العساف: جرائم تبييض الأموال من أهم مصادر قلق الأجهزة الأمنية والمالية
العساف: جرائم تبييض الأموال من أهم مصادر قلق الأجهزة الأمنية والمالية
اعتبر الدكتور إبراهيم بن عبد العزيز العساف وزير المالية عمليات غسل الأموال، كإحدى الجرائم الاقتصادية، والجريمة المرتبطة بها من حيث المظهر والأسلوب والمتعلقة بتمويل الإرهاب، أنها تشكل مصدر قلق للأجهزة الأمنية والمالية والاقتصادية، مشيرا إلى أنه قد تزايد الاهتمام بجرائم غسل الأموال في السنوات الأخيرة مع توسع حجم نشاط هذا النوع من العمليات ليصل إلى مئات مليارات الدولارات.
وقال الدكتور العساف خلال افتتاحه صباح أمس فعاليات ندوة "غسل الأموال ..الواقع والتحديات" في معهد الإدارة العامة في الرياض، إن بعض التقديرات تشير إلى أن مجمل مبالغ الأموال التي يتم غسلها على الصعيد العالمي يراوح بين 2 و5 في المائة من إجمالي الناتج المحلي والعالمي، كما أنها أصبحت تستخدم أساليب معقدة جدا لاختراق الأجهزة المصرفية.
وقال " أدركت المملكة في وقت مبكر خطورة الجرائم الاقتصادية بشكل عام وعمليات غسل الأموال بشكل خاص، وكانت من أوائل الدول التي أولت مكافحة عمليات غسل الأموال اهتماما خاصا، وذلك من خلال الالتزام بالعديد من القواعد والاتفاقيات الدولية ووضعها موضع التنفيذ. كما قامت المملكة باستضافة العديد من المؤتمرات والندوات المحلية والدولية المرتبطة بمكافحة نشاطات غسل الأموال، وتجدر الإشارة هنا إلى أن أول اجتماع خارج باريس لمجموعة العمل المالي FATF التي أسست في عام 1989م كان في المعهد المصرفي التابع لمؤسسة النقد العربي السعودي في الرياض عام 1994".
وبين وزير المالية أن السعودية أصدرت، ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودية، دليلا لمكافحة غسل الأموال في عام 1995، موضحا أنه يجري تحديث قواعد الدليل بشكل منتظم وفقا للمستجدات في هذا المجال بهدف تعريف القطاعين المالي والتجاري بقواعد مكافحة غسل الأموال وتطبيق معايير "معرفة العميل". وزاد" كما تم إنشاء وحدات لمكافحة عمليات غسل الأموال في وزارة الداخلية ومؤسسة النقد العربي السعودية والبنوك التجارية منذ عام 1995، وتم أخيرا إنشاء وحدات مماثلة في وزارة التجارة والصناعة ووزارة العدل".
وتناول العساف الاتفاقيات والقوانين التي أقرتها المملكة والبنوك المحلية في هذا الصدد ثم أشار إلى أن المملكة قامت بسن وتنفيذ القواعد والضوابط التي تنظم عمل الجمعيات والمؤسسات الخيرية بالشكل الذي يضمن عدم استغلالها في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب أو أية أنشطة غير مشروعة.
وتابع" ولعل أهم هذه القواعد تلك المرتبطة بتوحيد حسابات كل جمعية أو مؤسسة خيرية في حساب رئيسية موحد (مع حسابات فرعية عند تعدد النشاطات) ووقف عمليات الصرف النقدي من الحسابات الرئيسي وقصر الصرف على الشيكات التي يقتصر صرفها على المستفيد الأول.
وأوضح الدكتور العساف أنه وعلى الرغم من الجهود الدولية والمحلية إلا أن عمليات غسل الأموال، وغيرها من الجرائم الاقتصادية، تسعى بشكل حثيث إلى البحث عن الأساليب والمخارج التي تؤمن لها الملاذ الآمن لإخفاء آثار جرائمها، لذا فإن الجهود الوطنية والدولية في مجال كشف أساليب هذه الجرائم تحظى بأقصى الأولويات، خاصة أن تلك الجرائم غالبا ما تكون مرتبطة بعمليات تمويل الإرهاب وجرائم الترويج للمخدرات.
