الأمير سلمان يحمل رؤية حضارية في طرحه الفكري وفي سلوكه العملي
الأمير سلمان يحمل رؤية حضارية في طرحه الفكري وفي سلوكه العملي
من الأمور التي تشغل بال الشيخ زين العابدين الركابي ويتتبعها منذ سنوات بعيدة هو البحث عن (الرؤية الحضارية المتكاملة) في طرح الناس الفكري، وفي سلوكهم العملي، وهذه تقريبا إحدى الأفكار الأساسية التي يبني عليها الشيخ الركابي كتابه عن الأمير سلمان بن عبد العزيز، بل هي الخيط الفكري الذي أخذ يتتبعه ويراقبه ويراجعه منذ أن تعرف على الأمير سلمان قبل سنوات بعيدة. يقول: "لقد اكتشفت أن سلمان بن عبد العزيز يحمل رؤية حضارية: متناسقة الأجزاء، مترابطة السياقات، متكاملة (الأبعاد الزمنية)، أي أبعاد: الأمس واليوم وغداً". أي أن الأمير سلمان يقيم وزنا كبيراً للأفكار ومدى أثرها في الناس، وهذا (الجانب الآخر) هو الذي قاد إلى تأليف هذا الكتاب، ليدون تجربة تطورت عبر سنوات طويلة، هي تجربة الأمير سلمان مع الحكم والإدارة.
الشيخ الركابي قليل الكلام ولكن إذا تحدث فإنه يتجلى في طرحه مستمدا أفكاره من السنوات الطويلة التي أمضاها في البحث والتأليف .. والتأمل العميق في أحوال الناس والأمم. كما كان الكتاب متعة فكرية، أيضا الحوار متعة ووجبة فكرية تستحق التأمل.
عادة أول سؤال يطرح عن عنوان الكتاب.. لماذا اخترت هذا العنوان، ماذا تعني بـ (الجانب الآخر) في الأمير سلمان بن عبد العزيز؟
إن الكتاب ـ من الغلاف إلى الغلاف ـ هو جواب مستفيض أو مفصل عن هذا السؤال.. نعم فـ (الجانب الآخر) هو الخط المركزي الرئيس للكتاب. أما الفصول والمباحث الأخرى فهي نماذج تطبيقية على الخط المركزي الكلي.
هذا الجانب الآخر من شخصية هذا الرجل هو الذي تيسر لي اكتشافه واجتلاؤه. فأنا واثق جدا (تقريرا للحقيقة الموضوعية، لا نزوعا إلى المفاخرة): أن الكتاب انتظم مسائل وموضوعات لم يتحاور معه فيها أحد غيري أو قبلي، بهذه الطريقة المطولة والمنهجية والممتدة ـ زمنيا ـ عبر عقدين من الزمان. ومن حقي ـ ومن واجبي ـ أن أقول ذلك.. من حقي أن أعبر عما اكتشفت، ومن واجبي تجاه الناس ـ بحسباني كاتبا ـ أن أطلعهم على ما اكتشفت، ولا سيما أن موضوعات الكتاب (عامة) ـ لا خاصة ـ من حيث الجدوى الفكرية والثقافية في نفع الناس.. والأمثلة موكلة ـ دوما ـ بتوضيح الفكرة و(تبسيطها).
