ريادة المسلمين الأولى الزراعية: هل يجددها العالم اليوم؟
لقد أشير لموضوع الأمن الغذائي والعدالة الاجتماعية مرارا في القرآن الكريم وفي السنة الشريفة، وفهم المسلمون الأوائل هذه المقاصد فهما عميقا مكنهم من تطوير نظام زراعي واقتصادي قوي وناجح باء بالازدهار على الدولة الإسلامية منذ عهد الخلفاء الراشدين. وأشار ستانوود كب لهذه الحقيقة في كتابه (المسلمون في تأريخ الحضارة) فكتب: "ومن الأسباب الرئيسية لرخاء الجماهير في عهد الحكم الإسلامي ما وجه من اهتمام إلى الزراعة. لقد كان الخلفاء مستنيرين تماما في هذه الوجهة. ولقد التمسوا من شتى أنحاء العالم المعروف وقتذاك أية نباتات أو أنواع جديدة وتعهدوا الري بكل ما تحت أيديهم من وسائل الرعاية، وحموا الفلاح في ملكيته الفردية البسيطة. ويبدو أنهم تبينوا أن الزراعة في الحقيقة هي الصناعة الأساسية. ولا تزال الزراعة على هذه المنزلة حتى يومنا هذا. وأعظم احتياجات الشعوب المتخلفة هي التنمية الزراعية بالتقدم في تزايد استعمال المخصبات وتحسين الحرث واستجادة البذور والسلالات النباتية. إن رخاء الناس جميعا ينبثق من التربة".
إذاً ليست التنمية الزراعية مفهوما باليا كما ادعى جون بلوك المذكور سابقا.
وإن نظرنا إلى أسس السيادة الغذائية المذكورة في الفقرة السابقة، والتي تطالب بها مؤسسة (لا فيا كامبيسينا) لوجدنا تقاربا لافتا بينها وبين ركائز ثورة المسلمين الزراعية في القرن التاسع الميلادي, وهي:
1 . تطوير أنظمة الري المتطورة، ما مكنهم من توسيع مساحات الأراضي الصالحة للزراعة.
2 . تطوير تقنيات الزراعة من خلال البحث العلمي والاستفادة من التجارب المختلفة حول العالم. وقد كانت توزع الكتيبات الإرشادية في جميع أنحاء الدولة الإسلامية مبينة طرق زراعة الأنواع المختلفة والمناطق والفصول الصالحة لكل نوع.
3 . التركيز على الحوافز لزيادة الإنتاجية والرخاء الاجتماعي, وذلك بالاهتمام بتسهيل ملكية الأراضي - لأي فرد بغض النظر عن عرقه أو جنسه أو دينه طالما أنه يزرع الأرض ويعمرها - وبإعطاء المزارعين نسبة من المحصول مقابل جهودهم وبالاهتمام بحقوق العمال، في حين أن الوضع كان مختلفا جدا في أوروبا آنذاك. فقد كان المزارعون هناك يرزحون تحت وطأة النظام الإقطاعي دونما أمل في تحسين أوضاعهم.
4 . اهتمام بالغ بالاستغلال المستدام للموارد الطبيعية وبالحفاظ على البيئة, وكان هذا يعد من واجبات الخلافة، كما كانت تسن القوانين لهذا الهدف.
5 . إدخال أنواع جديدة من المحاصيل والاستفادة من ذلك في التجارة العالمية، حيث كانوا يصدرون لأوروبا التي كانت الزراعة فيها حينذاك محصورة في أنواع من القمح.
فمن الواضح أن أسلافنا كانوا يعون معنى وأهمية الفكر الاستراتيجي ويفهمون ما تقوم عليه الحضارات, فهل نواجه التحديات التي تواجهنا اليوم بالبصيرة نفسها التي واجهوا بها تحدياتهم؟