مراعاة النص دون الروح في التمويل الإسلامي

مراعاة النص دون الروح في التمويل الإسلامي

هذه الأيام تُمضي البنوك الغربية وبنوك الشرق الأوسط وقتاً كبيراً في تحليل فقه المال في الإسلام، حيث أنها تعمل على تصميم أدوات استثمارية تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية. ولكن في الغالب لا يتم التطرق إلى روح التمويل الإسلامي، بقدر ما يتم الاهتمام بنصه فقط.
ومع هذا تلقي أي مراجعة للنصوص الدينية أو خطب الجمعة أو النقاشات المعاصرة حول هذا الموضوع الضوء على النوايا الحقيقية للتمويل الإسلامي، وهي حقن التجارة بالعدالة الاجتماعية، واعتدال الناس في سعيهم للربح واهتمامهم برفاهية الناس الأقل حظاً. فمن المتطرفين إلى المعتدلين، ومن التقليديين إلى الأصوليين، ومن أهل جنوب آسيا إلى العرب، فإن مفهوم تحقيق العدالة الاجتماعية عن طريق التمويل الإسلامي هو مفهوم يحتل أهمية مطلقة.
هناك الكثير من خطأ التوجُّه في هذه المجموعة من الأفكار ذات النوايا الطيبة، ومن الممكن أن العدالة الاجتماعية ستتحقق على نحو أفضل من خلال سبل أخرى. ولكن الأهم من ذلك هو أن أية مؤسسة مالية تقليدية يمكن أن تستنتج أن التمويل الإسلامي، إذا التزم بالروح الحقيقية للإسلام، لن يكون ناجحاً على الأرجح. ذلك أن الفكرة القائلة إن بنك سيتي جروب أو بنك إتش إس بي سي أو بنك ليمان براذرز سيقبل بهذه الفكرة من أجندة العدالة الاجتماعية ويُظهر أي ميل نحو تحقيق هذه العدالة هي فكرة مضحكة تجافي العقل والمنطق.
ولكن هذه المؤسسات، وغيرها من المؤسسات في العالم الإسلامي، تود أن تكمل المشوار من حيث أخفقت البنوك الإسلامية الأولى، لكي تستفيد من السوق الواعدة للمسلمين الأتقياء، الذين يسبح بعضهم في أموال العائدات النفطية. فما العمل في هذه الحالة؟ كيف نقتحم هذا الأخدود، الذي يفصل بين أولئك الذين يريدون التمويل الإسلامي، وأولئك الذين يريدون تقديمه، ولكن ليس من خلال روح الشرع؟
هنا يأتي دور "النص" في التمويل الإسلامي. لنأخذ مثالاً محدداً له علاقة قوية بالوضع الحاضر. إذا كانت السندات ذات الدخل الثابت حراماً، ولكن الاستثمار في الأسهم حلال، فما الذي يضير المستثمر في هذه الحالة لو أنه اشترى أداة مالية تتألف من أسهم شركة معينة (دون أن يكون له حق التصويت) بحيث تقوم على اقتسام الربح بينه وبين المشروع، وحيث يعطَى أي ربح يزيد على 6 في المائة إلى المشروع باعتباره "مكافأة"؟ إلى جانب ذلك، ماذا لو أنه يتم التعويض عن أي عائد يقل عن 6 في المائة عن طريق "قروض دون فوائد" يعطيها المشروع للمستثمر، حيث إنها تُسدَّد فقط من خلال الأرباح اللاحقة التي تتجاوز خط 6 في المائة؟ أخيراً، ماذا لو أن المشروع استرد الأسهم مقابل الثمن المدفوع فيها أصلاً؟
لكن ليس من السهل تخليص التمويل الإسلامي من روحه. في الفترة الأخيرة أعلن الشيخ محمد تقي العثماني، وهو من كبار الفقهاء المختصين بالتمويل الإسلامي، أن بعض الجوانب في الصكوك تُجانب تعاليم الإسلام، خصوصاً مبدأ استرداد الأسهم بسعر التكلفة، وبقروض خالية من الفوائد لا يحق لصاحبها الرجوع على المقترض بأي شيء خلاف الضمان. لم يعترض الفقيه على موضوع البيع بحد ذاته، ولا على موضوع القروض الخالية من الفوائد بحد ذاتها، ولكنه أحس أن التمويل الإسلامي لا يجيز الجمع بينهما وتعديلهما على نحو يخالف بوضوح الشرط الأساسي في التمويل الإسلامي، وهو اقتسام الربح. بعبارة أخرى اعتبر الشيخ العثماني أن هذا الترتيب يخالف روح الشرع.
فبالنظر إلى الرغبة القوية لكثير من المسلمين لتحقيق التمويل الإسلامي روحاً ونصاً، وبالنظر إلى استعداد كثير من المؤسسات المالية لتقديم التمويل الإسلامي من حيث النص فقط، فإن الشد والجذب بين الجانبين لن يرجح له الاختفاء خلال فترة قريبة.

الأكثر قراءة