مكة: "حوش بكر" سوق عشوائية تعج بالمخالفات والمسروقات تديرها عمالة مخالفة

شكل النسيج العمراني المعقد والمتشابك في مكة رقما قياسيا بعد أن سجلت نسبة العشوائيات ما يقارب نحو 73 في المائة من مساحة أم القرى، وقد نتج عن هذا التشابك أحياء باتت بؤرا للفساد أصبحت ملاذا آمنا للمتخلفين ومحاضن للجريمة خضعت للعديد من الدراسات الاجتماعية والطبوغرافية بل وما زالت محل اهتمام الكثيرين.
ورغم الرقابة الأمنية التي تخضع لها تلك الأحياء والمداهمات المفاجئة التي تقوم بها الجهات الأمنية من حين إلى آخر فإن معدلات الجريمة وشيوعها داخل هذه الأحياء في تنام مستمر نتيجة زيادة عدد سكانها من المتخلفين أو المشبوهين، ولعل حوش بكر في شارع المنصور في مكة المكرمة أبرز البؤر الإجرامية وأصبح موقعا آمنا يتخذه المقيمون بطرق غير شرعية أو مخالفو أنظمة الإقامة حيث يقع داخل أحياء متشابكة وبيوت قديمة ومتلاصقة مع بعضها البعض يحتضن أبرز الأسواق العشوائية والذي يعج بالمسروقات يدار بعمالة مخالفة من ذوي البشرة السوداء القادمين من القارة الإفريقية وخاصة من نيجيريا والكاميرون والنيجر والصومال والسنغال وغيرها من الدول، حيث أقام هؤلاء القادمون للحج أو العمرة واستوطنوا هذه المناطق سكناً دائماً لهم حتى عندما يتم القبض عليهم فإنهم يفارقون هذه الأحياء لفترة مؤقتة ثم يعودون إليها حيث تكثر بها الجاليات الإفريقية التي لا يوجد أي إحصائيات دقيقة لعددها ولكنها تقترب من المليون نسمة حيث تشكل هذه الجالية 95 في المائة من السكان.
ويعاني السكان في هذه المنطقة البطالة والفقر والحرمان من التعليم والصحة وخاصة المقيمين بشكل غير نظامي وهناك بعض المدارس الخيرية التي يدعمها بعض الخيّرين وتشرف عليها وزارة التربية والتعليم. وتكثر في أحياء هذه المنطقة الجرائم الجنائية بكل أنواعها بدءا من السرقات التي طالت حتى أغطية خزانات المياه مرورا بعمليات السطو على المنازل وخطف حقائب النساء من خلال الدراجات النارية وتكسير زجاج السيارات وسرقة ما بها والسطو على المحال التجارية وبيع العرق المسكر والمخدرات والمواد الغذائية الفاسدة ومنتهية الصلاحية وغير ذلك من الجرائم ونجحت الأجهزة الأمنية في العاصمة المقدسة في الإطاحة بعدد من العصابات المشكلة من عدد من الوافدين الذين اعترفوا بعدد من الجرائم وصدقت اعترافاتهم شرعا وأودعوا السجن ورغم ذلك مازالت عمليات السرقات والسطو مستمرة وتشن الجهات الأمنية من خلال جولات مفاجئة حملات على تلك الأحياء للقبض على المتخلفين وترحيلهم.
"الاقتصادية2" تجولت في شارع المنصور أحد أبرز الأحياء العشوائية التي أصحبت مأوى للمخالفين بعد أن شرعوا في إقامة مساكن عشوائية تفتقد إلى أبسط الخدمات وتعتبر وكراً للجريمة والأمراض الوبائية كما رصدت المخالفات في حوش بكر السوق الرسمية لهذه الجاليات.

حوش بكر سوق عشوائية تعج بالمسروقات

اتخذت هذه الجاليات من أحد الأحواش سوقا كبيرة جميع الباعة والمشترين فيها من الرجال والنساء من الجنسية الإفريقية يباع فيها جميع الأشياء من قطع الأجهزة الكهربائية والاتصالات والأثاث المنزلي إضافة إلى المواد الغذائية والأدوية وخاصة المنشطة جنسياً على حد زعمهم.
وعند السؤال عن هذا الموقع عرفنا أنه يطلق عليه (حوش بكر) وقد أسهم موقعه بين مجموعة كبيرة من المساكن الشعبية التي تتسم بكثرة شوارعها الفرعية الضيقة في انتشار الجريمة وإمكانية التخفي عن أعين الرقابة ورجال الأمن، كما أن المنازل المفتوحة على بعضها البعض أسهمت في إعطاء المجرمين فرصة الهرب عند وصول أخبار عن اعتزام الجهات الأمنية القيام بحملات أمنية على هذه السوق وهي معروفة بين جميع سكان حي شارع المنصور لبيع جميع الأشياء التي تسرق من الأحياء المجاورة ويتم بيعها في هذه السوق حيث إن البيع فيها يتم بدون أي مستندات وإنما اشتر ما تراه أمامك وادفع نقداً واذهب إلى حال سبيلك ومما يجلب المشترين إلى هذه السوق الأسعار المنخفضة للأشياء التي تباع فيها إضافة إلى التخفيضات الهائلة التي يقدمها البائع على معروضاته المسروقة وذلك لضمان بيعها بأسرع وقت ممكن حتى يتم الحصول على غيرها من بضائع سواء بشرائها ممن يقومون بسرقتها أو من خلال القيام بهذه العملية بطريقة مباشرة ومما يلفت الانتباه في هذه السوق انتشار بيع أجهزة الجوال نظراً لسهولة سرقتها من أصحابها وغلاء ثمنها وصغر حجمها إضافة إلى أجهزة التلفاز والمسجلات فهي تباع بأبخس الأثمان.

