تقرير رسمي ينتقد ضعف الدور الاجتماعي للأثرياء في الإمارات
انتقد تقرير رسمي صدر في أبو ظبي أمس ضعف الدور الاجتماعي للأثرياء ورجال الأعمال في الإمارات، وأكد أن الدور الاجتماعي للقطاع الخاص لا يزال محدوداً جداً ولا يتجاوز عدد شركات هذا القطاع المشاركة في خدمة المجتمع 1 في المائة فقط حيث لا تزال الحكومة هي الضامن الوحيد والراعي الأوحد لقضايا التنمية الاجتماعية.
وأفاد التقرير الذي أصدرته إدارة الدراسات في دائرة التخطيط والاقتصاد في أبو ظبي، بأن الدور الاجتماعي لا يزال غائبا عن اهتمامات 99 في المائة من شركات القطاع الخاص ومنشآته رغم أنها ظلت ولا تزال تحقق أرباحاً قياسية بفضل ارتفاع أسعار النفط والطفرة الاقتصادية الكبرى التي تشهدها إمارة أبو ظبي ودولة الإمارات في أكثر من مضمار، وذلك بفضل التسهيلات والامتيازات الحكومية الكبيرة المقدمة لهذه الشركات والمنشآت التي كان لها أكبر الأثر في خلق بيئة عمل نشطة.
ودعا التقرير إلى طرح قضية ضعف الدور الاجتماعي للأثرياء ورجال المال والأعمال وشركات القطاع الخاص عموما بقوة وجدية للنقاش في وسائل الإعلام المحلية، وفي أروقة المجلس الوطني الاتحادي، للخروج برؤية اتحادية واضحة لبلورة وتنظيم وتنشيط هذا العمل في ظل الاتساع في طبقة الأثرياء ونشاط القطاع الخاص.
ورأى التقرير أن هذا الدور تفرضه في المقام الأول اعتبارات خارجية وتحولات عالمية ليس لأحد فيها خيار حيث لم يعد بوسع أحد في عالم اليوم السباحة ضد تيار العولمة الاقتصادية الذي تتطلب مسايرته تعاوناً وتنسيقاً بين الحكومة والقطاع الخاص لإيجاد شراكة حقيقية تقوم على خدمة جهود التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
وأكد التقرير أنه على الرغم من الدور المتزايد الذي يشهده القطاع الخاص على الصعيد الاقتصادي فإن المسؤولية الاجتماعية له مفهوم جديد لم يكرس بعد ثقافة عامة تترجم إلى مساهمات عملية في إمارة أبو ظبي ودولة الإمارات.
وأوضح التقرير أن أرباح الشركات المساهمة العامة في الإمارات نمت بنحو 50 في المائة خلال الربع الأول من هذا العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي بينما يتوقع أن تتجاوز أرباح الشركات المدرجة في سوقي أبو ظبي للأوراق المالية ودبي المالي 70 مليار درهم نهاية هذا العام. وأضاف أن الشركات المدرجة في السوقين حققت أرباحا صافية بلغت 51.7 مليار درهم خلال عام 2007 بزيادة 36 في المائة على صافي الأرباح المتحققة خلال عام 2006، ولم يترافق ذلك النمو في أعمال شركات القطاع الخاص وارتفاع أرباحها مع نمو وتعزيز الدور والمسؤولية الاجتماعية لتلك الشركات.
ورأى التقرير أن هناك خلطا واضحا لدى أرباب العمل في القطاع الخاص بين ما يدفعونه للدولة من ضرائب ورسوم وغيرها وبنسب محددة لا خيار لأحد فيها وبين دورهم الاجتماعي المنشود الذي تحركه وتحدده في المقام الأول معايير أخلاقية ووطنية تجاه المجتمع وليس له أية علاقة بما يدفعه أرباب القطاع الخاص من ضرائب وجمارك وغيرها التي تعد من بين أقل المعدلات الضريبية في العالم إن لم تكن أقلها على الإطلاق.
ولفت إلى أن صافي أرباح خمسة بنوك محلية فقط يتجاوز مجموع ما يدفعه رجال المال والأعمال والقطاع الخاص مجتمعين لخزانة الدولة فيما لو قدر لهذه البنوك ورجال الأعمال العمل في بعض الدول المتقدمة لاستقطعت حكومات تلك الدول منهم نسبا تتجاوز 25 في المائة في شكل ضريبة دخل أو ضريبة أرباح.
وأشار التقرير إلى أن عدد الأثرياء ممن يملكون موجودات مالية لا يقل عن مليون دولار في دولة الإمارات يزيدون على 75 ألف مليونير أي ما يعادل 8.8 في المائة من مجموع عدد المواطنين في الدولة وهي النسبة الأعلى في العالم.
وتوقع التقرير أن تشهد السنوات المقبلة زيادات مطردة في أعداد الأثرياء في ظل الطفرة الاقتصادية والعقارية التي تشهدها الدولة حاليا والنمو الكبير في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع عائدات النفط، وتوسع القطاعات غير النفطية، وارتفاع فوائض التجارة والحساب الجاري.
ورأى أن النمو الكبير في عدد الأثرياء في الدولة حيث يتزايدون بمعدل سنوي لا يقل عن 15 في المائة يطرح تساؤلات مهمة حول دور الأثرياء في تنمية المجتمع، في وقت بدأت فيه الدولة تمنح القطاع الخاص دوراً فاعلاً ومتزايدا من خلال برامج التخصيص والإصلاح الاقتصادي الذي بدأت عجلته تدور، في وقت بدأ فيه ظهور قاعدة متنامية من أصحاب الأعمال الأثرياء.
وطالب التقرير هؤلاء الأثرياء وأصحاب الأموال بأخذ زمام المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية تجاه مجتمعهم ووطنهم الذي يقدم لهم الكثير، مشيراً إلى أن المستويات العالية من الأرباح التي تحققها أعمالهم ومؤسساتهم تعود في جزء كبير منه إلى تحسن بيئة العمل الاقتصادي والاستثماري والتجاري وهو ما أتاحته الدولة للجميع دون استثناء.
وبيّن التقرير أنه قبل عامين نظر العالم كله بإعجاب لوارين بافيت الملياردير الأمريكي عندما تبرع بما يمثل 85 في المائة من ثروته في ذلك الحين أو ما يعادل أكثر من 37 مليار دولار للأعمال الخيرية، وكان قد سبقه في هذا المضمار بيل جيتس الذي يتصدر قائمة أثرياء العالم بالإعلان عن تخصيص نصف ثروته التي كانت في حدود 55 مليار دولار لإنشاء صندوق عالمي للدعم المجتمعي، بينما سبقهم، في هذا المضمار سلسلة من كبار رجال الأعمال الأمريكيين، بل إن عدداً كبيراً من الجامعات الأمريكية العريقة والمرموقة قد أنشئت في الأساس بأوقاف من رجال الأعمال.
واعترف التقرير بأنه رغم كل ما تمت الإشارة إليه من أوجه التقصير الاجتماعي لرجال المال والأعمال في الدولة إلا أن ذلك لا ينفي بالطبع وجود نماذج لرجال الأعمال الذين أدركوا أهمية الدور الاجتماعي وأسهموا بفاعلية في العديد من المشاريع الاجتماعية الناجحة، بل إن بعضهم حاول إضفاء قدر من المؤسسية على أعمالهم في خدمة المجتمع وممارسة مسؤولياتهم الاجتماعية بشكل أكثر تنظيما وبفاعلية أكبر في ظل غياب رؤية واضحة تنظم وتقنن جهود العمل الاجتماعي في الدولة.
ونوّه التقرير إلى أن هناك حالات كثيرة في السابق شهدت تدافع وتنافس رجال الأعمال للتبرع بمبالغ طائلة لدرء آثار العديد من الكوارث التي ضربت دولا ومناطق في شتى بقاع العالم، ولكن عندما توافرت الآليات الصحيحة والمتكاملة لشحذ الهمم في هذا الاتجاه، خاصة من قبل وسائل الإعلام التي أتاحت من خلال تلك الأحداث فرصة لرجال الأعمال للإعلان عن أسمائهم والترويج الخيري.