وكانت الندوة قد انطلقت بكلمة للدكتور عبد الرحمن بن عبد الله الشقاوي، مدير عام الإدارة العامة، أكد فيها أن اختيار المعهد هذا الموضوع يأتي إيماناً منه بدوره في تسليط الضوء على القضايا الإدارية والقانونية والاقتصادية المستجدة التي تواجه الجهات الحكومية وتشغل بال المواطن، لطرحها وتحليلها ومناقشتها، والتعرف على التجارب المحلية والإقليمية والدولية في التعامل معها، ومن ثم استخلاص الحلول المناسبة لها.
وقال" لقد جاء اختيار المعهد موضوع غسل الأموال بهدف إلقاء الضوء على هذه الظاهرة من حيث المفهوم، والمصادر، والأساليب، والآثار، والجهود المبذولة من أجل الإسهام في مكافحتها محلياً وإقليمياً ودولياً، وتكتسب هذه الندوة أهمية خاصة، كونها تتصدى لمناقشة قضية دولية خطيرة أصبحت تمثل قلقاً متزايداً بين مختلف دول العالم، في ظل الاتجاه المتزايد نحو العولمة وسقوط الحواجز التجارية، وثورة تقنية الاتصالات والمعلومات والانفتاح المتنامي بين أسواق العالم، وسرعة إتمام المعاملات الدولية، وانتقال رؤوس الأموال؛ مما أسهم في بروز عمليات غسل الأموال، وحوَّلها إلى جريمة تهدد جميع الدول والمجتمعات دون استثناء".
تمويل الإجرام المنظم
قدم بعدها فيلم استعرض ورقة العمل الموحدة للندوة التي أعدها الدكتور سعود بن عبد العزيز المريشد، أستاذ القانون المساعد في معهد الإدارة العامة، سلط فيها الضوء على ظاهرة غسل الأموال من حيث المفهوم، والمصادر، والأساليب، والآثار، والمستجدات، ورصد الجهود المبذولة لمكافحة هذه الظاهرة محلياً ودولياً، وقدمت ملخصا لعناوين أوراق العمل ومعديها والجهات المشاركة في الندوة، ثم ملخص ورقة العمل الرئيسية المقدمة من معهد الإدارة العامة (غسل الأموال وتمويل الإرهاب ... من العالم الحقيقي إلى العالم الافتراضي).
وبدأت ورقة العمل بمقدمة عامة عن غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وبينت أن غسل الأموال يعد بشكل عام أحد مقومات نجاح وتوسع نشاط الإجرام المنظم، لأن حاجة أطراف الجريمة المنظمة لا تنتهي بالانتهاء من العمل الإجرامي، بل تتعدى ذلك لتشمل الحاجة إلى غسل المتحصلات التي تم التحصل عليها بسبب ذلك العمل الإجرامي، كي تبدو تلك العوائد مشروعة، فغسل الأموال يعد غاية ووسيلة لأعضاء تلك المنظمات، فعن طريقه يمكنهم تحقيق مآربهم ومن ثم تقديم ما يثبت أن دخلهم مشروع عند الضرورة بعد غسل تلك العوائد.
بعد ذلك أضافت ورقة العمل أن غاسلي الأموال وممولي الإرهاب لا يملون من البحث عن الجديد من الأساليب المعقدة وغير المعروفة لدى سلطات المكافحة لتبييض ما تحصلوا عليه بمناسبة إتيان سلوك جنائي، خصوصاً تلك الطرق التي ما زالت تحت الملاحظة أو التي لم يتم وضع ضوابط خاصة لها من قبل الجهات الرقابية المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
كما استعرضت ورقة العمل دور ثورة الاتصالات والتقنية في عمل المؤسسات المالية تحديداً، الذي أدى إلى ظهور بعض الطرق الحديثة للدفع أو تحويل أو نقل الأموال بشكل إلكتروني، لذا تبرز أهمية تقييم المخاطر الناتجة عن استخدام تلك الوسائل الجديدة ومدى قابلية استغلالها في عمليات تبييض الأموال أو تمويل الإرهاب، بسبب سهولة الحصول عليها غالباً عبر طرف ثالث لا يلتزم بتطبيق المعايير الدولية المعروفة لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، مثل مبدأ التحقق من هوية العميل، وكذلك تتميز تلك الوسائل الحديثة بالسرية مما يترتب عليه صعوبة تعقب العمليات المنفذة لعدم تركها أي أثر مستندي.
