأسف المصدر الرئيس الولايات المتحدة.
في عام 1912 إلى 1920 طلع تقريبا تقريران مهمان، اللذان أثبتا علاقة الدخان المباشرة بسرطان الرئة، ومن ثم لحقت مجموعة دراسات أثبتت علاقته بأمور أخرى، من ضمنها القلب والأوعية الدموية وغيرها. للأسف الشديد، مثلا في أمريكا في الستينيات كان الرقم كبير لأنه كان بداية انتشار الدخان، لكن بدأ ينزل نزولا واضحا في التسعينيات وبداية هذا القرن، وهذه الفترة (أقصد بين التسعينيات وبداية هذا القرن لا يوجد فرق كبير)، وإنما النزول كان بشكل واضح جدا نتيجة الدراسات التي أثبتت علاقته بالأمراض.
لكن خلال الـ 20 سنة أو الـ 15 سنة الماضية، كان التغيير نتيجة سّن قوانين محلية ودولية وزيادة معرفة الناس عن أضرار التدخين سواء عن طريق الدراسات أو حتى بالمجتمع غير الطبي.
ثم كان هناك بعض القوانين الدولية التي حصلت من موضوع التصدير والاستيراد، فبعض الدول أصبحت تسن ضرائب على تصدير الدخان، وكذلك الاستيراد عليه ضرائب، وبالتالي قـّل مدى انتشار التدخين بين الشعوب، المؤسف أن مقابل هذا الانخفاض في أمريكا وأوروبا والعالم الأول صارت هناك زيادة في مدى انتشار الدخان في العالم الثالث، والآن الدراسات في أمريكا عن الناس البالغين تقريبا 25 في المائة من الرجال البالغين في أمريكا يدخنون، وعندنا هنا الدراسات طبعا مختلفة ولا هي دقيقة، ولكن الرقم يقارب أو يزيد ربما على هذا، وفي بعض الدراسات التي عُملت هنا في المملكة بين طلاب المدارس، أصبحت هناك زيادة في مدى انتشار الدخان بين طلاب المدارس وبالذات بين طالبات المدارس، وهذا حتى اجتماعيا غير معروف عندنا سابقا، أضف إلى ذلك أن انتشار العادات الأخرى المصاحبة للدخان زادت من عملية انتشار الدخان، ومن ضمنها المقاهي التي تنتشر فيها الشيشة، فهذه زادت بشكل كبير من مدى انتشار الدخان في الشعب، وهذه طبعا حقائق علمية أولية.
زيادة ملحوظة
وقال الدكتور محمد عرفة: بالنسبة للدراسات قد لا تكون هناك دراسات دقيقة في هذا الأمر، ولكن اللافت للنظر أن الدراسة عرفت منذ نحو فترة قريبة، وأعلن عنها من نحو ثلاثة أسابيع، فنسبة الطلبة المدخنين في المرحلة المتوسطة في المدارس 34 في المائة، بحسابات الدراسة عن أمراض القلب ولو نظرنا إلى التدخين، طبعا كان التقرير عبارة عن إنسان هو يقول بنفسه أنا مدخن أو غير مدخن، وطبعا بعض الناس لا يعطيك المعلومة الدقيقة، لكن نسبة المدخنين ما بين سن الـ 35 إلى 75 كانت 22 في المائة، في واقع الأمر لا شك أن هناك زيادة، ومع الأسف هناك زيادة ـ كما تفضل الدكتور الضلعان ـ في النساء، وأيضا في الأطفال، ونحن نعتبر الأطفال ما بين 12 إلى 18 سنة، وهذه مع الأسف المرحلة التي تنطبق بعدها الآثار المترتبة على التدخين في مراحل متقدمة.
قرأت دراسة حديثة جدا في إحدى المقاطعات الأمريكية، الناس خفضوا نسبة التدخين بمقدار 29 في المائة، فانخفضت نسبة الوفيات بأمراض القلب إلى 31 في المائة، خلال فترة السنوات العشر الماضية يعني من عام 1999 إلى الآن، فهذا فيه ارتباط وثيق ما بين العوامل وتخفيضها، يعني أنهم انتبهوا للأمر وبدأوا يعملوا. وللأسف نحن ما زلنا في مرحلة عدم الانتباه للأمر، لا بد من وجود قوانين صارمة.
