السعودة: الحب والحكمة

السعودة: الحب والحكمة

دأبنا على الحديث عن السعودة سفلى»فىُ بمعنى الإجراءات أو الخطوات أو العملية التي تهدف إلى توطين الوظائف وإحلال العامل السعودي محل العامل الأجنبي. لكننا، بمناسبة اليوم الوطني الذي يشكل ذكرى توحيد هذا الوطن، سنتحدث عن السعودة سفلى بمعنى القيم والمبادئ والمنهج الذي أدى إلى تمايز التجربة السعودية عن غيرها.
لنقول في البداية إن المراقب المنصف الذي يتذكر العقود السبعة الماضية بكثير من تفاصيلها يدرك بما لا يدع مجالا للشك وجود عنصر أو عدة عناصر مكنت السعودية من الاستمرار في التقدم بالرغم من كل الأحداث الجسام التي حفل بها التاريخ في العقود السبعة الماضية. فالخمسة والسبعون عاما التي خلت شكلت وجه العالم المعاصر بكل ما فيها من حروب وتحالفات وتيارات وأيدولوجيات، لكن الحكمة، والحكمة فقط، كانت هي العنصر الأساسي الذي يمكن استنتاجه في تحليل المنهج السعودي عبر العقود السبعة الماضية الذي ميز ذلك المنهج عن غيره.
حربان عالميتان أتتا على الأخضر واليابس سقطت بسببهما إمبراطوريات عظمى ونشأت قوى أخرى وتمت إعادة تشكيل الخرائط مرات ومرات. وحرب باردة أشعلت حروبا بالوكالة في كل مكان تقريبا نتج منها خلع أنظمة وإحلال أنظمة أخرى. بيد أن الحكمة السعودية استطاعت بتوفيق من الله أن تعبر كل تلك المضائق والمزالق وأن تكمل التوحيد وتبدأ التشييد. في كل وقت من الأوقات وحقبة من الحقب ظنت القوى العظمى أو ممثلوها بالوكالة أن هذه الصحراء وأهلها ''البدو'' يقفون معهم وفي صفهم، لكن حقيقة الأمر أن السعودية وقيادتها وشعبها لم يكونوا في ركاب أحد. كان التركيز على هدف واحد هو البناء والتنمية وتعويض شعب هذه الجزيرة، ما فاتهم.
في الدائرة الأقرب كان تلاطم الموج أشد وأكبر تأثيرا وكانت السفينة تصارع الأمواج العاتية وبدا وكأنها تترنح لكن الربان السياسي لم يكن ليغفل عن البوصلة السياسية، عين على الأفق ويد على محرك السرعة والاتجاه. في الداخل كان وما زال الهم الأكبر والمخاض الأشد كيف نبني وبسرعة. كيف نطور ونحدث ونلحق بالركب من غير أن تذوب مبادئنا وهويتنا وقيمنا. لم تكن المواءمة بين طرفي المعادلة أمرا سهل ويسيرا ولكن بكثير من الجدية والموضوعية والتواضع، استطاعت القيادة أن تنجح إلى حد كبير في تحقيق أحسن النتائج وبأقل الخسائر. فالسعودية تتمتع اليوم بمكانة مرموقة بين الأمم بأسلوبها المرن والحكيم والمتوازن. قيادة تحكم بحسب المعطيات في الزمان والمكان. فالبعد عن المزايدة من خصائص الحكمة السعودية في الدين أو في الحياة أو في العروبة أو قضايا الوطن. التسامح، أيضا، كان من عناصر الحكمة السعودية مع الداخل والخارج.
لكن، يبقى باب السؤال مفتوحا. خمسة وسبعون عاما فهل بلغنا من الكبر عتيا؟ هل بلغنا غايتنا وحققنا آمالنا وطموحاتنا؟ هل الطريق أمامنا سهل ويسير؟ الجواب عن كل الأسئلة السابقة: لا. هذا هو الجواب بكل تأكيد أو هكذا يجب أن يكون. نحن وطن شاب وأمة فتية وقيادة حكيمة ستكمل المسيرة ولو كانت عسيرة وتحسن الملاحة في أوج الأعاصير والتضاريس بالعزيمة والحب والحكمة.
مثل شعبي: ''كل شيء في وقته حلو''.

الأكثر قراءة