ثم بينت ورقة العمل الصعوبات التي يثيرها كل من غسل الأموال وتمويل الإرهاب القائم والمستفيد في الوقت نفسه من التقنية، والتحديات بالنسبة إلى الدول والمنظمات الدولية المختصة، لأن المجرمين يستفيدون مما وفرته لهم هذه الوسائل الحديثة من مُكنة لإخفاء أو تمويه طبيعة الأموال ذات المصدر غير المشروع، أو تمرير الأموال لغرض تمويل العمليات الإرهابية، خصوصاً في ظل غياب التدابير التي تحكم تلك الوسائل المالية الإلكترونية أو النظم الاقتصادية على المستوى الرقابي بسبب حداثتها، وقصور قوانين مكافحة غسل الأموال التقليدية لتستوعب تجريم تلك الممارسات المستجدة على المستوى التشريعي، وقد ناقشت الورقة هذه المستجدات من خلال ثلاثة محاور وهي:
غسل الأموال وتمويل الإرهاب في العالم الحقيقي.
غسل الأموال وتمويل الإرهاب في العالم الافتراضي.
المواجهة الدولية لغسل الأموال وتمويل الإرهاب في العالم الافتراضي.
وفي الختام طرحت ورقة العمل عدداً من التوصيات والمقترحات، مبيِّنة أن تعديل قوانين مكافحة غسل الأموال ووضع ضوابط رقابية بشأن وسائل الدفع الحديثة لا يجب أن يكون مرتبطاً بمدى انتشار أو استخدام تلك الوسائل الحديثة في أي دولة ما، بقدر ما هو مرتبط بحماية إقليم الدولة من أن يكون قناة عبور لتلك الأموال غير المشروعة المصدر خصوصاً في ظل تنامي ثورة الاتصالات والتقنية وعولمة الاقتصاد وما ترتب على ذلك من انحسار الحدود الجغرافية بين الدول.
كذلك اقترحت ورقة العمل المزيد من الاهتمام بتزويد سلطات المكافحة لديها بالتدريب الكافي سواء على ما يستجد من وسائل وطرق لغسل الأموال وتمويل الإرهاب والاستفادة من تجارب الدول الشقيقة والصديقة في هذا المجال، والتدريب على الجرائم التي تقع ويكون للتقنية جانب مهم في تسهيل وقوعها، حتى تتكون لديهم القدرة والمعرفة بكل ما هو جديد في غسل الأموال وتمويل الإرهاب وأفضل السبل المتبعة في مكافحتهما.
دور وزارة الداخلية
انطلقت بعدها فعاليات الندوة بجلسة أولى تحت عنوان" تجارب محلية في مكافحة غسل الأموال"، ترأسها الدكتور حمد البازعي، وكيل وزارة المالية للشؤون الاقتصادية، وشارك فيها ناصر العمير، رئيس وحدة الاتصال الدولي في وزارة الداخلية، بورقة عمل تناول فيها دور وجهود وزارة الداخلية في مكافحة غسل الأموال، حيث أكد أن تطرقت الورقة الوزارة تبذل جهوداً كبيرة ومميزة في مكافحة ظاهرة غسل الأموال، من خلال وحدة لمكافحة غسل الأموال تسمى وحدة التحريات المالية كجهة مختصة بتلقي البلاغات عن العمليات التي يعتقد أن لها علاقة سواء بغسل الأموال أو تمويل الإرهاب، وجمع المعلومات حول هذه البلاغات وتحليلها وإعداد التقارير عنها ومن ثم إحالتها إلى هيئة التحقيق والادعاء العام.
ومن ثم استعرض العمير وظائف وحدة التحريات المالية السعودية والتي منها تحليل المعلومات المستلمة من أجل اكتشاف نماذج للعمليات المشتبه فى أن تكون غسل أموال والجرائم ذات العلاقة، وتبادل المعلومات مع السلطات المحلية ووحدات التحريات المالية الأجنبية، والتأسيس والاحتفاظ بقاعدة بيانات عن الأنشطة المشبوهة بناء على البلاغات المستلمة ، إلى جانب التنسيق وجمع وتقاسم المعلومات المالية من خلال شبكة فعالة محلية وإقليمية وعالمية من أجل مقاومة غسل الأموال والجرائم ذات العلاقة ومراقبة وتحديد المناطق الاستراتيجية الرئيسية لنماذج وتصنيفات وتطورات غسل الأموال.