أهمية المنع
ويقول الدكتور سعيد خضر: كما تفضل زملائي نسبة التدخين في السعودية عالية جدا وكذلك في العالم العربي بشكل عام، لا أدخل مرة أخرى بالنسب، لأن هناك دراسات تشير إلى إن الرجال فوق سن الـ 18 سنة نسبة المدخنين منهم تصل إلى 21 في المائة، وفي النساء 9 في المائة من السعوديات مدخنات، هذه دراسة سعودية محلية، بالنسبة لقضية التدخين في أوروبا وأنا كنت فترة طويلة هناك، استطاعت إيرلندا وبريطانيا وحتى بلغاريا وإسبانيا وإيطاليا التقليل من نسبة التدخين بنسبة كبيرة جدا بعدما منعوه في الأماكن المغلقة وفي المقاهي وفي المطاعم وفي المستشفيات إلى آخره، ومن هنا تأتي أهمية منع التدخين ليس فقط لمنع المدخنين، بل نمنع أيضا غير المدخنين، وهناك خطأ شائع إن المدخن هو فقط الذي يلحقه الضرر من سرطان الرئة أو تصلب الشرايين أو جلطة قلبية، نحن نستنشق النيكوتين خلال 15 ثانية، وبالتالي أي واحد مجاور إلى المدخن فإنه خلال 15 ثانية سيتأثر أيضا بالتدخين، لذلك التدخين يضر المدخن والناس الذين بجواره.
أيضا هناك ضرر كبير جدا على الحوامل من التدخين، فعندما نسمع أن نسبة السيدات تزداد، فمعنى ذلك أنه سيصبح لدينا مشاكل حتى عند الأطفال، وأثناء الحمل وإلى آخره.
قلة الوعي
اما الدكتور مجدي محسن فقال: مما لا شك فيه أن موضوع التدخين مشكلة يعاني منها العالم، وبالذات في المنطقة العربية، وأعتقد أن أكثر ما يواجهنا هو قلة الوعي لدى مجتمعاتنا، القوانين موجودة لكن تفعيل هذه القوانين والتحقق من أداء القوانين وحرصها على تقليل التدخين، الحقيقة يجب أن نعترف أنها ليست بالقدر الكافي، فما زلنا في المراحل الأولى من حذر القوانين في المناطق المغلقة، مثلما الدكتور سعيد تفضل وأشار إلى أن موضوع التدخين السلبي أو التدخين المكره على استنشاق التدخين يعاني مثلما يعاني المدخن تماما، فالحقيقة هذه نقطة مهمة.
نحن ندعو من خلال هذه الندوة إلى أننا لسنا ضد المدخنين، ولكننا مع المدخنين لأننا نعتبر أنهم من الضحايا الذين تعرضوا لبعض الإغراءات بدأت بالتقليد والعادة وأصبحت نوعا من الإدمان، فنحن مع المدخنين نأخذ بأيديهم حتى يستطيعوا أن يقلعوا عن هذه العادة، نحن ضد التدخين وندعو جميع فئات المجتمع أن تتضافر جهودهم لكي تفعل القوانين القادرة على حماية المدخن وحصر أماكن التدخين حتى نزيد من صعوبة التدخين، وفي الوقت نفسه نحافظ على من لا يدخنون حتى لا يتعرضون لهذه الآفة.
نأمل أن نضع أيدينا جميعا كل في مجال تخصصه في زيادة التوعية، في زيادة نشر الدراسات، في الدعم والتعاون مع وزارة الصحة، فوزارة الصحة السعودية مشكورة لها أياد بيضاء ولها مشروع وطني قومي يدعو ويحارب التدخين من خلال نحو 50 عيادة متخصصة على مستوى المملكة، وهذه العيادات تقدم المعونة للمدخنين، لكن نأمل من جانبنا ومن هذه الندوة الدعوة إلى أن يتوجه المدخنين إلى هذه العيادات، أيضا يوجد الكثير أو العديد من الجمعيات الخيرية غير الحكومية السعودية، والحقيقة بجهود مشكورة، أيضا تدعو إلى محاربة التدخين، نأمل، إن شاء الله، أن تتضافر هذه الجهود حتى نحقق الهدف المرجو من هذا التجمع.
المشاركون في الندوة:
د. عبد الله البداح ـ المشرف العام على برنامج مكافحة التدخين في وزارة الصحة.
د. عبد الله الضلعان ـ استشاري أمراض صدرية ـ مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث.
د. محمد عرفة ـ استشاري أمراض قلب ـ مستشفى دلة.
د. سعيد خضر ـ استشاري غدد صماء ـ مركز الدكتور سليمان الحبيب الطبي.
د. مجدي محسن ـ مدير الشؤون العامة في شركة فايزر في السعودية.