1 ـ الجديد المكتشف تأتـّى من خلال تجاوز (الوصف والتصوير) إلى (التحليل والمَنْهَجَة). فقد يتساوى الناس في الوصف والتصوير، نظرا (للتماثل) في المعلومات (وحتى في هذا المجال هناك تفاوت كمي وتوثيقي)، ولكن الجديد النوعي يتبدى في طرائق التحليل والتعليل العقلي أو الفلسفي والنظر إلى الموضوع من ضلـع مختلـف أو زاوية جديـدة.. مثال ذلك عبارة (الإبداع في ظل لا إله إلا الله) هـذه عبارة مجملة قالها الأمير سلمـان بوعـي وقصد: الوعي بضرورة الإبداع، والقصد هو التوكيد أن هذا الإبداع لا يتعارض مع حقيقة التوحيد، بل هو ـ أي الإبداع ـ ثمرة من ثمار التوحيد الحق المبني على التفكير العميق في آيات الكون وطاقاته وذراته وقوانينه. بيد أن هذه العبارة المجملة ينبغي أن تكون (مدخلا) إلى اكتشاف منهج سلمان ـ النظري والتطبيقي ـ الذي يصدّق العبارة بتفاصيل مشبعة مستمدة من فكره كله، وسلوكه.. وهذا المنهج هو ـ في الوقت نفسه ـ مرتبط أو منبثق من منهج الإسلام في الجمع الوثيق بين توحيد الإله، وبين (الإبداع الكوني).
2 ـ على مستوى (المَنْهجة)، فإن مؤلف الكتاب مشغول على مدى عمره بهذه القضية الكبرى.. ومن مضامين هذه القضية المنهجية ومن معاييرها: البحث عن (الرؤية الحضارية المتكاملة) في طرح الناس الفكري، وفي سلوكهم العملي.. ولقد اكتشفت أن سلمان بن عبد العزيز يحمل رؤية حضارية: متناسقة الأجزاء، مترابطة السياقات، متكاملة (الأبعاد الزمنية)، أي أبعاد: الأمس واليوم وغدا.. نمثـّل لـ (بُعد) الأمس برؤيته الحضارية التاريخية لمصطلح أو مفهوم (القرون الوسطى المظلمة). فلسلمان بن عبد العزيز مبادأة فكرية تاريخية ابتدأها منذ مدة طويلة (والكاتب شاهد على ذلك) ثم أخذ يطرحها كلما لاحت مناسبة، أو ردد بعضهم ـ في غير علم ولا توثيق ـ مصطلح القرون الوسطى الظلامية، وذهب يسقطه على التاريخ العربي، والحضارة الإسلامية.. وجوهر مبادأته الفكرية أنه ينتقد هذا الاستعمال والتعميم: بناء على حقيقة علمية تاريخية حضارية وهي: إن القرون الوسطى المظلمة الأوروبية يقابلها في الزمن ـ بالضبط ـ القرون السبعة الأولى للحضارة الإسلامية، وهي قرون كانت مركزا عالميا ـ زمانيا ومكانيا ـ للتنوير العقلي والعقدي والمعرفي والثقافي والاجتماعي والعمراني والإنساني والتشريعي والمفهوم العام للحياة.
ثم نمثل للبعد الزمني الراهن برؤية سلمان المتكاملة للمسارات الاجتماعية والسياسية الخمس: الوطني والإقليمي والعربي والإسلامي والعالمي.. أما البعد الزمني الثالث وهو (المستقبل) فيتبدى في (دفع التطور) إلى الأمام ـ بعزم وهمة ومداومة ـ: بمعطيات جديدة مخصّبة برصيد الماضي، وتجربة الحاضر.. ومن تمام السياق ـ هنا ـ أن نقول: إن هذه (الرؤية الحضارية المتكاملة) ـ المكتشفة منهجيا ـ إنما هي رؤية (مستقلة)، وهي ثمرة لتفكيره العميق والجاد في القضايا والموضوعات والأحداث والوقائع والأبعاد الثلاثية للزمن: التاريخ والحاضر والمستقبل.