كما استعرضت ورقت العمل الهيكل التنظيمي لوحدة التحريات المالية، ويبلغ عدد موظفيها 120 موظفاً وقدمت وصفاً لمهام ومسؤوليات الأقسام المختلفة. وفي الختام قدمت ورقة العمل إحصائيات لعدد البلاغات التي تلقتها وحدة التحريات المالية عن الأنشطة المشبوهة حيث بلغت (159 بلاغاً) في عام 1426هـ و (341 بلاغاً) في عام 1427هـ ، وارتفع عدد البلاغات إلى (620 بلاغاً) في عام 1428هـ . وبالتالي فقد بلغ مجموع البلاغات خلال الفترة من عام 1426هـ إلى 1428هـ (1120 بلاغاً).
نشاط " التجارة والصناعة"
تلا ذلك استعراض ورقة عمل بعنوان (مفهوم غسل الأموال وجهود وزارة التجارة والصناعة لمواجهة هذه الظاهرة)، قدمها صلاح بن محمد الرزيق المستشار القانوني في وزارة التجارة والصناعة، أبرزت ظاهرة غسل الأموال كمشكلة اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية تواجه العالم بأسره، مشيرة إلى أن هذه الظاهرة تعتبر من أخطر الجرائم وأكثرها تعقيداً، حيث عجز العالم عن القضاء عليها تماماً لصعوبة السيطرة على الأيدي الخفية التي تديرها محلياً وإقليمياً وعالمياً نظراً لكفاءتهم ومهارتهم في استخدام أكثر الوسائل تقنية، ومعرفتهم بالثغرات القانونية واستخدامهم أعلى المستويات العلمية في هذا المجال من حاملي شهادات الدكتوراه والماجستير ومن محامين ومهندسين وتقنيين.
بعد ذلك بينت الورقة أن الآثار السلبية لغسل الأموال لا تقتصر على الاقتصاد الوطني أو العالمي فحسب، بل تؤثر في جميع القطاعات، فلها آثار اجتماعية وسياسية وأمنية تؤثر في جميع نواحي الحياة؛ لأنها مرتبطة بالجريمـــــــة المنظمـــــــة، وتعد غاية لكل الجرائم التي يحصل من ورائها المجرمون على الأموال الطائلة بالطرق غير الشرعية. وما دام غسل الأموال مستمراً فإن الجريمة المنظمة قائمة.
ومن ثم ناقشت الورقة دور وزارة التجارة والصناعة في مكافحة غسل الأموال، والخطوات التي اتخذتها الوزارة لمواجهة مخاطر غسل الأموال تمثلت في العديد من التدابير والإجراءات التي تهدف لمساعدة المنشآت التجارية والأنشطة المهنية على مكافحة عمليات غسل الأموال والكشف عنها وضبطها.
واستعرضت الورقة الصعوبات التي تواجهها وزارة التجارة والصناعة باعتبارها جهة حكومية معنية بمكافحة غسل الأموال في النقاط التالية:
ضعف الرقابة الميدانية، عدم وجود آلية لمتابعة ما يصدر من الجهات الرقابية من إرشادات وتعليمات بشأن مكافحة غسل الأموال، قلة الكادر البشري المتخصص في مكافحة غسل الأموال، قلة الوعي العام بمخاطر عمليات غسل الأموال وتأثيرها في الاقتصاد الوطني.
وكذلك اقترحت ورقة العمل بعض الحلول للتغلب على تلك التحديات، وهي:مضاعفة الجهد في الرقابة الميدانية، وضع آلية دقيقة لتنفيذ ومتابعة ما يصدر من تعليمات وإرشادات من الجهات الإشرافية، وضع برامج توعية متخصصة في مجال مكافحة غسل الأموال، عقد البرامج والندوات لإبراز مخاطر وآثار غسل الأموال.
هيئة التحقيق والادعاء العام
طرح بعدها محمد بن عبد العزيز العمران، رئيس دائرة قضايا الاعتداء على المال، في هيئة التحقيق والادعاء العام، دور الهيئة في مجال مكافحة جرائم غسل الأموال، مبينا أنها من الظواهر الإجرامية المستحدثة التي تنطوي على عدة مخاطر تهدد استقرار النظام الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والأمني لكافة بلدان العالم، نظراً لكونها من الجرائم الاقتصادية المنظمة التي تقوم على أساس تنظيم هيكلي له صفه الاستمرارية وتسعى لتحقيق أهدافها بشتى الطرق للحصول على مكاسب مالية غير مشروعة.
