23 مليار ريال سيدفعها العالم لمكافحة السل
خلص تقرير صدر عن البنك الدولي إلى إمكانية أن يحقق 22 بلداً من البلدان التي تشهد إصابات متزايدة بمرض السل, أرباحاً تفوق الأموال التي تنفقها على تشخيص السل وعلاج مرضاه, إذا قرّرت الأخذ بخطة عالمية ترمي إلى الحد من أعداد الوفيات المرتبطة بالسل. وقال التقرير: إنه من الممكن للبلدان الإفريقية المتضرّرة بشكل كبير من المرض الاستفادة من عائدات تفوق الاستثمارات التي توظفها في مكافحته بتسعة أضعاف. كما يشدد التقريرعلى ضرورة تعزيز أنشطة مكافحة السل في جميع أنحاء العالم مع تزايد ظهور الحالات المقاومة للأدوية المتعدّدة، حيث يوجد نوع من السل (الدرن) شديد المقاومة للأدوية ويتركز في الجنوب الإفريقي وأوروبا الشرقية وآسيا الوسطى.
وعلى الرغم من المكاسب التي تحققت في مكافحة السل في الآونة الأخيرة، إلا أن التقرير أشار إلى أن عام 2005 شهد وقوع 8.8 مليون حالة جديدة من المرض منها 1.6 مليون حالة وفاة. وبين التقرير أنّ ثلثي الحالات التي تتأكّد إصابتها مصيرها الوفاة في غضون فترة تراوح بين خمسة وثمانية أعوام إذا لم تتلق العلاج اللازم، ومما يؤسف له أن معظمها يقضي نحبه في غضون 18 شهراً بعد إصابته.
ويشير التقرير الصادر بعنوان "الفوائد الاقتصادية للاستثمارات العالمية في مكافحة السل"، إلى أنّ الآثار الاقتصادية الناجمة عن وفيات السل والفوائد المتأتية من مكافحته في البلدان الـ 22 التي تنوء بعبء فادح من جرّاء المرض تبلغ ذروتها في الصين والهند، حيث يسفر ارتفاع الدخل والارتفاع النسبي في وفيات السل عن حدوث آثار اقتصادية كبرى.
وأوضح التقرير أنّ التكاليف الاقتصادية المرتبطة بوفيات السل (بما في ذلك حالات ترافق السل بفيروس الإيدز) في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى في الفترة بين عامي 2006 و2015 تساوي 519 مليار دولار عند عدم إتاحة علاج ناجع ضدّ المرض على نحو ما توصي به استراتيجية دحر السل التي ترعاها منظمة الصحة العالمية. كما أنّ بلدان تلك المنطقة ستجني فوائد اقتصادية تتجاوز ما تتكبده من تكاليف بنحو تسعة أضعاف إذا وفرت العلاج لمرضى السل، وامتثلت لمبادئ الخطة العالمية الرامية إلى تخفيض معدلات وفيات هذا المرض بنسبة النصف بحلول عام 2015، وخطورة مرض السل تكمن أيضا في إصابة البالغين في المرحلة الانتاجية وهو ما يفرض أعباء فادحة على دخل الناس والاقتصاديات الوطنية، حيث يذهب ضحيته عمال مزارعي الذرة والقطن في زامبيا علي سبيل المثال، كما يسبب هجر الأطفال المصابين لمقاعد دراستهم وبالتالي يقلل فرص إنتاجيتهم في المستقبل.
يذكر أن الخطة العالمية لدحر السل، التي وضعتها شركات دحر السل، تبلغ ملياري دولار في السنة لتشخيص حالات السل في إفريقيا وعلاجها حتى عام 2015، كما ستكلّف نحو خمسة إلى ستة مليارات دولار لتحقيق الأغراض ذاتها في جميع أنحاء العالم.
الدكتور سهل الهاجوج عالم أبحاث في قسم الطب المقارن في مستشفى الملك فيصل التخصصي, دق ناقوس الخطر من استفحال السل في السعودية، وقال إنه في ازدياد مستمر، ومع الأسف فإن مرض السل برغم أضراره الصحية على المصاب فإن له أضرارا اقتصادية كبيرة في المجتمعات التي تصاب به لأنه يصيب بشكل أكبر الفئات العمرية المنتجة من عمر 20 إلى 40 سنة، وكذلك يؤثر في الاقتصاد من ناحية طول مدة العلاج, حيث تستمر ستة أشهر في بعض الحالات, وهذا ما يسبب انقطاعا عن العمل أو المدرسة. وأضاف قائلاً: إن مريض السل (الدرن) يكلف الدولة ما يقارب المليون للفرد بالسنة إذا كانت الجرثومة من النوع المقاوم للعلاج.
وحول أعراض هذا المرض والوقاية منه قال: يمكن اكتشاف الدرن من خلال الأعراض المصاحبة من نقص في الوزن وكحة ومن خلال الأشعة أو عن طريق المختبرات. أما الوقاية، فأهم خطوة هي كسر دائرة النقل المستمر للمرض في المجتمع, وهذا عن طريق إيجاد الحالات ومعالجتها أولا بأول, ويبقى المثل العربي الشائع القائل "درهم وقاية خير من قنطار علاج" هو الحل الأمثل حيث إن تكلفة التوعية أقل من تكلفة العلاج بكثير.