3 ـ ومما جذب انتباهي ـ منذ البدء ـ أنني أمام رجل يولي (القضية الفكرية) من الاهتمام والمتابعة والوقت قدرا يدرجه في شرائح المفكرين، على الرغم من استغراقه في العمل الإداري إلى درجة الاندماج والنجاح.. ويتعين ـ عند هذه النقطة: التفريق ـ في التعريف ـ بين (المثقف) و(المفكر) .. فمن تعريفات المثقف: أنه مطلع ومتابع ويملك حصيلة متنوعة من المعلومات في مجالات عديدة.. أما المفكر أو رجل الفكر، فإن من تعريفاته: أنه هو ذلك كله (أي تعريف المثقف)، إلى جانب أنه يملك (رؤية فكرية واضحة ومستقلة ومؤصلة) لمجمل القضايا المهمة: وفق معيار ثابت وصحيح للرفض والقبول والانفتاح والتميز والصلابة الواجبة والتجديد الواجب. وهذا شأن سلمان بن عبد العزيز الذي اكتشفته فيه، ومن هنا وصفته في كتابي هذا بأنه (رجل فكر)، وإلا بم يصف المرء رجلا يتفتق فكره، ويتفتح تفكيره على قضايا مثل:
أ ـ الفصل الفكري في قضية (الخصوصية السعودية) فصلا يجردها من الغلو في النفي أو الإثبات.
ب ـ "وكان عرشه على الماء".
بمناسبة (الفكر) في رأيك ما مقومات الحاكم الناجح؟ وهل الفكر أحدها؟ وإن كان كذلك فكيف يكون ترتيب الأولويات؟
هذا سؤال عام قد يبعدنا شيئا ما عن الموضوع المباشر، ولكن لا بأس من الجواب العام (أي المتعلق بالشأن الإسلامي العام: نصا وفقها وأمة).. إن مقومات الحاكم الناجح ـ بوجه عام ـ (سواء كان حاكما كليا أو جزئيا، إذ الثاني ينبغي أن يكون صورة مصغرة من الأول).. مقومات النجاح، هي: العقل الراجح.. والصلاح الشخصي.. والكفاية الإدارية.. والحزم والقدرة على البت في الأمور.. واستصحاب المنهج القويم (وهو الشريعة الإسلامية في الحالة الإسلامية).. و(الفكر) طبعا وبداهة .. إلى آخر هذه المقومات اللازمة.. وهي مقومات لها ـ كلها ـ صلة وثقى بـ (الفكر) .. فالعقل هو بيئة الفكر وضابطه.. والإدارة تتطلب نشاطا فكريا في التخطيط والقرار والتنفيذ والتقويم.. والحزم لا يكون إلا بعد الوضوح الفكري للشيء المعتزم فعله.. أما استصحاب المنهج فهو الوظيفة الأولى للفكر، فلا اختيار للمنهج في غيبة الفكر، ولا استحضار دائما له في مواقع العمل وحركة الحياة إلا بفكر نشط دوما ومتوقد أبدا.. ولذا فإن الأولوية الفكرية من مقومات الحاكم الناجح: الفكر النظري أو الموضوعي المقترن بالتطبيق، إذ إن طبيعة الحكم لا تحتمل الفكر الترفي المجرد.
وللظرف العصري أو الزمني وزنه واعتباره ـ ها هنا ـ بمعنى أنه إذا كان العصر يموج موجا بـ (حركة الأفكار) العابرة للأقاليم والقارات، فإن (المقوم الفكري) يزداد قيمة وإلحاحا وسطوعا وتقدما في سلم الأولويات.
ولقد تحدث فقهاء الإسلام من قبل عن هذه الاعتبارات، فقالوا: إذا كانت الأمة تواجه غزوات عسكرية معادية، فإن (شرط الشجاعة وشدة البأس) يتقدم الشروط الأخرى.. وإذا كانت الأمة تواجه (فتنة فكرية)، فإن الشرط أو المقوم الأجدر بالأولوية والتقديم هو: المقوم العلمي والفكري.
على أن مما يجب استيعابه وتحريره في هذا الموضوع، هو: أن الفقهاء كانوا يتحدثون ـ في الغالب ـ عن (حاكم فرد): اقتضت الظروف الزمنية ـ بوقائعها وأعرافها وبساطتها ـ أن يكون كذلك.. أما في عصرنا هذا ـ الذي كثرت مشكلاته وتعقيداته ـ فإن المسؤولية عن الحكم (تضامنية) ـ في الغالب ـ وبمقتضى هذا المفهوم لا يصلح إلا (الحكم المختلط) ـ إن جاز التعبير ـ الذي ينتظم الشجاع .. والخبير.. والمفكر.. والإداري.. والاستراتيجي.. إلخ.