بعد ذلك عرضت الورقة إيضاحا للدور الإيجابي لهيئة التحقيق والادعاء العام في محاربة هذه الجريمة، واختصاصاتها في هذا المجال، من خلال عدة محاور وهي:نبذة مختصرة عن هيئة التحقيق والادعاء العام، الأسس النظامية لتجريم غسل الأموال وتمويل الإرهاب في المملكة، إجراءات التحقيق والادعاء العام في جرائم غسل الأموال، علاقة دائرة قضايا الاعتداء على المال بمقر الهيئة بدوائر التحقيق في فروع الهيئة، برامج التدريب.
رقابة مؤسسة النقد
وفي إطار دور مؤسسة النقد العربي السعودي في الرقابة والإشراف على البنوك، قدم سعود بن عبدالعزيز العثمان، رئيس شعبة مكافحة غسل الأموال في مؤسسة النقد العربي السعودي ورقة ألقى فيها الضوء على مهام المؤسسة بشكل عام.
وبينت الورقة الغاية التي تسعى مؤسسة النقد كجهة رقابية وإشرافية على البنوك من تحقيقها فيما يخص جانب مكافحة جريمة غسل الأموال، وفقا لما يلي: مساعدة المصارف العاملة في المملكة على الالتزام بالمتطلبات المحلية والدولية ومن بين أحد أهم تلك المتطلبات والتي نحن بصدد الحديث عنها توصيات فريق العمل المالي الأربعون إضافة إلى التوصيات التسع الخاصة، وكذلك توجيهات الجهات الرقابية والإشرافية الأخرى، وكذلك حماية المصارف العاملة في المملكة من الاستغلال كقنوات لتمرير العمليات غير المشروعة الناتجة عن غسل الأموال وأي نشاط إجرامي آخر، إلى جانب تنفيذ السياسات والخطط والمعايير والإجراءات بشأن مكافحة غسل الأموال ووضع السبل المتقدمة لمراقبة تلك الأنشطة لاكتشافها مبكراً، وأخيرا الحفاظ على سمعة المملكة والنظام المصرفي السعودي وتعزيز المصداقية المحلية والدولية للمتعاملين معه.
بعد ذلك أشارت الورقة إلى أن مؤسسة النقد العربي السعودي أيضاً تقوم ووفقا للصلاحيات المخولة لها بإصدار القواعد والتعليمات المتعلقة بالجهات الخاضعة لإشرافها، وأهم الجهود التي قامت بها مؤسسة النقد في مجال مكافحة غسل الأموال في المؤسسات المالية كالبنوك والصيارفة المرخص لهم وقطاع التأمين والتأجير التمويلي في المملكة.
واستعرضت الورقة الصعوبات التي تواجهها مؤسسة النقد كجهة حكومية معنية بمكافحة غسل الأموال في النقاط التالية:الحاجة العامة للتوعية بمخاطر جريمة غسل الأموال وآثارها في مختلف نواحي الحياة السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية وتشمل عامة المواطنين والوافدين وكذلك منسوبي أجهزة مكافحة الجريمة.
ومنها أيضا تداخل جريمة غسل الأموال بالأنشطة التجارية والمصرفية التي تمارس بطريقة غير نظامية كالتستر التجاري وممارسة العمل المصرفي بدون ترخيص، وجود العدد الكبير من العمالة الوافدة واستخدامها القنوات المالية وغير النظامية في تنفيذ تعاملاتها المالية وخصوصا التحويلات، ظروف بعض البلدان المحيطة بالمملكة سواء من حيث الاستقرار السياسي أو الظروف والصعوبات الاقتصادية التي تواجه تلك البلدان أو تدني مستوى الخدمات المصرفية لديها، ضعف إمكانيات بعض الأجهزة الحكومية ذات العلاقة بالمكافحة سواء في مرحلة الإشراف والرقابة أو المراحل اللاحقة كالبحث والتحري والتحقيق والمقاضاة.
واقترحت ورقة العمل بعض المرئيات للتغلب على تلك المعوقات، ومنها عمل برامج توعوية وتثقيفية لمختلف شرائح المجتمع واستخدام الإجراءات النظامية في تنفيذ العمليات التجارية والمالية ومحاربة عمليات التستر التجاري وممارسة العمل المصرفي دون ترخيص، وذلك ليس بالمنع بل بالسماح وفق إجراءات وضوابط تنظيمية واضحة ومحاربة ممارسي العمل التجاري والمصرفي بطريقة غير نظامية وتشديد العقوبات عليهم، واستقطاب مختلف شرائح العمالة الوافدة في تنفيذ معاملاتهم المالية من خلال القنوات النظامية وتيسير السبل لإيصال مكتسباتهم المشروعة لذويهم.
