المرأة في العمل والزوج في المطبخ ... لم لا؟

المرأة في العمل والزوج في المطبخ ... لم لا؟

لا أحد يشك أن المرأة العاملة باتت زوجة مرغوبة لدى كثير من شباب اليوم، بل ولأبعد من ذلك باتت "شرط" من شروط الزواج، بهدف المساهمة في توفير عيش كريم للأسرة عن طريق المشاركة.
كثير من النساء في وقت سابق انخرطن في سوق العمل لتحقيق هذه الأهداف لهن ولأزواجهن وتحملن مسؤوليات تكاد أحيانا تكون جسيمة من أجل التوفيق بين العمل والعائلة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، إلى درجة أن بعضهن عشن أشبه بحياة مزدوجة تخللتها ضغوطا من جهة الزوج والعائلة من جهة أخرى، والمجتمع من جهة ثالثة. والمرأة العاملة مطالبة في كل الأحوال بأن تكون ربة بيت مثالية ومربية عظيمة وزوجة مستوعبة وحاضرة لزوجها حتى وإن كانت في الوقت نفسه تكد وتعمل خارج هذا البيت للحصول على المقابل المادي لتوفير جزء لا يستهان به من متطلبات هذه العائلة.
ولكن هل استسلمت المرأة العاملة لما قد تراه وتظنه "فخا" أراد الرجل والمجتمع إيقاعها فيه؟
حسب ما تشير إليه الآراء والمشاهدات الواقعية فإن كثيراً من النساء العاملات قد وضعن شروطاً للمقايضة والمساومة من أجل حصولهن على ما أسمته بعضهن "المقابل"، وهذا المقابل تجسد في مصطلحات ومفاهيم عديدة اختلفت فيها آراء النساء، فمنهن من عبر. عن هذا المقابل بقسط من الراحة ومنهن من وصفنه بالحقوق العامة ومنهن من اعترفن بأن هذا المقابل هو بمثابة الثمن الذي يجب على الرجل أن يدفعه.

"المرأة العاملة" التقت شريحة من النساء في العاصمة الأردنية عمان واللاتي عبرن عن أرائهن بكل صراحة :

صفقة بين الزوجين
جيهان أبو حجلة وصفت الموضوع بأنه أشبه بتبادل تجاري: "يريدني أن أعمل وأساهم في مصروف البيت، إذا فليعطني شيئاً بالمقابل، خاصة أنني أنا من يتحمل مسؤولية البيت بأكمله، فزوجي قد أتى من عالم يظن أن شغل الرجل في البيت هو جريمة اجتماعية، ولن أجهد نفسي في إقناعه بغير ذلك. ولكنني قايضته بأن تكون لي مساحة كبيرة من الحرية للخروج مع صديقاتي، وأن يعتني بالأطفال خلال خروجي وسفري. في البداية رفض زوجي ذلك ولكنني أجبرته على الموافقة".
وعند سؤال"الاقتصادية" لجيهان عن كيفية ارتباط مفهوم مساهمة الرجل بعمل المرأة بالسفر والخروج أجابت: "ليعتبره ثمنا لعملي، فوظيفتي من جهة واضطراري إلى القيام بجميع مسؤوليات البيت من جهة أخرى لا تتيح لي ممارسة نشاطاتي الاجتماعية".

زوج في المطبخ
لكن لين الصباغ وضعت لعملها شرطا آخر لا يقل غرابة عن شرط جيهان، تقول لين: "شغلي يتطلب مني أن أكون خارج البيت لفترات طويلة تمتد أحيانا إلى الليل، نحن متزوجان منذ أربع سنوات ولم يرزقنا الله أولادا بعد، قبل الزواج كنت سعيدة في عملي لأنه لم يكن لدي مسؤوليات وارتباطات عائلية، ولكني بعد الزواج بت أتعب من طبيعة عملي، واقترحت على زوجي أن أجد وظيفة أخرى أقل تعبا، ولكنه أقنعني بل وأصرّ على بقائي فيها نظرا للمردود المادي الكبير الذي تدره علينا خاصة أن زوجي موظف عادي ونحن في بداية حياتنا. "تواصل لين": استجبت لرغبة زوجي واقتنعت على مضض بوجهة نظره، ولكني بعد فترة أحسست بغبن كبير حيث إني أعمل وأتعب وهو يتصرف كشخص مدلل يرجع من وظيفته ويأكل وجبة دسمة عند أمه وينام قليلا ثم يخرج مع أصدقائه ويلهو ويمرح، بينما أنا أضطر لتمشية حالي بوجبة سريعة في عملي، إلا إذا كنت قد طبخت أنا شخصيا قبل أن أذهب إلى عملي وأرجع إلى بيتي منهكة القوى. ولم يمر وقت طويل حتى وضعته أمام اختيارين إما أن أترك العمل فورا أو أن يرجع من وظيفته ليطبخ لنا وجبة الغداء ولا يخرج أبدا مع أصدقائه".
وعن موقف زوجها من هذا الشرط تقول: "إنه استغرب طلبي ولكنه في النهاية انصاع له، وشخصيا شعرت أنه يشعر معي أو يعطيني نتاج تعبي حتى لو كان إحساسه وعطاؤه رغماً عنه".

