إسرائيل تضع العراقيل لمنع دخول المستثمرين إلى غزة

إسرائيل تضع العراقيل لمنع دخول المستثمرين إلى غزة

في خطاب مليء بالحماس ويزهو بالانتصار بعد انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، أعلن الرئيس محمود عباس التزامه بإنهاء الحالة غير القانونية وفوضى الأسلحة بأي شكل. إذ لا يمكن لأي جهة تخويل نفسها السلطة والقيام بالخطف والتعدي على الدوائر الحكومية، أو على أراضي البلاد كما تشاء.'' قطاع غزة ينبغي أن يكون نموذجاً صحيحاً لقدرتنا الكبيرة والحضارية، وتكوين مستقبلنا بأنفسنا، ورسالة إلى العالم لإنهاء كل شكل من الاحتلال'' ويريد عباس جذب المستثمرين، ولهذا فالأمر بحاجة إلى الأمن.
وقد وعد حاكم أبو ظبي ببناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية على أنقاض مستعمرة موراج الإسرائيلية، كما ستقوم السعودية والإمارات ببناء 800 وحدة سكنية في رفح. وفي المكان الذي قامت فيه إسرائيل بتأسيس ''فيلادلفيا'' في قطاع غزة، يمكن بناء مئات المساكن. كما يريد عباس توفير أربعة آلاف فرصة عمل في الزراعة لوحدها في البيوت البلاستيكية المشتراة من إسرائيل. وتأتي لذلك مبالغ بالملايين من الدولارات من الاتحاد الأوروبي، وأمريكا، واليابان.

الحقيقة مختلفة

ولكن الحقيقة حتى الآن تشير إلى خلاف ذلك، فمنذ البداية قام عدد من المسلحين بإطلاق النار كما يزعم بعض نشطاء'' لجنة المعارضة الشعبية'' على ابن عم الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، الجنرال موسى عرفات. ويقال إنه عمل على إحضار مجموعات أمنية لا تعد ولا تحصى تحت إمرته، ووحّدها تحت سلطته نتيجة القرابة التي تربطه برئيس قوى الأمن الداخلي في قطاع غزة.

النزاعات العائلية

وفي نيسان (إبريل) الماضي، جرد عباس ابن العم من صلاحياته. وكان اغتياله لغاية الآن أهم حالة أمام القضاء الفلسطيني. ونادراً ما كانت تحصل في المقابل النزاعات العائلية التي تنتهي بالاختطاف والاغتيال، وغالباً ما كانت تتم بدوافع سياسية. وترتبط بحالة الفوضى أيضاً الحدود المفتوحة خلال النهار ما بين قطاع غزة ومصر، حيث استغل الآلاف من الأشخاص الفرصة، وبينهم الذين تمكنوا من جلب أسلحتهم إلى غزة.

إسرائيل مسؤولة

وتتحمل إسرائيل المسؤولية أيضا عن هذه الفوضى حيث تركت '' طريق فيلادلفيا'' مؤقتاً دون تنسيق مع سلطات الحكم الذاتي، قبل تسلم قوات الحدود المصرية التي قوامها 750 جندياً مواقعها.كما أن إسرائيل مسؤولة عن الـــــحريق الذي شب في أربعة معابد يهودية سابقة من قبل فلسطينيين، حيث وعدت إسرائيل بتدمير كافة بيوت العبادة التابعة لها قبل رحيلها. وفيما بعد قررت التراجع عن ذلك لأسباب إسرائيلية داخلية، وطالبت قبل يومين من تسليم القطاع سلطة الحكم الذاتي بمنع تدميرها، لكن السلطة رفضت تلك المطالب. إلا أن إسرائيل تهاونت في ذلك، ولاذت بالصمت. وكان الجنود الإسرائيليون يعبثون في تعاملهم مع رجال الأمن الفلسطيني، حيث كتبوا على إحدى الدكاكين القديمة عبارة'' بيت المقدس''.