الجمارك وتبييض الأموال
من جانبه، استهل إبراهيم بن رشود الكلثم المستشار القانوني في مصلحة الجمارك ورقته باستعراض الأساس الدولي بشأن مراقبة انتقال الأموال عبر الحدود، ثم بينت الورقة أنه بعد صدور نظام مكافحة غسل الأموال السعودي بموجب المرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 25/6/1424هـ والذي ألزم كل مسافر بموجب المادة "14" منه بالإفصاح عن الأموال التي تزيد قيمتها على "60.000" ريال عند مغادرة البلاد أو القدوم إليها، أصبحت الجمارك معنية بتطبيق نظام الإفصاح وتفعيله في المنافذ الجمركية الجوية والبرية والبحرية، والذي يعتبر الأداة الفعالة لوقف غسل الأموال من خلال مراقبة الانتقال المادي للأموال عبر الحدود.
بعد ذلك عددت الورقة المعوقات التي تواجهها كجهة حكومية معنية بمكافحة غسل الأموال، وهي، عدم إلمام شريحة كبيرة من المجتمع بمخاطر غسل الأموال، عدم معرفة شريحة كبيرة من المواطنين والمقيمين بإلزامية تعبئة نموذج الإفصاح في حال المغادرة والقدوم عند حمل مبالغ نقدية أو معادن ثمينة تزيد قيمتها على (60,000) ألف ريال أو ما يعادلها من العملات الأخرى، حضور المسافر للمطار قبل وقت قصير من إقلاع الرحلات المغادرة اعتقاداً أن ذلك ربما يمكنه من تجنب إجراءات الإفصاح.
وقد اقترحت ورقة العمل مزيداً من الاهتمام بالتوعية بمخاطر غسل الأموال لدورها في تثقيف المجتمع سواء عبر الوسائل الإعلامية المرئية أو المسموعة أو المقروءة، أو عبر عقد اللقاءات والندوات، وإبراز أن الهدف من إجراءات الإفصاح هو حماية أمن الوطن، وأن تلك الإجراءات سهلة وسلسة وتستغرق وقتاً قصيراً.
غسل الأموال وتمويل الإرهاب
وفي ورقة عمل سادسة بعنوان ( غسل الأموال وتمويل الإرهاب ... المفهوم . الآثار . الارتباط) أشار الدكتور محمد عرفة، الأستاذ المشارك في كلية الدراسات العليا في جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، إلى أن اهتمام الدول والمنظمات والمؤسسات المالية والجهات الأمنية والعلمية وغيرها في الآونة الأخيرة بظاهرتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب، معيدا ذلك إلى الآثار اقتصادية والاجتماعية والأمنية لهاتين الظاهرتين، وللارتباط الوثيق بينهما.
وذكرت الورقة العديد من معوقات مكافحة غسل الأموال في المملكة منها، تباين الجزاءات التي أقرها نظام مكافحة غسل الأموال السعودي عن تلك التي قررتها الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، عدم وجود تنظيم واضح وشامل للسرية المصرفية وحالات الخروج عليها وضوابطه، خلاف ما نصت عليه المادة الثامنة من نظام مكافحة غسل الأموال السعودي، وعدم وجود إحصائيات دقيقة وواقعية لحجم جرائم غسل الأموال ومصادرها من ناحية الدول والأنشطة التي يتم من خلالها غسل الأموال، وذلك للوقوف على حجم الظاهرة لوضع السياسات والآليات المناسبة للتعامل معها بالوقاية والعقاب.
الجلسة الثانية.. تجارب دولية
وفي إطار تعزيز فعاليات الندوة بدأت الجلسة الثانية التي ترأسها الدكتور محمد بن سليمان الجاسر، نائب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، باستعراض تجربة فرنسا في مكافحة غسل الأموال من خلال ورقة عمل طرحها المستشار جون بيير ميشو مستشار محافظ البنك المركزي الفرنسي تناول فيها دور وحدة التحريات المالية الفرنسية في مكافحة غسل الأموال، وإنشائها، وتنظيمها الإداري، ومصادر البلاغات عن العمليات المشبوهة، وإحصاءات بعدد تلك البلاغات، والإجراءات التي تسير عليها الوحدة في التعامل مع سلطات المكافحة الأخرى في فرنسا.