وأكمل الصيغ وأحلاها وأجملها أن يكون لكل من المسؤولين المتضامنين: حظ من هذه المقومات والخصائص.. طبعا، مع وجود (الأسس والثوابت المشتركة) التي يقتنع ويؤمن بها الجميع.
ذكرت في المقدمة أنك تعاملت مع سلمان بن عبد العزيز في مستوى فكري راق ملؤه الجد والتشاور والحرية.. والاختلاف الرفيع أحيانا.. برأيك: ما حدود الخلاف الرفيع؟ وهل يمكن أن تضرب مثلا لخلاف رفيع بينكما؟
هذا سؤال صدوق ومحترم، نقابله بالصدق والاحترام، فنقول: ليس هناك قيود ولا خطوط حمراء وضعها الأمير تمنعنا من البوح بما يدور بيننا من مناقشات جادة وحوارات حرة، كأقصى ما تكون حدود الحرية، فالعلاقة بيننا أسمى وأوثق من ذلك وهي علاقة تحكمها قاعدة جميلة ومريحة أرساها الأمير ـ بعفوية أو بدهاء! ـ وهي "يا فلان: خذ حريتك وتحمل مسؤوليتك".
لذا ما منعنا أن نضرب الأمثال إلا (اقتناع ذاتي) بـ:
أولا، إنني أعوّد نفسي وأربيها ـ باستمرار على (كتمان) ما ينبغي كتمانه ـ في تقديري ـ وأن أعوّدها وأربيها وأوطـّنها على أن (الحديث الثنائي أمانة).. وهذه مسألة (أخلاقية) قبل أن تكون اعتبارا سياسيا أو أمنيا. فقد قال نبي الإسلام ـ صلى الله عليه وسلم: "إذا حدّث رجلٌ رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة" وعلماء الإسلام يوردون هذا الحديث في سياقات الكلام عن خلق (الأمانة).
ثانيا، إن الأمر يتعلق بـ (المصلحة) .. ومن شروط خدمة المصلحة: البعد التام عن نوازع المباهاة التي غايتها: جذب إعجاب الناس فحسب، وعن المراءاة التي تفسد الإخلاص لله جل ثناؤه.
ثالثا، يمكن فهم ما يدور بأنه صورة من صور (التناصح الرفيع) ـ في المضمون والعبارة ـ والأصل في التناصح: السر لا العلانية، ولا سيما مع ولاة الأمر.
انتقدت في كتابك: التصور المضطرب للعلاقة ـ بوجه عام ـ بين الحاكم والمثقف.. ما سبب ظنون الناس السيئة في تصور هذه العلاقة؟
* للظنون السيئة أسبابها.. ومن ذلك: الظن الخاطئ ـ بإطلاق ـ بالحاكم، فهناك من لا يرى في الحاكم إلا شرا محضا أو كائنا يغلب عليه الشر.. ولا شك أن هناك حكاما يستدعون هذه الأحكام على أنفسهم ـ بأقوالهم وأفعالهم ومسالكهم ـ بيد أن (التعميم) خاطئ بلا ريب، ليس خاطئا فحسب، بل هو ظالم: أيما ظلم.. وحين ترتسـم هذه الصـورة النمطية عن حاكم ما، فإن أي صلـة به تأخذ حكم هذه الصورة السيئة، ومن ثم يُساء الظن بالمثقف ذي الصلة بالحاكم.. ثم إن للصورة السيئة عن العلاقة بين الحاكم والمثقف (مصادر ثقافية) تراثية وعصرية ـ يسارية وشيوعية وحزبية و.... من هنا: طرحنا في كتابنا هذا أسئلة نحسبها جادة وأمينة وحاسمة.. مثلا: هل الأصل في العلاقة بين المثقفين ورجالات الحكم: أن تكون علاقة جفاء وتربص وعداوة ـ ظاهرة أو مكتومة؟ .. ومن قال هذا؟ .. وما القاعدة العلمية الموضوعية التي يستند إليها هذا القول؟ .. كلا، لا توجد أي قاعدة من هذا النوع.. لماذا؟ لأن الأصل هو (وحدة الأمة)، وهي وحدة لا تـُتصور ـ نظريا ولا عمليا ـ في ظل الجفاء والتربص بين الحاكم وبين شرائح مؤثرة في المجتمع والدولـة، ذلك أن (الوحـدة الفكريـة) ركن من أركـان الوحـدة الاجتماعية والسياسية والجغرافية.
