بولندا بحاجة إلى سنوات طويلة للانسجام مع ألمانيا داخل أوروبا

بولندا بحاجة إلى سنوات طويلة للانسجام مع ألمانيا داخل أوروبا

قبل 16 عاما، تمكنت المعارضة في بولندا من إنجاز انتقال وتحوّل ناعم وسلس بقيادة ليخ فاليسا مع الحرص البالغ على تجنب سفك الدماء .ثم عادت بعد فترة قصيرة لتسلم السلطة الحكومية ثانية، وصارت تعين منذ نحو عشر سنوات رئيس الدولة. وكما هو أحياناً في الدول الانتقالية أو ذات التحول إلى الشرق، اتخذ اقتصاد السوق لمديري المصانع وموظفي المناطق في المناصب العليا في نظام الحكم القديم شكلاً جديداً من الحكم والمعرفة. وكان أعوان الدكتاتور قد سلّموا بجميع الأمور باستثناء هدف الدولة الذي كان يتمثل في السرقة والنهب. كما اتسمت السياسة البولندية لسنوات طويلة بالفساد. وجعل الناخبون الذين اقترعوا للحزب الشيوعي اللاحق وهو اتلاف يمثل ''اتحاد اليساريين الديمقراطيين'' في انتخابات الأحد الماضي يهبط إلى ربع حجمه الذي بلغه لغاية الآن.

جمهورية دون يساريين

ومع ذلك تعتبر بولندا جمهورية دون يساريين. كما كانت المعالم الرئيسية للسياسة البولندية محط أنظار الأطراف الغربية بشكل غير عادي. وتذكّر خطوط الفصل الداخلية الآن قليلاً بخريطة الدولة السياسية للقرن التاسع عشر عندما قام كارل ماركس بشرح سبب الاشتراكية لجميع المشارب الاجتماعية، دون استيعاب تلك الفكرة من قبل كثيرين. ويمثل الجهة الأولى في بولندا اتجاها استبداديا، وعلى الجهة الأخرى اتجاه سوق ليبرالي وفردي ضمن تيارات وطنية متعددة. كما تسير الحدود بين الاتجاهين باتجاه الداعمين من أوساط الناخبين لأنجح حزبين اثنين هما: حزب القاعدة الشعبية، دونالد توسكس، وحزب الحق والعدالة'' للإخوة كاشينكسي.

تشابه مع بقية أوروبا

يشبه برنامج حزب توسكس برامج الأحزاب الشعبية الاخرى في أوروبا الغربية، حيث إنه وطني مثل الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني، ومرتبط بالكنيسة مثل الحزب المسيحي، واقتصادي حر ليبرالي مثل حزب المحافظين البريطاني.
وعلى يمين خط الفصل هنالك مجموعة من الأحزاب التي نجحت في الدخول إلى البرلمان، والتي نادراً ما يمكن تصنيفها حسب المعايير السائدة في أوروبا الغربية. وفي حالة أحزاب الحق والعدالة، وجماعة العائلات البولندية، والدفاع الذاتي، فقد حققت كلها معاً ما نسبته 46 في المائة من الأصوات يوم الأحد، وتوحدت عناصر القانونيين الكلاسيكيين مع اليساريين الأيتام بعد انهيار الشيوعيين.

توجيه حزبي

هذه الأحزاب موجهة من جانب شخصيات قيادية قوية، بحيث إن شخصين مثل ياروسلاف، ولينج كاشينسكي يظهران معاً في الطريق الذي يؤكد الوطنية. وأهم من كل ذلك أنها تقدم للناخب بلهجة وطنية قوية: الهوية والأمان، بحيث يتم تصعيد العامل الوطني عبر تأكيد العداوات القديمة مع روسيا وألمانيا. وهناك رباط مركب لشعور ''نحن'' يتمثل في الارتباط بالكنيسة الكاثوليكية، باستثناء حزب الدفاع عن النفس.
.
الخوف من حرية السوق

ومن الناحية السياسية الاقتصادية، تستغل الأحزاب خوف الشباب من حرية السوق. وبما أن ''حزب الحق والعدالة'' تمكن من أن يصبح أقوى حزب، فإنه وإلى حد كبير يعود الفضل في ذلك إلى تصوراته الأبوية والتضامن والرعاية الحكومية. وبعكس حزب القاعدة الشعبية الليبرالي المحافظ، لا تولي أحزاب الرعاية أي توجه لزيادة ضريبة الدخل، تلك القضية التي أفشلت قبل أسبوع برنامج أنجيلا ميركل في ألمانيا. ومن أجل تهدئة الكثير من العمال، يرغب هذا الحزب في الاحتفاظ ببعض الشركات المهمة بيد الحكومة. ويرتبط هذا التركيب الوطني المتشدد، ومبدأ القيادة ووعود الرعاية بمشاهير الوطنيين في أوروبا الغربية مثل جان ماري لوبان في فرنسا، أو يورج هايدر في النمسا. وعلى أية حال، فليس من مصلحة أوروبا أن يقدم أحد لها نصيحة، كما هي حال النمسا، بتوجيه دعاية مضادة لبولندا. وهنالك بعض التفاصيل المهمة مثل التمييز ما بين استبدادية القانون للإخوة كاشينكسي، وبين عالم المشاهير في الغرب. وبشكل خاص، فإن الوطنية البولندية لا توجد لها أي نزعة نحو العنف، ولا هي موجهة ضد الأقليات، حيث تختلف الظروف البولندية في مجال العمل عن مشاكل الهجرة المعروفة في الغرب.

استعداد للحوار والتفاهم

ومن ناحية ثانية، فإن اليمين الجديد للوسط على استعداد للحوار. وعلى سبيل المثال، نجد أن حزب ''الحق والعدالة، ليس لديه النية لعمل شيء مشترك مع الأحزاب الأخرى المعروفة التي أكدت مسبقاً قبل أشهر رغبتها في ائتلاف مع حزب القاعدة الشعبية.
وبانشغالها بمثل هذا التحالف من القوة اليمينية الشعبية والليبرالية الوطنية، تعتبر بولندا في حقيقة الأمر شريكاً صعباً لألمانيا، ولكنها لا يجب أن تكون كذلك، بالنظر إلى علاقة الجوار بينهما. وقد أوضحت قيادة حزب الحق والعدالة سابقاً أن على المرء ترك وزارة الخارجية لشريك الائتلاف، أي حزب القاعدة الشعبية الذي يتمتع بعلاقة جيدة مع ألمانيا إلى أبعد حد.

سنوات طويلة للغاية

وستحتاج بولندا إلى سنوات طويلة لحين تتمكن من التوصل إلى انسجام مع ألمانيا العملاقة ذات الاقتصاد القوي داخل الاتحاد الأوروبي. وكان يخشى دائماً من الخطاب الحماسي خلال السنوات الأخيرة، الذي لا يصب في صالح وارسو. وحتى الإخوة كاشنيكسي أثبتوا مرات عديده أنه عندما يتعلق الأمر بهم، فإن الفرق بين الخطاب السياسي الحماسي والسياسة الحقيقية بات معروفا.

الأكثر قراءة