أين وزير الداخلية؟

وهكذا غرقت السلطة المحلية في فوضى عارمة. ويقال إن وزير الداخلية الجنرال يوسف لا يتدخل بما فيه الكفاية. ويدورالحديث فيما مضى عن إمكانية إقالته. ويصبح مستشار شؤون الأمن القومي لدى الرئيس، جبريل الرجوب هو الرجل الحاسم في ذلك، إلا أنه ليست القيادة وحدها هي التي تعمل على إثارة الفوضى، وإنما يشارك في ذلك ضباط موالون في مختلف الوحدات أيضاً. وفي قطاع غزة والضفة الغربية، لا يمكن فصل الشرطة عن انتماءاتها العشائرية، حيث قيل إن وحدات الشرطة بالقرب من منزل موسى عرفات علمت بالتأكيد عن الاغتيال المخطط له. ولكنها لم تتصرف بشكل كاف، وتفادت النزاع مع المجموعة القتالية، ولم تجلب تعزيزات تذكر وتحفظت على ذلك. ولم يتمكن عباس لغاية الآن من لم شمل القوى الأمنية وتوحيدها تحت مظلة القانون غير الملزم والمجهول. وهكذا تبقى فئات من الشرطة موالية لعائلاتها ومجموعاتها.
خطوات على الطريق

وقام عباس في الأشهر الأخيرة بدمج العديد من مئات كوادر ''الانتفاضة الثانية'' في القوى الأمنية من أجل عدم عزلهم ''بعد قتالهم البطولي ضد الاحتلال''. وأجبر على اتخاذ مثل هذه الخطوة، نظرا لأن تلك المجموعات كانت حصلت سابقاً على أموال من ياسر عرفات. وأصبح أفرادها من خلال قتالهم أقوياء، ويتمتعون بسطوة لايستهان بها. ويأمل عباس الآن بترويضهم من خلال دمجهم في النظام. و بعد الخطاب الأول للرئيس عقب الانسحاب صرح مدير مكتبه أن الرئيس سيقوم بنزع الأسلحة من المجموعات المختلفة، وبعد انسحاب إسرائيل واغتيال موسى عرفات لا يبقى أمامه بديل آخر. ولكن تم تسليم أسلحة قليلة في الأسبوع الماضي بشكل طوعي، وجلبت الحدود المفتوحة مع مصر أسلحة جديدة. ويعاني الشعب من تردي الأوضاع القانونية. وقال مدير المكتب إننا سنبدأ بأنفسنا لإظهار أن العملية أكثر جدية. وتتم مطالبة مجموعات فتح بتسليم أسلحتها والانضمام إلى الجهاز الأمني، وبعكس ذلك فإنهم سيعاملون كمخالفين للقانون'' ولا يوجد أي إسرائيلي الآن في شوارع غزة، لذا فلا داعي أبدا لوجود الميليشيات المسلحة.

أسلحة فتح

وطالب عباس الإسلاميين في حماس بتسليم أسلحتهم مباشرة بعد الانتخابات، كما قال الحسيني'' وبعد كانون الثاني «يناير» لا تحتاج حماس للسلاح البتة''. إلا أنه لم يتمكن من نزع أسلحة منظمة فتح الخاصة به أي التي ينتمي إليها الرئيس. وهناك العديد من المجموعات المختلفة التي تحسب على فتح مثل ''سرايا شهداء القدس'' أو ''سرايا أبو ريش'' التي لم يتمكن رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السابقة عرفات من تذويبها في حزب سياسي واحد. ولهؤلاء مجموعات تابعة لفتح مثل تلك التي يقودها زكريا الزبيدي في منطقة جنين. إن فتح هي مجموعة مقاومة تدار من قبل زعماء في المنفى، وتتمثل أهدافها في مقاومة الاحتلال وبالأهداف السياسية المتعددة الواردة في ميثاقها. وحتى الميول الإسلامية تنتشر فيها بشكل موسع منذ ''الانتفاضة'' الأخيرة، بالنظر للاتجاه العام للمجتمع'' والعودة إلى القيم المحافظة. ولهذا الغرض، قامت مجموعات الأقصى بإنشاء تحالفات مع الإسلاميين، كما في لجنة المقاومة الشعبية المتهمة باغتيال موسى عرفات. وفي غزة فقط، يحاول زعيم فتح عبد الله فرنجية الذي كان مندوباً لمنظمة التحرير الفلسطينية في برلين إعطاء مجموعته صفة حزب.

بين عرفات وعباس

لقد كان ياسر عرفات قائداً جذابا تمكن من وضع المجموعات المختلفة تحت قيادته وإشرافه، وهذا ما لم يتمكن محمود عباس من إنجازه. ويمكنه فقط ذلك من خلال استمرار البناء في قطاع غزة وإقناع الآخرين بأهداف المرحلة المقبلة. ويوجد مؤشر على أنه ربما يتمكن من النجاح في هذا المسعى. وربما تقوم حركة حماس بالتباحث الداخلي حول نزع الأسلحة، كما هي الحال لدى حزب الله في لبنان حالياً.

الأكثر قراءة