أساسيات تسعير الغاز الطبيعي واختلافها في العالم

أساسيات تسعير الغاز الطبيعي واختلافها في العالم

أساسيات تسعير الغاز الطبيعي واختلافها في العالم

يزداد الطلب على الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة بشكل كبير، ففي عام 2007م زاد الطلب الأمريكي على الغاز بنسبة 6.2 في المائة وزادت أسعار الغاز الطبيعي فيها استجابة للطلب العالمي بنسبة 29 في المائة مقارنة بالعام 2006م. ويبدو أن أسعار الغاز الطبيعي في أمريكا في تصاعد مستمر، حيث زاد معدل الأسعار في الربع الأول من عام 2008م عن معدل أسعار 2007م بنسبة 32 في المائة أيضا. وحذرت إحدى الصحف الإنجليزية الشهيرة من أن أسعار الغاز الحالية في إنجلترا عند مستويات قياسية وتاريخية، وأنها ستزداد في الشتاء المقبل بنحو 25 في المائة.
لكن ما أهم العوامل التي تتحكم في أسعار الغاز الطبيعي؟ يوجد طريقتان تتم بموجبها عقود الغاز الطبيعي: عقود قصيرة الأجل وعقود طويلة الأجل. وهناك ثلاثة عوامل تحدد أسعار عقود الغاز قصيرة الأجل، وهي: الطقس، معدلات المخزون من الغاز، وقوة وضعف الاقتصاد. وعلى سبيل المثال إذا كان الشتاء الأمريكي معتدلاً تتوقع وكالة الطاقة الأمريكية زيادة سعر الغاز الطبيعي بنحو 5 في المائة، ولكن الزيادة قد تتعدى 10 في المائة إذا كان الشتاء الأمريكي قارساً وشديد البرودة. أما العقود طويلة الأجل فيحددها وضع الاقتصادين العالمي والإقليمي وحركتهما وكميات العرض والطلب وأسعار النفط العالمية.
في منتصف نيسان (أبريل) 2008م، تعدى سعر الخام الأمريكي 116 دولارا للبرميل، وأما سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي فسجل نحو عشرة دولارات. وباعتبار أن العلاقة الأكثر تطبيقاً بين سعر النفط بالنسبة إلى سعر الغاز الطبيعي هي تقسيم سعر البرميل بالدولار على ستة، نجد أن سعر المليون وحدة حرارية يجب أن يقارب 19 دولارا لكل مليون وحدة حرارية، غير أنه يتداول الآن عند مستوى عشرة دولارات كما هو مبين في الشكل البياني.
من الواضح أن أسعار الغاز الطبيعي لم تحظ بالارتفاعات الماراثونية نفسها التي سجلها النفط رغم تلازم مسارات الأسعار في معظم الأحيان، ولكن مع زيادة الطلب العالمي على الغاز الطبيعي وزيادة التشريعات البيئية العالمية صرامة بخصوص انبعاثات الكربون والكبريت فإن كل الدلائل تشير إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي في كثير من مناطق العالم، وعلى الأخص الولايات المتحدة وأوروبا ودول آسيا المحيط الهادي، حيث الطلب العالي والمتصاعد على الغاز الطبيعي.
تقدم معظم الدول والحكومات في الشرق الأوسط وإفريقيا ودول وسط آسيا الدعم لأسعار الغاز الطبيعي، وبالتالي تبقى الأسعار ثابتة ولا تتغير بصورة كبيرة ولا تتأثر بالإنتاج وبتباطؤ الاقتصاد العالمي أو بأسعار النفط العالمية وتدخل الدول العربية في منظومة هذه الدول. أما الدول الصناعية الكبرى، مثل الولايات المتحدة، اليابان، كوريا الجنوبية، ودول الاتحاد الأوروبي، فيتحكم العرض والطلب وأسعار النفط والتشريعات البيئية وتتطور الطاقة البديلة ومدى استخداماتها في تسعير الغاز الطبيعي.
إذاً يمكن القول إن هنالك ثلاث أسواق عالمية رئيسة يتداول فيها الغاز الطبيعي، وهى سوق دول آسيا المحيط الهادي، حيث الطلب العالي على الغاز الطبيعي المسال لكل من اليابان، كوريا الجنوبية، والصين حديثاً والأسواق الأوروبية وأسواق أمريكا الشمالية، ويشكل الغاز الطبيعي المسال جزءا بسيط من إجمالي المتاجرة بالغاز الطبيعي.
