عواصم التمويل الإسلامي
وفقاً لتقرير صحافي أعدته بشكل مترجم إحدى الصحف اليومية في المنطقة الأسبوع الماضي -ونقلته عنها صحف أخرى- عن تقرير نشرته مجلة "فوربس" ، فإن العاصمة الماليزية كولالمبور تحتل المرتبة الأولى عالمياً من حيث حجم الأصول الإسلامية وبواقع 50 مليار دولار بينما تحتل دبي المركز الثاني بواقع 46.3 مليار دولار والمنامة في المرتبة الثالثة بواقع 16.4 مليار دولار، وجاءت الدوحة رابعة بحجم أصول بلغ 14.8 مليار دولار، ثم لندن وسنغافورة بحجم أصول بلغ 10 مليارات ودولار و 6.8 مليار دولار في المركزين الخامس والسادس على التوالي.
وقد تمنيت لو أن مترجم ومعد المادة العربية حول تقرير "فوربس" لم يرتب عواصم التمويل الإسلامي حسب أحجامها، لأن تقرير "فوربس" باللغة الإنجليزية لم يصنفها أصلاً على أساس الحجم ولم يشر إلى ذلك على الرغم من ترتيبه لها في العرض وفقاً للحجم، لأن "فوربس" تدرك تماماً أن هناك مدن أخرى تحتضن أصولا متوافقة مع الشريعة تفوق بكثير بعض الأرقام التي تم إدراجها والتي تتعلق بـ "عواصم التمويل الإسلامي".
فلماذا ينظر الكثير من الناس للمدن الست السالفة الذكر على أنها فعلاً عواصم للتمويل الإسلامي على الرغم من أن هناك مدناً أخرى تفوقها في إجمالي أحجام الأصول المتوافقة مع الشريعة؟ وللإجابة على هذا السؤال، دعونا نتأمل بعض مزايا وخصائص بعض "عواصم التمويل الإسلامي الست" التي أوردها تقرير "فوربس" لنجد القواسم المشتركة فيما بينها.
فجميع تلك العواصم تمتلك الإرادة القوية في أن تكون مراكز مالية إسلامية وتتجلى هذه الإرداة فيما يصرح به صناع القرار المالي فيها كما تتجلى من خلال احتضان وجذب العديد من الاستثمارات الأجنبية في التمويل الإسلامي، بالإضافة إلى التنظيم المتكرر للمناسبات الدولية الضخمة حول العمل المالي الإسلامي.
فالمنامة على سبيل المثال تعد بمثابة "عراب" الصناعة المالية الإسلامية ، وهي أول عاصمة احتضنتها وشرعت لها كصناعة بشكل رسمي وعلى مستوى كلي. كما أن المنامة تحتضن العديد من مؤسسات البنية التحتية للصناعة المالية الإسلامية, بل وإنها أسهمت في إنشائها بالتعاون مع عدد من المؤسسات المالية الإسلامية.
أما دبي فقد أوجدت نظما وتشريعات وتسهيلات من شأنها استقطاب المال الإسلامي، كما أن بورصة دبي العالمية تعد الأولى في العالم من حيث حجم الصكوك الإسلامية المدرجة فيها. ودبي تسمح بالملكية الأجنبية وتحويل الأموال إلى الخارج بنسبة 100% بالإضافة إلى المزايا الضريبية التي تمنحها للمستثمرين.
وكولالمبور كانت قد أعدت خطة عشرية عامة في عام 2005, لتشمل تطوير قطاعها المالي بشكل عام والإسلامي بشكل خاص. وقد أوجدت النظم والتشريعات الملائمة لتسهيل اجتذاب ونمو العمل المالي الإسلامي. كما أن البنك المركزي الماليزي (بنك نيجارا ماليزيا) يدخل كمنظم ومشرع ومسهل للعمل المالي الإسلامي، ومن أهم مزاياه أنه يلعب دوراً مهما في إدارة السيولة للمؤسسات المالية الإسلامية على مستوى محلي. كما أن البنك أدرك أهمية تطوير الموارد البشرية في الصناعة المالية الإسلامية فأنشأ جامعة (إنسيف) المتخصصة فقط بالتمويل الإسلامي, ما جعل ماليزيا المصدر الأول للكفاءات العاملة في الصناعة.