ولماذا (التعوّد) على أن تكون العلاقة مكتومة بين المثقفين ورجالات الحكم؟ هل هي (علاقة سرية) يجب كتمانها أبدا؟ أو هي ـ بالضرورة ـ (تواطؤ) على الإثم والعدوان يُخشى أن يفتضح؟!
قد يقال: إن علاقة المثقفين والمفكرين مشوبة أو معرضة لـ (الإملاء) دوما بينما يجب أن يكون المثقف أو المفكر متحررا دوما من الإملاء.
إن هذا تصور وهمي ناشئ عن الحكم على الأمور من بعيد أو بسوابق سيئة: ليس من المنهج العلمي الصحيح تطبيقها على كل حالة، وفي كل الأحوال.
وكلٌّ يتحدث بما علم وجرّب.
ومن خلال التجربة الطويلة: لم أشعر في يوم من الأيام بهذا الإملاء من سلمان بن عبد العزيز، بل كثيرا ما كنا نتحاور لكي أستطلع رأيه ـ بحكم موقعه ـ في موضوع من الموضوعات فيرفض ويقول: "ليكن الرأي نتيجة البحث لا قبله.. خذ حريتك وتحمل مسؤوليتك".
ومع (حرية) البحث والمداولة وتقليب وجهات النظر: لا يكون هناك مكان للإملاء، لأن الحرية والإملاء نقيضان لا يجتمعان.
ما رأيك فيما كتب عن الكتاب حتى الآن؟
لا نزال في مرحلة رصد ما كتب وتقويمه (وهو كثير) مع أن الكتاب لم ينزل إلى الأسواق إلا منذ قليل ولذا سأطرق هذه الناحية من جانب عام.
إن أهم ما ينبغي أن يكون في تناول نتاج فكري من هذا النوع: أن يكون (أي التناول)، جادا، أو أن يكون نافذا إلى الجوهر، وهو تلمس جهد الكاتب في اكتشاف (الجانب الآخر) من سلمان بن عبد العزيز: بأمانة ومنهجية.. وباستيفاء.. ونقصد بالاستيفاء أن يُقرأ الكتاب من الغلاف إلى الغلاف ثم يكون الحكم بعد ذلك، وليست هذه دعاية للكتاب، فهو قد انتشر ـ بحمد الله ـ وإنما هي دعوة منهجية إلى (القراءة الموضوعية الجيدة) التي من مقومات صاحبها ومن محامده: الجد، والتجرد الفكري، والرؤية الكاملة المتماسكة للمقروء، والحرص الشديد على أن يعرف أكثر.
كيف نشأت فكرة الكتاب؟ وما مصادر معلوماتك وأفكارك وآرائك؟
نبتت الفكرة من خلال (ومضة) وهي التنبه إلى أن سلمان بن عبد العزيز يقيم للأفكار ـ ولآثارها ـ وزنا كبيرا جدا سواء كانت أفكارا بناءة أو أفكارا هدامة.. وهذا صحيح من الناحيتين العلمية والواقعية.. فالسلوك البشري محكوم ـ في حالة رقيه أو حالة تدنيه ـ بالأفكار التي توجهه وتقوده.
