السندات تنهار والسلع تتراجع في أسواق المال العالمية
انهارت السندات الحكومية هذا الأسبوع إلى أدنى مستوى لها منذ بضعة أشهر، في الوقت الذي أخفق فيه التراجع الواسع في أسعار السلع في طمأنة المخاوف بين المستثمرين حول الضغوط التضخمية المتصاعدة.
ارتفع العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشر سنوات، ومكث فترة قصيرة عند 4.14 في المائة، وهو أعلى معدل له منذ كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قبل أن يتحسن الوضع ويصل إلى 4.03 في المائة، أي بزيادة قدرها 18 نقطة أساس خلال هذا الأسبوع. كذلك ارتفع العائد على سندات الحكومة الألمانية لأجل عشر سنوات بمقدار 18 نقطة أساس ليصل إلى 4.44 في المائة، بعد أن وصل إلى أعلى مستوى له خلال عشرة أشهر في الأسبوع الماضي، في حين أن العائد على سندات الحكومة اليابانية لأجل عشر سنوات استقر في مستوى أعلى بأربع نقاط أساس عند 1.74 في المائة، بعد أن وصل أعلى مستوى له خلال عشرة أشهر عند 1.8 في المائة.
أظهرت البيانات الاقتصادية التي نشرت يوم الجمعة أن التضخم في منطقة اليورو لهذا الشهر قفز من جديد إلى أعلى مستوى تاريخي له عند 3.6 في المائة، ما عزز المخاوف من أن قرار البنك المركزي في الشهر المقبل ربما يكون باتجاه رفع أسعار الفائدة.
إلا أن المحللين كانوا متشككين حول إمكانية قيام البنك المركزي الأوروبي بتشديد أسعار الفائدة. وقال مارتن فان فليت، من "آي إن جي فاينانشال ماركتس": "وقع التضخم في منطقة اليورو رهينة في قبضة الأسعار العالية للنفط والمواد الغذائية، التي تقع خارج دائرة النفوذ المباشر للبنك المركزي الأوروبي".
"ونحن نشك في أن تكون لدى البنك المركزي الأوروبي رغبة في زيادة حدة التراجع الاقتصادي، الذي من شأنه تعميق حدة الضغط التضخمي الكامن على المدى المتوسط".
لاحظ المحللون الفارق بين الأرقام في منطقة اليورو والبيانات الحميدة في الولايات المتحدة، حيث بقي مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي، وهو المؤشر الذي يفضله البنك المركزي الأمريكي لقياس التضخم، بقي ثابتاً عند نسبة 2.1 بالمعدل السنوي في نيسان (أبريل)، وهو معدل يقع على مسافة قريبة جداً خارج "منطقة الارتياح" التي يفضلها البنك المركزي الأمريكي، وهي من 1 إلى 2 في المائة.
قالت ميشيل ماير، وهي اقتصادية لدى بنك ليمان براذرز: "ظل مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي يتصرف على نحو مقبول نسبياً خلال الأشهر القليلة الماضية، ويفترض أن يكون في ذلك ما يُطَمئِن البنك في أن الاتجاه العام الكامن في التضخم لم يتحول إلى الأعلى على الرغم من الصدمات الهائلة في أسعار المواد الغذائية والطاقة".
ولكن في وقت مبكر من هذا الأسبوع حذر رتشارد فيشر، رئيس البنك المركزي في دالاس، من أن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة يمكن أن ترتفع "عاجلاً وليس آجلاً" إذا استمرت التوقعات التضخمية في التردي.
جادل مايك لينهوف، كبير المحللين الاستراتيجيين لدى "برُووِين دولفين"، بأنه بالإضافة إلى المخاوف من التضخم، فإن الزيادة الأخيرة في العوائد على السندات كان مرَدُّها إلى متانة الاقتصاد العالمي وصلابته، التي وصفها بأنها "مفاجِئة"، خصوصاً في ظل أجواء الانقباض الائتماني، وهبوط أسعار المساكن، والارتفاع الحاد في أسعار النفط، وهبوط ثقة المستهلكين.
وقال لينهوف: "بالنسبة إلى أسواق السندات الحكومية، فإن الأمر المهم في هذا المقام ليس هو أن الحاجة تدعو إلى رفع أسعار الفائدة، وإنما في أن الحاجة إلى المزيد من التخفيضات الفورية أصبحت غير ملحة كما كانت من قبل".