وناقشت الورقة بعض معوقات مكافحة غسل الأموال منها، غياب قوانين تجريم غسل الأموال، صعوبة فهم مفهوم غسل الأموال، ضعف التعاون والتنسيق بين سلطات المكافحة المحلية والدولية، صعوبة تطبيق التوصيات الأربعين الصادرة عن مجموعة العمل المالي على الأعمال المهنية، تفاوت النظام الاقتصادي بين الدول.
واقترحت ورقة العمل بعض الحلول منها، زيادة الاهتمام بالتدريب، توعية المجتمع والمؤسسات المالية وغير المالية بمخاطر غسل الأموال، زيادة الاهتمام بالمساعدة الفنية على المستويين الاقليمي والدولي، المساواة بين الدول من حيث التمثيل في مجموعة العمل المالي الدولية.
شارك بعدها عادل بن حمد القليش، السكرتير التنفيذي في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بورقة عامة عن غسل الأموال والدورة التي تمر بها الأموال غير المشروعة وأبرز الجهود الدولية المعنية بمكافحة غسل الأموال. تلا ذلك مقدمة للأساس الذي على ضوئه تم إنشاء مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والتي تهدف إلى تبني وتنفيذ التوصيات الأربعين لمجموعة العمل المالي حول مكافحة غسل الأموال، وتنفيذ معاهدات واتفاقيات الأمم المتحدة ذات الصلة بالموضوع وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة المعنية بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
بعد ذلك استعرضت الورقة التحديات المرتبطة بعمل المجموعة ووسائل مقترحة للتغلب عليها وهي، تنفيذ البرنامج الزمني للتقييم المشترك حسبما هو مخطط له، تحديد احتياجات الدول من المساعدات الفنية وتوفيرها بالمستوى المطلوب وفي الوقت المناسب، التعرف على طرق واتجاهات وأساليب غسل الأموال في المنطقة، مساعدة الدول على رفع مستوى التزامها بالتوصيات الصادرة عن مجموعة العمل المالي.
وقد اختتمت الورقة بالتذكير بأن إصرار دول المجموعة على الرقي بمستوى أنظمة المكافحة لديها، وإيمانها بأهمية وضرورة العمل سوياً والتعاون فيما بينها من جهة ومع العالم الخارجي من جهة أخرى من أهم أسس نجاح هذه المجموعة. وكذا فإن ما تبذله المجموعة من جهود حثيثة من خلال جهازيها (الاجتماع العام والسكرتارية) وحرصها على الاستمرار في أداء مهامها على أكمل وجه والعمل على تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها يعدان دعامتين أساسيتين لتعزيز جهودها في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وللتغلب على كل ما تواجهه من تحديات.
تجارب دول ومعايير دولية
وفي ورقة العمل التاسعة في الجلسة الثانية والتي جاءت تحت عنوان
(مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.. تجارب دول ومعايير دولية)، والتي قدمها الدكتور جمال كبي مدير أعمال البنك الدولي في الرياض، طرحت بعض الإجراءات الأساسية المتطلبة من المؤسسات المالية وغير المالية والتي منها اتباع تدابير العناية الواجبة مع جميع العملاء، تشديد الرقابة على المعاملات المشبوهة والاحتفاظ بسجلات هذه المعاملات، إبلاغ السلطات الوطنية المعنية بمكافحة العمليات التي يشتبه بأن لها علاقة بغسل الأموال، العلاقة بين وحدات التحريات المالية وغيرها من سلطات المكافحة محلياً ودولياً.
تبع ذلك جلسة ختامية لطرح التوصيات ترأسها الدكتور صلاح بن معاذ المعيوف، نائب المدير العام لشؤون التدريب في معهد الإدارة العامة، وشارك فيها الدكتور سعيد القرني، مدير عام الإدارة العامة للبرامج العليا في المعهد، كمقرر للجلسة، والدكتور سعود المريشد، استاذ القانون المساعد في المعهد كمنسق عملية للجلسة.
وتم استعراض عشرات التوصيات التي قدمتها جهات مختلفة، لذا كلفت لجنة متخصصة ومشتركة من عدة جهات لتلخيص وتنقيح التوصيات وإصدارها لاحقا على شكل توصيات محددة للندوة.