وأوضح الدكتور الهاجوج أنه قام بتنفيذ مشروع دراسة بحثية مع عدد من زملائه، استغرقت أكثر من ثلاثة أعوام وتم دعمها من قبل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وقد بينت هذة الدراسة أن الوضع سيئ جدا سواء في المختبرات التي تعد العمود الفقري لتشخيص الدرن, إذ اكتشفوا أنها غير مهيأة وغير آمنة للعمل، ووجدوا أيضا أن بعض العاملين في المختبرات ينقصهم التعليم اللازم.
ودعت الدراسة إلى أنه يجب تخصيص فنيين لمرض الدرن تعطى لهم مميزات أكثر لكي يعطي المختبر والشريحة الوقت الكافي وبكل أريحية.
وعن مدى رضاه عن الدعم المقدم للبحث العلمي في مجال الطب قال الدكتور الهاجوج إن الدعم سيئ جدا وينقصه الكثير لأننا نحتاج في هذا البلد إلى توجيه أموال طائلة للأبحاث حول ما يعوق تنمية البلد ومن بينها الأمراض المعدية, حيث تعد مستفحلة في السعودية, وتحتاج إلى دعم مادي كبير بشرط توجيهها بشكل منظم بعيداً عن العشوائية. وأضاف أنه يوجد دعم من مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية, ولكن نتطلع لزيادته، وكذلك بعض القطاعات الخاصة لديها مبادرات ولكنها قليلة جدا.
وطالب البنوك والشركات الخاصة التي تستفيد من المجتمع ومن البيئة المهيأة لها من قبل الدولة أن تبذل من أجل المجتمع أي شيء وأن يدعموا البحوث الطبية التى من شأنها أن تخدم المجتمع ومواطنيه لو بشيء يسير.
وقال الدكتور الهاجوج لا توجد مقارنة بين ما تنفقه دول الغرب على الأبحاث وما تنفقه الدول العربية, بل حتى إسرائيل الدولة المجاورة لا توجد بيننا وبينها أي مقارنة، لديها أموال تعادل 3 إلى 5 في المائة من الدخل القومي توجه للبحث العلمي، بينما لدينا لم يسبق أن سمعنا أنه خصص جزء من الميزانية للبحث العلمي, مضيفاً أنه لا توجد بيئة بحثية تشجع الباحث على الانطلاق في أبحاثه, وفي الوقت نفسه يعتبر الباحثون قلة والذي يريد منهم أن يبحث لا يجد المعنويات الكافية التي تشجع على الاستمرار, على سبيل المثال, تجد إنسانا في وظيفة أخرى غير البحث دخله المادي جيد بينما يعيش الباحث ويموت فقيرا, فالبحث العلمي يحتاج إلى أن تنفق بسخاء على المشاريع البحثية ثم على الباحثين, أي أنه يجب أن يشعر الباحث بالطمأنينة والراحة لأنه في نهاية الأمر بشر ويحتاج إلى أن يوفر لقمة عيش كريمة له ولأبنائه.
وحول مستوى الإصابة بمرض السل في السعودية قال: إنها عالية جدا, لكنها لا تقارن بإفريقيا, كما لا تقارن في الوقت بأوروبا التي يصل معدل الإصابة لديها إلى واحد في كل ألف، بينما لدينا تجد معدل الإصابات في جدة 64 حالة لكل 100 ألف، بينما في الرياض 32 لكل 100 ألف, وتعد هذه الأرقام لمستشفيات معينة حيث لا توجد إحصائيات شاملة. وأضاف الهاجوج أن الدرن في المملكة أسوأ مما هو موجود في التقارير, واستدل على ذلك أنه تم تصنيف 1505 معزولات في مناطق المملكة ووجدت هذه المعزولات داخل عائلات, وهذا دليل على أنه يوجد نقل عدوى نشط بين المواطنين والمقيمين في المملكة.
من جهته, أفاد محمد سليمان البركة رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في مستشفى الملك سعود للأمراض الصدرية, أن الدراسات العلمية الاقتصادية أو الاجتماعية أو حتى الطبية فقيرة جدا على مستوى المجتمعين السعودي والعربي، وبالتالي فإننا لا نستطيع أن نجد أرقاما أو إحصائيات دقيقة يمكن من خلالها الاستدلال على مستوى الضرر الاقتصادي المتأتي من انتشار الدرن في المملكة, وإن كان هناك بعض الدراسات الخجولة التي نشرت في بعض المجلات العلمية أو قدمت داخل أروقة المؤسسات العلمية للحصول على درجات علمية معينة، منها على سبيل المثال دراسة محمد السلطان التي توصلت إلى أن الدرن الرئوي يصيب الذكور أكثر من الإناث, كذلك يصيب الدرن الفئات العمرية بمتوسط 32 عاماً, وأن متوسط دخل المصابين كان قبل الإصابة بالمرض 2563 ريالا انخفض بعد الإصابة إلى 1645 ريالا. وبين محمد أنه من خلال دراسته عن الآثار الاجتماعية التي ربما يتسبب فيها مرض الدرن وجد أن للدرن أثرا اقتصاديا مباشرا في دور المريض كعامل منتج يكاد يصل إلى نسبة كبيرة من العجز الإنتاجي, خاصة خلال عزله داخل المستشفى.