وقال: "كان البنك المركزي الأوربي ثابتاً عند رسالته التي تقول إن السياسة النقدية ينبغي أن تركز على بعث الاستقرار في الوضع التضخمي وليس تعزيز استقرار الناتج". وأضاف أن محاضر الاجتماعات الأخيرة للبنك المركزي البريطاني والبنك المركزي الأمريكي أظهرت أن كلا البنكين كانا يرغبان بشدة في إظهار أن الأسواق تشترك معهما في هذا الشعور".
استناداً إلى ريكاردو باربيري، وهو محلل استراتيجي لدى بانك أو أمريكا، فإن الحديث المتشدد في الفترة الأخيرة من كبار المسؤولين في البنوك المركزية يمكن أن ينظَر إليه على أنه محاولة لإضعاف الاندفاع في حركة أسواق السلع.
وقال باربيري: "إن مسؤولي البنوك المركزية، بفضل من البيانات المتينة لدورة الأعمال، كانوا قادرين على إقناع المشاركين في السوق بالمفهوم القائل إن الزيادات في أسعار الفائدة هي احتمال ممكن تماماً".
"إن أفضل ناتج من حيث استهداف معدلات التضخم من قبل البنوك المركزية هو أن المستثمرين العاملين في المضاربات على السلع سيشعرون بالهلع، وفي الوقت نفسه لا تضطر البنوك المركزية إلى تنفيذ التهديد برفع أسعار الفائدة".
والواقع أن أسعار السلع شهدت تراجعاً لا يستهان به خلال الأسبوع. فقد هبط سعر خام غرب تكساس المتوسط، وهو الخام القياسي الأمريكي، بمقدار خمسة دولارات للبرميل في تداولات اتسمت بالتقلب الكبير، في حين أن الذهب وصل إلى أدنى مستوى له خلال أسبوعين، وهو 870 دولاراً للأونصة، وهبط سعر النحاس إلى ما دون ثمانية آلاف دولار للطن، للمرة الأولى منذ شهرين.
ساعد الهبوط في أسعار النفط، أسواق الأسهم على استعادة بعضٍ الخسائر الكبيرة في الأسبوع الماضي. بحلول منتصف يوم الجمعة في نيويورك ارتفع مؤشر ستاندارد آند بورز 500 بمقدار 1.9 في المائة خلال الأسبوع (الذي كان طوله أربعة أيام بسبب عطلة اليوم التذكاري)، في حين أن مؤشر فاينانشيال تايمز يوروفيرست 300 ارتفع بمقدار 0.9 في المائة. وفي طوكيو قفز مؤشر نيكاي 225 بمقدار 2.3 في المائة، وسجل زيادة قدرها 3.5 في المائة فوق جميع أيام أيار (مايو)، وهو الارتفاع المتتالي الثاني خلال شهر واحد.
يعود بعض السبب في القوة التي أظهرها مؤشر نيكاي إلى الوضع الضعيف للين في أسواق العملات. وقد هبط سعر الين إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار خلال ثلاثة أشهر، في الوقت الذي ازدادت فيه شهية المخاطرة لدى المستثمرين، على خلفية التحسن في أوضاع أسواق الأسهم، كما خسر الين عدداً من النقاط أمام اليورو والجنيه الاسترليني.
من جانب آخر تقدم الدولار الأمريكي مقابل اليورو، في الوقت الذي تم التعويض عن أرقام التضخم النشطة في منطقة اليورو بالعلامات المُقلِقة حول الضعف في المجالات الأخرى في اقتصاد منطقة اليورو، وعلى الأخص الهبوط الشهري الثاني في مبيعات التجزئة في ألمانيا والزيادة الأولى في معدل البطالة في ألمانيا للمرة الأولى منذ سنتين.
ضاقت الفروق بين العوائد على السندات الحكومية وسندات الشركات بصورة متواضعة بعد أسبوع من التقلب الكبير، في حين أنه في أسواق المال سجل سعر الفائدة على قروض الدولار لليلة واحدة بمعدل ليبور أكبر زيادة أسبوعية له منذ آب (أغسطس) من السنة الماضية.
وأرجع المحللون بعض السبب في هذا التضيق إلى أن البنوك الاستثمارية الأمريكية أقفلت دفاترها فيما يتعلق بحسابات الربع الثاني.