مصطفى سند.. رحلة البحر القديم وذاكرة الرؤى المستحيلة
مصطفى سند.. رحلة البحر القديم وذاكرة الرؤى المستحيلة
ربما هي سيرة من الماء لا ينتهي بها المطاف ولا تستوقفها الضفاف، أو ربما هي قافية مخلوقة من استحالة الشعر على الأشياء حين ينسج معانيها بأناقة روحه ويربي حروفها في حضن شفافية حنونة ووطن رؤوم، أو ربما هو غير ذلك مما لا يمكن تضمينه في كتابة واحدة حينما تتعدد فينا القراءات.
وحدها مصادر الإلهام تؤكد دائما أن القصائد التي تمتد في الحياة تمنحها عمرا كامنا وذاكرة تتجدد خارج النسيان الغابر، وقدرة أبدية على رسم الصباحات الباقية في تفاصيل زمنٍِ عابر.
غير بعيد عن كل ذلك تفيأ شاعر ظل الدنيا لسنوات فملأ وطنه انتماء وأمته انتشاء ورسخ اسمه في سجلات الغيم الممطر أدباً غزيرا يعم بإبداعه أرجاء الثقافة وقلوب من عرفوه من خلالها.
وعلى مقربة من الصبر والإيمان والدعاء، رحل عن الدنيا والتحق بالرفيق الأعلى، غادر ليفتقده المحبون ويرثيه البحر ويدعو له كل من قاسمه ظل دنياه من الذين قال لهم ذات يوم
"أحاول قدر استطاعتي أن أغازل الشمس لأنسج منها خيوطا شعرية تلامس شغاف قلوبكم تطربكم... تشجيكم وتسعدكم"
رحم الله الشاعر السوداني مصطفى سند وأسكنه فسيح جناته.
مصطفى سند في سطور:
ولد في أمدرمان 1936 ودرس فيها وفي الأبيض وفي الخرطوم بحري.. حاصل على بكالوريوس تجارة ـ شعبة علوم بريدية ومسجل في السنة الثالثة حقوق.
- عمل في مصلحة البريد والبرق وفي وزارة المواصلات في معاهد التدريب، كما عمل بالانتداب في وزارة الخارجية لمدة أربعة أعوام، ثم تفرغ للعمل الصحافي منذ 1980، وعمل مديراً لتحرير جريدة الخليج اليوم في قطر، ثم عاد إلى السودان فعمل في الصحافة اليومية، وتولى رئاسة مجلس إدارة الهيئة القومية للثقافة والفنون كما كان عضوا في المجلس الوطني الانتقالي.
- دواوينه الشعرية: البحر القديم 1971- ملامح من الوجه القديم 1978- عودة البطريق البحري 1988- أوراق من زمن المحنة 1990- نقوش على ذاكرة الخوف 1990- بيتنا في البحر 1993.
حصل على جائزة الدولة التشجيعية 1983، ووسام العلوم والفنون والآداب 1983، وجائزة الشعر من جامعة الخرطوم 1991. و كتبت عنه عشرات الدراسات محلياً وعربياً. ويعد الشاعر مصطفى سند من الرواد الأوائل لحركة الشعر الحديث في السودان، والذين امتد تأثيرهم لأجيال عديدة أتت بعدهم، وبخاصة في فترة الستينيات، حيث رسخ، هو وأقرانه، صلاح أحمد إبراهيم، محمد المكي إبراهيم، النور عثمان أبكر، محمد عبد الحي، والذين كانوا إضافة متميزة للطلائع الذين كان منهم الجيلي عبد الرحمن، محمد الفيتوري، وتاج السر الحسن ومحيي الدين فارس.
*من نصوصه:
"لا شيء يولد من رؤى لا شيء"
لك في الحروف صهيلها وعويلها.. وبيان رونقها
وأطلس ليلها النائي وساحلها القديم
لك في القصيدة روحها ونهار جلوتها
وأنفاس الغناء..
إني حملتك في يباس العمر والأيام
اخيلة على سيف المطر
وصعدت من وكري إلى مجد السديم
وبرزت بين حدائق الرمل السجينة
أستقي صبري.. واسأل عنك أعرض نار أوراقي
على برد الرجاء
هذى الجبال تهدني بربيعها الدامي
وترميني على ورد البكاء
**
قالت عبرت إلىَّ فاحتمل الأسى
قالت سهرت عليّ فانتظر القمر
طال الوقوف وطالت الأسباب
نارك في مدى عينيك ساهرة وأطياف المساء
تسترحم الورق الشحيح بصارة المعنى
وتسأل عن مصابيح الحروف
طال الوقوف وطالت الأسباب
واللغة الحزينة آخر الأنفاس نائمة وناقوس الشجن
يسقي شحوبك نضرة الموتى
وأقباس المراقد واحتراقات الزمن