الغريب في موضوع الغاز أن الأسواق العالمية الرئيسة شهدت أسعاراً مغايرة في الشتاء الماضي، فعلى سبيل المثال دفعت اليابان 19 دولارا لكل مليون وحدة حرارية في شباط (فبراير) لشحنة غاز طبيعي مسال (كثير من الدول لم تكن لترغب في دفع مبلغ مماثل، ما جعل الكثير من شحنات الغاز المسال تتجه إلى دول آسيا المحيط الهادي)، بينما وصلت أسعار الغاز الطبيعي في بورصة هنري هوب في الولايات المتحدة نحو ثمانية دولارات، وأما في أوروبا فراوحت ما بين عشرة دولارات في ألمانيا و11.34 دولار في إيطاليا للفترة الزمنية نفسها.
يبدو واضحاً أنه لا يوجد تنسيق بين أسواق الغاز وكل دولة تدفع بحسب حاجتها الآنية وبحسب العروض. كل هذا الاختلاف في أسعار الغاز قد أوعز لأحد كبار منتجي الغاز في العالم بالدعوة لتأسيس منظمة على غرار منظمة "أوبك" تضم كبار مصدري الغاز الطبيعي في العالم ويكون أحد أهم أهدافها تنسيق الإنتاج بحيث يتماشى مع الطلب العالمي والتأكد من وحدة ومقاربة أسعار تصدير وبيع الغاز الطبيعي في العالم وربطه بأسعار النفط العالمية.
يشهد العالم زيادة ملحوظة في الطلب على الغاز الطبيعي في الوقت الذي بدأت تكاليف إنتاج الغاز الطبيعي التحليق عالياً مثلها مثل باقي الصناعات، حتى إن بعض التقارير الأمريكية أوردت أنه يجب أن يصل سعر المليون وحدة حرارية إلى سبعة دولارات على أقل تقدير حتى يتصبح تكلفة حفر آبار الغاز وإنتاجه مجدية في الولايات المتحدة.
وتوقع بعض المختصين أن تصل تكلفة إنتاج المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي نحو خمسة دولارات في الإمارات بسبب الارتفاعات الكبيرة في أسعار النفط وارتفاع إيجار أو أسعار الحفارات بشكل عام.
ومن اللافت للنظر أن أسعار إيجار الحفارات قد تضاعفت في الفترة من 2004 إلى 2007، أضف إلى ذلك الارتفاعات الهائلة بأسعار الفولاذ والمعادن والمواد الإنشائية الأخرى. وتقوم الإمارات بدعم أسعار الغاز الطبيعي عند 1.5 دولار لكل مليون وحدة، في وقت زاد فيه الطلب على الطاقة والكهرباء بمعدلات كبيرة استوجب استهلاك كميات أكبر من الغاز الطبيعي الذي يتم استيراد بعضه من قطر، وهناك محاولات جادة لاستيراده من إيران قريباً بعد الاتفاق على السعر. وكدليل على الحاجة الكبيرة للطاقة قامت بعض شركات الأسمنت الإماراتية في الفترة الأخيرة باستيراد الفحم الحجري لتوليد الطاقة اللازمة لمعاملهم.
في الختام يجب النظر إلى الغاز الطبيعي على أنه سلعة استراتيجية في غاية الأهمية وعلى دول الخليج مراجعة سياساتها القديمة بخصوص سياسات تسعير الغاز الطبيعي التي وضعت قبل نحو 30 سنة لتحفيز الصناعات المعتمدة على الغاز الطبيعي بدلاً من حرقه.
ويجب ملاحظة أن معدل أسعار الغاز الطبيعي في العالم قد قفزت من دولارين لكل مليون وحدة حرارية إلى عشرة دولارات خلال عشر سنوات. وارتفعت أسعار النفط بنحو 11 مرة ليصل إلى حدود 120 دولارا في الفترة الزمنية نفسها.
من مصلحة الاقتصاد الخليجي الانسجام مع المتغيرات الكبيرة في أسعار الطاقة العالمية والتماشي معها مع إبقاء أي ميزة تكون معقولة ومقبولة للمواطنين. ولا شك أن دعم أسعار الكهرباء والتي تعود بالنفع المباشر على المواطن وتسهم في راحته ورفاهيته هي أعمال نبيلة تقوم بها الحكومات الخليجية، لكن أسعار الغاز الطبيعي المستخدم في الصناعات التي تصدر منتجاتها للخارج ولا يستفيد منها المواطن مباشرة بحاجة إلى مراجعة. لذلك فإن القيام بدراسة علمية لتحديد الأسعار الجديدة للغاز الطبيعي المستخدم في الصناعات المختلفة (غير توليد الطاقة للمواطنين) يبقى مطلباً ملحاً لهذه الدول، خاصة أن صناعاتها المعتمدة على الغاز الطبيعي قد وصلت إلى مرحلة الرشد ولا تحتاج إلى الكثير من المساعدة والدعم.

* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات

الأكثر قراءة