اتخاذ القرار في ظل إدارة الجودة الشاملة

اتخاذ القرار في ظل إدارة الجودة الشاملة

اتخاذ القرار في ظل إدارة الجودة الشاملة

تعرف أدبيات الإدارة عملية اتخاذ القرار بأنها قلب العملية الإدارية, كونها عملية واعية ومنظمة للتفكير, تنتهي باختيار أحد البدائل المتاحة لحل مشكلة أو بلوغ هدف، وهناك أساليب تقليدية لاتخاذ القرار تعتمد على الخبرة الشخصية والمحاولة والخطأ وعلى النظرة الذاتية لمتخذ القرار، في حين أن الأسلوب العلمي لاتخاذ القرار يتطلب القيام بعدد من الخطوات هي: تحديد المشكلة أو الهدف, يليه جمع المعلومات عنها، ثم حصر جميع العوامل المؤثرة في المشكلة، وبعد ذلك صياغة عدد من البدائل المناسبة ما يمهد لاختيار البديل الأنسب, يلي ذلك تقويم النتائج لمعرفة مدى فاعلية القرار في حل المشكلة أو تحقيق الهدف الذي اتخذ من أجله. هذه الخطوات العلمية في اتخاذ القرار هي التي تستند إليها عملية اتخاذ القرار في المنظمات الحديثة مهما اختلفت مناهجها وأساليبها الإدارية.
وإدارة الجودة الشاملة باعتبارها أحد الأساليب الإدارية الحديثة تولي اهتماما بعملية اتخاذ القرار، فمن أقوى وأجدى مبادئها مبدآن هما: مبدأ مشاركة العاملين وتمكينهم, ومبدأ معرفة احتياجات ورغبات وتوقعات العملاء الداخليين والخارجيين لتقديم الخدمة الجيدة التي تلبي تلك التوقعات وتتفوق عليها, ووفقاً لهذين المبدأين فإن عملية اتخاذ القرار يجب أن تتم بمشاركة العاملين (العملاء الداخلين) في الموضوعات التي تدخل في نطاق عملهم بما يؤدي إلى رفع الروح المعنوية وإشباع حاجاتهم إلى الاحترام ويقوي العلاقة بين الرؤساء والمرؤوسين والزملاء والأهم من ذلك تهيئة جو العمل لقبول القرار والرغبة في تنفيذه. فرضا العاملين الداخليين ينعكس على رضا العملاء الخارجيين والمستفيدين من خدمات المنشأة بشكل عام.
اتصالا بما تقدم اطلعت الأسبوع الماضي على خبرين نشر أحدهما في العدد (14591) لصحيفة "الرياض" بتاريخ 1/6//1429هـ والآخر في العدد (22812) لصحيفة "الوطن" بتاريخ 7/6/1429هـ، ومضمون الخبر الأول يفيد بأن وزارة التربية والتعليم أصدرت تعميماً يقضي باستمرار طلاب الصفوف الأولية من الصف الأول إلى الخامس الابتدائي في الدارسة لحين انتهاء طلاب الصف السادس, مما أحدث حالة من عدم الرضا لدى المعلمين والمشرفين وأولياء الأمور, أجبرت الوزارة على التراجع عن قرارها بإصدار قرار آخر يقضي بأن تبدأ إجازة طلاب الصفوف الأولية اعتباراً من 7/6/1429هـ، أما مضمون الخبر الثاني فهو مكمل لموضوع الخبر الأول , حيث يشير الخبر إلى أن الناطق الرسمي لوزارة التربية والتعليم أعلن في بيان صحافي أن معلمي الصفوف الأولية سيبقون على رأس العمل إلى 2/7/1429هـ, وسبب هذا الإعلان تبايناً في آراء المعلمين حوله ما بين مؤيد ومعارض، فالمعارضون له يرون الوزارة أخذت في الآونة الأخيرة تجحف بحقهم وتتباين من قرار لآخر, فالقرار من وجهة نظرهم غير عادل، ولا يستند إلى معرفة بمعاناتهم، فهم حسب قولهم أكثر فئات المعلمين معاناة من التعب بسبب صعوبة التدريس في الصفوف الأولية. وناشد المتضررين وزير التربية والتعليم إعادة النظر في القرار والعمل على أن يتمتعوا بإجازتهم أسوة بطلابهم.
إن التكلفة المادية والمعنوية لاتخاذ قرار ثم التراجع عنه كبيرة, منها على سبيل المثال: هدر الجهد والوقت المبذول في صياغة القرار, فضلا عن هدر الإمكانات المادية بتصدير النسخة الورقية منه إلى جميع الجهات ذات العلاقة, والأهم من ذلك تشكيل اتجاهات سلبية نحو الإدارة من جانب العاملين لا تتغير بسهولة حتى بعد التراجع عن القرار.
وبصفتي إحدى منسوبات وزارة التربية والتعليم ( سابقاً), وما زلت أحمل له في نفسي كثيرا من الولاء والانتماء، فقد أعطيت نفسي الحق في طرح عدة تساؤلات هي: هل طبقت وزارة التربية والتعليم الخطوات العلمية في اتخاذ القرار؟ وهل طبقت بعضا من مبادئ إدارة الجودة الشاملة فيما يتعلق بمشاركة العاملين في صناعة القرار للوصول إلى القرار الصحيح من أول مرة, بدلاً من إصدار قرار استمرار الطلاب ثم إلغائه؟ وهل تعرفت على حاجات المعلمين والطلاب وأولياء الأمور ورغباتهم باعتبارهم عملاء داخليين وخارجين مستفيدين من خدمات الوزارة بشكل مباشر؟
والسؤال الأخير هو: ماذا لو تبنت وزارة التربية والتعليم وغيرها من منشآتنا الوطنية في القطاعين العام والخاص مبدأ آخر من مبادئ إدارة الجودة الشاملة, لا يقل أهمية عن المبدأين المذكورين أعلاه وهو مبدأ التحسين المستمر للعمليات لتلافي الخطأ قبل وقوعه, بأن تعمل قبل إصدار القرارات الاستراتيجية أو التنفيذية المهمة بالتعرف على حاجات العملاء الداخليين والخارجيين من خلال استطلاع آراء مجموعة عشوائية منهم, أو القيام بالدراسات المسحية أو اللقاءات المباشرة باستخدام أسلوب العصف الذهني ما يؤدي إلى الحصول على مقترحات محددة بخصوص القرارات تسهم في صياغة القرار على الشكل الذي يحقق رضا العملاء الداخليين والخارجيين.
كلمة أخيرة: سبق ديننا الحنيف إدارة الجودة الشاملة بالدعوة إلى مبدأي المشاركة وجودة الخدمة كما في قوله تعالي في كتابه الكريم: "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ" (آل عمران:159), وفي حديث عَائِشَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ـ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ". [رواه البيهقي].

أستاذة في الجامعة العربية المفتوحة
استشارية تربوية وتعليمية
[email protected]

الأكثر قراءة