هذه الظاهرة لدى سلمان بن عبد العزيز شدت انتباهي ـ بادئ ذي بدء ـ ثم مع دوام الصلة والحوار لا تزال الفكرة تقوى وتتخصب حتى تكاثرت المقتضيات والدواعي لتأليف هذا الكتاب.
بالنسبة لمصادر المعلومات والأفكار:
1 ـ أول هذه المصادر وأوسعها وأكثرها ثراء: الأمير سلمان نفسه.. وهذه نقطة دقيقة يلزم تناولها بأمانة ووضوح إضافيين.. فقولنا: إن الأمير هو أوسع المصادر فليس يعني ذلك ـ بأي معنى من المعاني ـ أنني كنت أطرح عليه أسئلة مباشرة ثم هو يجيب عنها، ومن الإجابة تتكون المعلومات والرؤى.. إني أشهد الله والناس والتاريخ وكل قارئ للكتاب: أن ذلك لم يحدث قط لسببين:
أ ـ الأول، إنه هو لا يطيق ذلك، ولا يوافق عليه، وأنه ـ لشدة ذكائه ووضوح صراحته وقوة شخصيته ـ لا يستطيع أحد أن يستدرجه إلى ما لا يريد بحال من الأحوال.
ب ـ السبب الثاني، إن الأسئلة والأجوبة بهذه الطريقة هي أسلوب صحافي (معتاد) وبديهي أن هذا الكتاب ليس مقابلة صحافية تبتدر الأسئلة بهدف النشر.. وإنما هو (حوار فكري) عماده المناقشة.. ومن هنا يمكن القول ـ بهدوء واطمئنان ـ إن هذا المصدر الواسع للكتاب: لوقائعه وأفكاره ومفاهيمه، كان مناقشات وحوارات ومداولات عميقة وموسعة وممتدة في الزمن ـ مع الأمير سلمان ـ حول قضايا: الفكر والثقافة والاجتماع والتاريخ والحضارة والسياسة والإعلام والدين والعلم والأحزاب والتقاليد والعادات والعين الحمئة التي وجد ذو القرنين الشمس تغرب فيها (مجازا).. إلخ!! (1)
وكنت بعد كل حوار أسجل ما يدور: في الذاكرة، أو في مذكرات خاصة.. ولم يكن أحد يعلم بذلك إلا الله جلّ شأنه.
2 ـ ثاني هذه المصادر: الكتب والوثائق والموسوعات (كموسوعة استراتيجية تطوير مدينة الرياض التي أصدرتها الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض).
3 ـ ثالث هذه المصادر هو الأخ الأستاذ عساف بوثنين، فهو المصدر الحي الناطق.. وكما قلت ـ في مقدمة الكتاب ـ: "ثمة معلومات ومواقف مسجلة في الكتاب مصدرها الوحيد الأخ عساف بوثنين. ومما مكنه من أن يزودنا بمقادير جزيلة ومفيدة من المعلومات والمواقف عن الأمير سلمان بن عبد العزيز أنه وثيق الصلة به: كتلميذ نابه من تلاميذه، وأنه لصيق به في الحياة اليومية، وأنه رفيق في الأسفار الرسمية، وهو المدير العام لمكتبه الخاص".
وهذا تسجيل وتوثيق لهذا المصدر الثالث: اقتضاه (خُلق الشكر) كما اقتضته أمانة البحث والتاريخ.. وفي التنزيل: "فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ".. ولا ريب أن الأمانة تشمل هذه الأمور.
أخيرا .. لا بد من الإشارة وهذا أيضا مما أثار دهشتي: كيف يكترث حاكم إداري هائل المسؤوليات، وسياسي كبير في قامة سلمان بن عبد العزيز، كيف يكترث بمناقشة مسألة (العين الحمئة) هذه؟!. ولكن يبدو أن سلمان بن عبد العزيز قد جعل قول أحد الحكماء (أثمن من المعرفة: التصميمُ على أن نعرِف) شعارا له.