تعويد الزوج
غدير خير تطلب من زوجها أن يبدو منصفاً، فهي معلمة وزوجها موظف في شركة كبرى، تقول غادة "لم تكن طلباتي وشروطي غريبة بقدر غرابة الطريقة التي طلبتها بها والتي كادت تقضي على حياتنا الزوجية ، فأنا كنت فتاة مدللة جدا عند أهلي إلى درجة أنني لا أعرف كيف أسلق بيضة، وعندما تزوجت أحسست بعد أشهر وعندما كنت حاملا بطفلي الأول أنني سأجن تحت مسؤولية عملي وزوجي الذي يحب الإتقان والترتيب بشكل مبالغ فيه، وارتباطاتي الاجتماعية الجديدة. ذات يوم كنت مرهقة جدا بسبب الحمل ونتيجة ضغوط في العمل أيضا فلم أرجع إلى بيتي بل رجعت إلى بيت أهلي وقلت لهم إنني أريد الطلاق". تواصل غدير: كانت صدمة كبيرة لأهلي وزوجي أيضا وكان أبي حكيما حيث دعا زوجي وقلت كل ما في فسي والحمد لله كان زوجي متفهما وراعى ظروفي خاصة أنه يحبني جدا، ولكني استغللت الموقف ووضعت شروطا بأن يساعدني في شغل البيت ويعينني على بعض المسؤوليات. في البداية حصلت بعض المشاحنات خاصة أنه لم يكن معتادا على ذلك، ولكنه الآن وبعد خمس سنوات من الزواج يتحمل معي كثيرا من مسؤوليات البيت والأولاد، بل والتعبير الأصح هو أنه يشترك معي في جميع المسؤوليات. وتضيف غدير ضاحكة: "بصراحة صدق المثل الذي يقول ابنك على ما تربيه وزوجك على ما تعوديه".
أما مها الصفدي وحنين أبو جميل فقد تشابهت شروطها مع شروط الشريحة الأكبر من الآراء حيث كان المقابل لعملهن هو مساهمة الزوج بالمقابل في أعمال البيت، رغم أن غالبيتهن يعرفن أن الرجل يسهم على مضض في هذه المسؤوليات، ولكن لا يهم هذا ما دام يوفر نوعا من الرضا الداخلي أولا ومزيدا من الراحة ثانيا لهؤلاء النساء العاملات.

تقول هند العطعوط "هناك مشكلة ترجع إلى ثقافة الرجل والمجتمع بالنسبة للمرأة، فهناك شرائح في المجتمع ما زالت تضع على المرأة أعباء ومسؤوليات كبيرة وكثيرة في آن، بينما تعتبر مشاركة الرجل في هذه الأعباء إنقاصاً لمكانته الاجتماعية و قدره وكرامته، مثل أعمال المنزل أو تربية الأطفال، فالزوج يسمح لنفسه أن يستقطع من وقت زوجته لتخرج إلى العمل وتساعده براتبها دون أن يكلف نفسه ومساعدتها في أمور أخرى تتعلق بمسؤولياتها"، وتؤكد العطعوط على أهمية المشاركة في تحمل الأعباء من كلا الطرفين حيث إن المشاركة تولد مزيداً من الألفة بين الزوجين.
وتضيف كما يشعر الرجل أن المرأة تعينه في عملها على متطلبات الحياة العصرية الصعبة فإن المرأة بمشاركته لها بأعبائها تشعر أيضا أنه يقدر مجهودها ويرغب في معاونتها وتخفيف العبء عنها. وهذا بالمقابل يجعلها ترغب في مزيد من العطاء ويمنحها إحساسا بالسعادة حتى خلال تعبها. ومن جهة أخرى يقلل من حجم المشكلات العائلية داخل البيت التي يمكن أن تتأتى من الضغوط التي تتعرض لها المرأة نتيجة قيامها بكل الأعباء وإحساسها باللامبالاة من قبل زوجها.
من جهة أخرى، تؤكد العطعوط أهمية إيجاد الأسلوب والطريقة المناسبين لإقناع الزوج وجعله يشعر بأهمية المشاركة في أعباء البيت لأن إجباره على ذلك يمكن أن يؤدي إلى مشاكل من نوع آخر حيث أن هناك كثير من الرجال وبفعل ثقافة العيب يجدون حرجا في ذلك، وهنا يجب على الزوجة أن تقوم بتشجيع زوجها وتحببه بمساعدتها ومعاونتها وتخبره كم هي سعيدة بذلك وكم هي ممتنة.

الأكثر قراءة