الطالب الجامعي المتجول: شراكة جديدة بين الجامعات

الطالب الجامعي المتجول: شراكة جديدة بين الجامعات

الطالب الجامعي المتجول: شراكة جديدة بين الجامعات

ما رأيك في أن تُكمل السنة الأولى من دراستك الجامعية في جامعة سعودية، والسنة الثانية في جامعة آسيوية، والثالثة في جامعة أوروبية، والرابعة في جامعة أمريكية، ثُم تتخرج بدرجة علمية مُشتركة وموثقة، وتحتوي أختام جميع هذه الجامعات. كل ذلك، دون أن تسقط مقررات لم تجرِ معادلتها، أو أن تفقد زمناً، يُؤخر تخرجك، ويضيع من العمر. هذا الأمر، بل هذا الحلم، ليس رغبة، ولا أمنية؛ إنه واقع بدأت ملامحه في الظهور. وهناك أمثلة مهمة على ذلك، سنورد فيما يلي بعضاً منها.
بين دول أمريكا الشمالية التي تشمل: الولايات المُتحدة وكندا والمكسيك، هناك برنامج للشراكة في التعليم العالي، يُدعى "برنامج شمال أمريكا لمنح التعليم الجوال". ويتيح هذا البرنامج للطلبة، من مُختلف هذه الدول، الحصول على منح دراسية، تسمح لأصحابها بالدراسة في عدة جامعات موزعة على مدى هذه الدول. وهناك أيضاً برنامج آخر شبيه بهذا البرنامج، يُدعى "البرنامج الدولي للتعليم العالي الجوال"، ويسمح بتبادل الطلبة بين جامعات أوروبية وجامعات كندية. ويسعى البرنامج، بالإضافة إلى ذلك، إلى التوسع ليشمل دولاً أخرى.
ومن أمثلة السماح بالتعليم العالي الجوال أيضاً، اتفاقيات الشراكة بين جامعات موزعة في شتى أنحاء العالم، وليس في إطار مناطق جغرافية مُحدودة فقط. وبين أبرز اتفاقيات الشراكة هذه ما تقوم به "جامعة دارمستاد التقنية" الألمانية؛ فلدى هذه الجامعة علاقات شراكة مع جامعات في كل من: آسيا وإفريقيا وأمريكا. وهناك، في مجال هذا التوجه أيضاً، ما تقوم به بعض الجامعات العالمية، من فتح فروع لها في شتى أنحاء العالم، كما فعلت جامعة "ستانفورد" الأمريكية، عام 2003، حيث افتتحت فرعاً لها في الصين، وبات بإمكان طلبتها التجوال بين فروع الجامعة، الموزعة حول العالم.
ولكن ماذا يُفيد التجول في تلقي التعليم العالي؟ إنه بلا شك يُعطي مرونة للطالب في تلقي هذا التعليم، في المكان الذي يُناسبه، بما يستجيب لظروفه الشخصية. ويُتيح هذا التعليم للطالب أيضاً التعرف على ثقافات أكثر من بلد واحد، خلال دراسته الجامعية، وهذا ما يُقرب الفجوة الثقافية بين الشعوب، ويبني الصداقات في سن مُبكرة، ليُسهم في تحويل أي صراع ثقافي مُحتمل، إلى تواصل إنساني، يُعزز التفاهم الدولي. وتجدر الإشارة إلى أن الأمر المُعتاد في الماضي، وفي الوقت الحاضر أيضاً، أن يكون هناك طلبة من مُختلف أنحاء العالم في دول العالم الأقوى، ولا يكون هُناك العكس، لكن النظام الجديد يجعل الأمر مُتعادلاً، والتفاهم مُتبادلاً، وأكثر عُمقاً من ذي قبل.
ويحتاج الاهتمام بالتعليم العالي الجوال إلى التعامل مع مسألتين مهمتين بمرونة وحكمة. ترتبط المسألة الأولى بالمستوى الأكاديمي حيث لا بُد من تحقيق مُستوى أكاديمي مُتعادل بين الجامعات التي تسمح بوجود الطالب المتجول. ويُفيد هذا الأمر في الارتقاء ببعض الجامعات، وتعزيز دورها، ليس على مستواها المحلي فقط، بل على المستوى الدولي أيضاً.
أما المسألة الثانية، فتتعلق بمرونة مقررات البرامج الدراسية، وعلى الجامعات هنا أن تتسم بالمرونة في كل من المتطلبات العامة للشهادات الجامعية والمُتطلبات التخصصية. فعلى صعيد المقررات العامة، يجب وضع نظام تكافؤ بين هذه المقررات في مُختلف الجامعات. وعلى صعيد المقررات التخصصية، خصوصاً غير التأسيسية، يُمكن وضع عدد كبير من المقررات التي يُمكن للطالب اختيار مجموعة منها، من أي جامعة تدخل في إطار اتفاقات التجوال. وتبقى المقررات التأسيسية للتخصصات المختلفة الموضوع الرئيس الذي يجب الاتفاق على توحيده بين الجامعات ذات العلاقة.
إذا نظرنا إلى ما سبق، فإن أول تساؤل يطرح نفسه أمامنا، هو مدى مُرونة وفاعلية أنظمة التعليم العالي لدينا في السماح لطلابنا بالتجوال ضمن جامعاتنا الوطنية. إذا استطعنا تحقيق ذلك وهو أمر مهم، فإننا نستطيع بعد ذلك التوجه نحو العمل على السماح بالتجوال ضمن جامعات منطقة الخليج، إضافة إلى التجوال بين الجامعات، على مستوى العالم. وعسى أن يأخذ هذا الموضوع حظه من الاهتمام في جامعاتنا في المُستقبل.

[email protected]

الأكثر قراءة