عنتر أمريكا!

[email protected]

قليل من المنطق العاقل يكفي الإنسان كي يكون صادقاً مع نفسه، واثقا من تطلعه، مشدداً على ارتقائه كإنسان ينشد الرفعة والعلو، ويا أيها الإنسان لن يتسنى لك ذلك إلا حينما تتخلى عن انتهاك تطلعات الآخرين، بحجة أنهم أقل ..من الناحية القبلية أو الاجتماعية أو العرقية، وحتى المادية.
لقد أصبح العالم يعي أن لا فرق بين أفراده إلا بالعقل والإنجاز، فلا عنصرية، ولا شعب آري، ولا قبيلة كي يكون هو السيد وصاحب الدم الأنقى!
العالم الآن كله يقترب من نفسه أكثر فأكثر وباتت معاييره منطقية وتقييمه يستند إلى ثوابت، لا تُفرق بين أبيض ولا أسود، ولا آري أو مالاوي .. ولا عربي ولا عجمي.
نعم ففوز أوباما ليكون على رأس أكبر إمبراطورية في زمننا الحديث لهو إعلان التحولات والرسالة التي تحمل في معانيها كل البعد الإنساني والأخلاقي، رسالة إلى العالم الثالث الذي نحن ننتمي إليه أن لا فروق، إلا بالجد والإنتاج والاجتهاد، فنظام القبيلة يجب أن يندثر ويتوارى، ليحل بديلاً عنه الإنسان المنتج، الإنسان الفاعل، بل وتدفن الفروق التي جعلت بعض مجتمعاتنا العربية أسيرة التراجع الاجتماعي، ربيبة للمزايين وخصوصية القبيلة، من تلك الانتهاكات الاجتماعية التي كان أول من رفضها ونادى بنبذها هو رسول الأمة عليه أفضل الصلاة والتسليم:( لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، الناس سواسية كأسنان المشط)، وهو تأكيد لقول المولى عز وجل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم ).
إن عصرنا الجاري هو عصر العقل والفكر والإنتاج، عصر التحولات لإنسان عانى كثيرا من أن يبخس حقه بسبب لونه أو عرقه، هو الآن قادر على أن يسير بأحلامه نحو أفق أكبر دون تصنّع ومجاملة.
بعد فوز أوباما علينا أن نكشف الغطاء عن أنفسنا نتصارح نكتب نتبادل الحرية والمنطق ننعش تطلعنا نحو الارتقاء نرفض سيف القبيلة هل نتمكن من فعل ذلك؟ نستطيع، وتستطيع مؤسساتنا الحكومية أن تعين عليه حين تلغي دعمها لكل ما يدعو إلى التخلف عن الركب الحضاري، ذلك الذي بات في عصرنا الحديث سمة للمتخلفين وعلامةً على ضيق الأفق وضعف الرؤية، لأن مثل هذا التخلف ليس من صنع الدين بل من صنع الناس، هؤلاء الناس الذين ينتمون إلى مجتمع هو من أكثر شعوب الأرض سؤالاً عن العائلة والقبيلة كمدخل للتعارف أو استجداء الفزعة أو حتى الفضول، وفق مبادرات أضرت بالنظام الاجتماعي والتنظيمي، بل تجاوز ضررها إلى خطابنا التفاهمي فيما بيننا.
التغيرات التي يعيشها العالم والمعطيات الراهنة تجعلنا معنيين بإعلان مشروع وطني يكون هو العنوان الرئيس لحياتنا القادمة وسبيلا لأبنائنا وأبناء أبنائنا، مادام أن جيلنا وآباءنا قد أعيوا الدواء.
لنساهم في ارتقاء وطن نرضع حبه ولا نرضى بغيره بديلاً، عبر مشروع تكون آلياته وقواعده منطلقة من حب الوطن، فليس هناك من رهان إلا على حب الوطن، وزرعه كثقافة وبرنامج عمل يغرس في الأجيال الجديدة بطريقة علمية صحيحة، مع قص النتوءات والضارات من تلك التي نحملها في جيوبنا و عقولنا، ونستبدلها بالمحبة واحترام الغير والتطلع إلى الأمام.
أقول لم يكن من السهل على من هو مثلي ممن ينتمي إلى قبيلة ذات عادات وتقاليد وأعراف أن يطالب بنقض النظام القبلي، بل والتخلي عنه، لكن إذا لم نواكب الحياة ونعايش تطورها، فإنها حتماً ستتخلى عنّا وتتركنا وحيدين في مضارب الشيخ المنكفئ على نفسه!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي