الزي "الصعيدي" يرفع دخل مواطن إلى 30 ألف ريال
وسط أمواج من العمالة الوافدة، بدأ السعوديون العاملون في سوق الخضار في مدينة سكاكا في منطقة الجوف وكأنهم الغرباء، بل أن بعض الوافدين هو صاحب الكلمة العليا في السوق. ترامت أمامي محاور عديدة حول هذا الموضوع دخلت هذه الأمواج باحثا عن ابن الوطن وبين مد وجزر وجدته مثقلا بالهموم والعقبات أمام هذا الكم من الوافدين الذين يصنعون العراقيل لتنفير السعوديين من أسواق الخضار الأمر الذي استطلعته "الاقتصادية" خلال هذا التقرير:
أثناء دخولي سوق الخضار ترامت إلى مسامعي أصوات عديدة منهم من يعرض أسعاره الرخيصة مع موجة غلاء الأسعار ومنهم من يتغنى ببضاعته الطازجة إلا أن هناك صوتا نشازا لفت انتباهي سمعته وكأنني في (صعيد مصر) تقدمت إليه وتجاذبت معه أطراف الحديث وإذا بضحكات تكاد تشقق عينيه ولكن عندما علم بمهنتي كصحافي أراد أن يكشف أمره لي ولم يكن يعلم أنه أتى بالفاجعة بالنسبة لي عندما قال "أنا سعودي"، اقتربت منه بدهشة وطلبت منه "البطاقة الشخصية مازلت غير متأكد) وبعد أن أبرزها لي تحدثت معه في التفاصيل وكيف تحول شاب سعودي إلى مصري "صعيدي" في سوق الخضار، عبد الواحد العنزي العاطل عن العمل يسرد إلينا تفاصيل التحول الذي أصابه وما أسبابه ودوافعه يقول العنزي " منذ سنوات بدأت فكرة عملي في سوق الخضار بعدما علمت أن هذا العمل يدر أرباحا عظيمة وتقدمت للبنك الزراعي واشتريت سيارة "دينا" بالأقساط بحكم أنني عاطل عن العمل ودخلت في معمعة سوق الخضار أبدأ العمل في الفجر وأنتهي بعد المغرب ومن خلال عملي في الأشهر الأولى لم أر الأرباح المادية الذي كنت أسمع عنها فدخلي لا يتجاوز ألفي ريال فراودتني فكرة هجر العمل ولكن السيارة التي أملكها ملزم بدفع أقساطها. وأضاف العنزي خلال حديثة لـ "الاقتصادية" وبعد تمحيص وتفكير ومعرفة أن سبب عدم ربحي من العمل هو أنني سعودي قررت التنكر في زي "صعيدي" بحكم إجادتي اللجهة الصعيدية في تجربة لم أكن أتوقع لها النجاح ولكن الواقع نطق بعكس ذلك.
ويسرد العنزي بقية التفاصيل ويقول " خلال الشهر الأول من العمل متنكراً خرجت بخمسة عشر ألف ريال فواصلت العمل حتى نسيت الزي السعودي أثناء العمل وأنا الآن دخلي يتجاوز 32 ألف ريال، ويؤكد العنزي " أنه يذهب إلى سوق الخضار في منطقة تبوك ويبيع دون حرج لأنه لا أحد يعلم "بسعوديته" هناك.
وعن المواقف الطريفة ذكر " أنه واجه مشكلة مع أحد رجال الأمن عندما طلبوا إثباته في إحدى نقاط التفتيش وإذا به سعودي ومتنكر فقرروا احتجازه لدواعي أمنية حتى يتم معرفة أمره (يسرد الموقف ضاحكا).
أما سلطان مدالله الشراري بائع الخضار المتجول أو نسميه (الهارب من السوق الذي لاقرار له ولاستقرار) يقول " العمالة الوافدة فرضت سيطرتها على السوق تماما وأنا لاأملك مبسطا هناك ولا يحق البيع في سوق الخضار بطرق غير نظامية، وأضاف " أنا الآن أقف على الطرق السريعة وأعرض بضاعتي تحت حر الشمس والخوف من مراقبي أمانة الجوف في انتظار الزبائن، وعن نظامية عمله بهذه الطريقة ذكر الشراري " أنا بهذه الطريقة مخالف ودائما مايتم ترحيلنا من هذه المواقع من قبل المراقبين في أمانة منطقة الجوف ألا أنني لاأجد طريقة مناسبة للعمل غير ذلك.
أما خالد النهار ومحمد الرويلي ـ يملكان محالا في سوق الخضار ـ اتفقا على فشل السيطرة على العمالة الوافدة من خلال "السعودة" واضطرا لتشغيل عمالة وافدة لينحصر دورهم على الأشراف من بعيد دون الاقتراب من المحل لأن السعودي يعتبر حالة محظورة لدى المتسوقين بحسب خالد النهار الذي يعمل بسوق الخضار منذ عشر سنوات، وعن الأسباب يقول النهار " المتسوقون من أبناء البلد يذهبون للعمالة الوافدة ويفاصلونهم في الأسعار دون حواجز بينما العاملون السعوديون يخجلون منهم لذا يحاولون تجاوزهم هروبا من الحرج والذهاب للوافدين.
عبد الكريم الجبر أحد المتسوقين يتحدث عن أسباب انتشار العمالة الوافدة وسيطرتها على السوق ويقول "يحتاج السعوديون العاملون إلى تعلم لغة السوق التي ينتهجها العمالة الوافدة ويجنون من ورائها أرباحا طائلة. وعن سؤاله عن هذه اللغة الجديدة ذكر " اللغة هي فن التعامل مع المتسوق والابتسامة والتودد، ويحتاج السعوديون إلى مزيد من الوقت لمعرفة هذه اللغة.
بعد هذه الجولة التقريرية حاولنا كشف المستور من خفايا سوق الخضار في مدينة سكاكا وإيضاحها من خلال آراء أصحاب المهنة والتجربة الذين عركتهم الأيام ولكن هناك سؤالا طالما ظل يتردد حائرا في الأوساط العاملة من السعوديين، لماذا يُحارب السعودي العامل بطريقة الخفاء من خلال تجاهله والذهاب للوافد ؟!