عمالة مهمتها الإنذار في حالة مداهمة رجال الأمن

وضعت العمالة المخالفة عمالة من بني جلدتها مهمتها فقط مراقبة السوق من الخارج وبالقرب من مداخل الحي تقوم بعمل صفارات إنذار للمتسوقين وكذلك البائعين بوجود حملة أمنية تستهدف السوق وفي لحظات تشاهد مجموعة كبيرة من المتخلفين الأفارقة يطلقون سيقانهم للريح عند اقتراب سيارة رجال الأمن من الموقع وبعد مغادرة رجال الأمن يبدأ الموقع يضج مرة أخرى بالمتخلفين الذين يقفون خلف بسطات السلع "المشبوهة" حيث تم اكتشاف حالات كثيرة لسلع مسروقة في هذا الحراج ليبدأ السوق يواصل إيقاعه رغم الحملات المتواصلة لضبط المتخلفين في مساراته.
يقول المواطن خالد البرناوي إنه من سكان الحي القريب من حوش بكر نحن نعاني كثرة المتسوقين في هذا الحوش، ويضيف كما قمنا بإبلاغ الشرطة والجوازات بوجود هذا الكم الهائل من المتخلفين والمقيمين بطرق غير شرعية وقام رجال الأمن بجولات تفتيشية إلا أن نتائجها لم تأت بما هو مأمول منها في القضاء على هؤلاء المتخلفين وطرح معاناة أهالي الحي من وجود هذه السوق وما تسببه لهم من ازدحام شديد للسيارات من كثرة قاصديها حيث إن بعض المتخلفين من الحج والعمرة قام ببناء المساكن الصغيرة من الزنك والحديد في سفح الجبل واستخدامها كدكاكين ومحال يبيعون فيها الكثير من المواد الغذائية من خضراوات وفواكه، إضافة إلى ما يسمى القورو وهو من الأشياء الممنوع بيعها.
وطالب برناوي أن يكون هناك تعاون وتنسيق بين جميع الجهات الحكومية من شرطة وجوازات وأمانة العاصمة المقدسة من أجل القضاء على هذه الظواهر السلبية وتكثيف الحملات الأمنية المفاجئة وخاصة خلال مواسم الحج والعمرة، حيث إنه يلاحظ انتشار كبير لهؤلاء الوافدين الذين شكلوا سوقا عشوائية لبيع المسروقات والممنوعات.

دور شرطة العاصمة المقدسة في القضاء على المخالفات

تقوم شرطة العاصمة المقدسة بعمليات دهم على هذه الأحياء العشوائية وتخضع بين الحين والآخر إلى الرقابة الأمنية والجولات التفتيشية والمداهمات المفاجئة إلا أن الأعداد الكبيرة لهؤلاء المتخلفين تزيد من تنامي هذه الظاهرة.
وأكد مصدر أمني في شرطة العاصمة المقدسة أنه تم القيام بعمليات عديدة لتلك المواقع وخصوصا حوش بكر وتم ضبط عدد كبير من المتخلفين والمخالفين وتم التعامل معهم وفق الإجراءات المتبعة في هذه الحالة فيما تمت مصادرة العديد من البضائع المعروضة للبيع عن طريق أمانة العاصمة لكن الحل الجذري يكمن في التخلص من العشوائيات هناك في سبيل لتفشي الجرائم وتسهل هروب المخالفين فالطبيعة العشوائية في تلك الأحياء تحد من إمكانية ملاحقة بعض الهاربين رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها رجال الأمن.

دراسة: 80 حيا عشوائيا خارج عن السيطرة

انتقدت دراسة أجريت عن واقع العشوائيات في مكة المكرمة والأنظمة العمرانية المتعلقة بعمارة وتخطيط مكة المكرمة ووصفتها بالقديمة التي لا تعالج سوى مساحة محدودة من مشكلات العاصمة المقدسة ودعت إلى ضرورة العمل للتخلص من هذه العشوائيات.
وحددت الدراسة التي أعدها المهندس محمد عبد الله آل زيد (ماجستير هندسة مدنية) أسباب انتشار العشوائيات التي وصلت إلى أكثر من 80 حيا عشوائيا وفي مقدمتها عدم وضع وسائل لتنفيذ دراسات سابقة تعنى بمكة المكرمة. وبينت الدراسة أن محاور النمو في العاصمة المقدسة خارجة عن السيطرة لعدم وجود قانون تشريعي لها فالنطاق العمراني الموجود محدود المساحات، كما أن من أهم الأمور غياب النظرية التخطيطية التي تتحرك في ضوابطها التنمية العمرانية حيث يلاحظ وجود عشوائية في اتخاذ القرارات واتباع سياسة الفعل ورد الفعل وبالتالي أدى ذلك إلى فقدان السيطرة على العمران في المدينة وتفشت العشوائيات.
وأكدت الدراسة أن الملاحظ على مكة المكرمة وجود نسيج عمراني معقد ومتشابك يشكل ما نسبته 73 في المائة من مساحة أم القرى وقد نتج عنه سوء البيئة العمرانية نتيجة الفراغات البينية وتداخل استعمالات الأراضي ونتج عن ذلك زيادة التعدي على الأراضي المملوكة للدولة وبعشوائية حيث تبلغ نسبة العشوائيات في مكة 70 في المائة من المساحة ودعت الدراسة إلى ضرورة فصل العمليات التخطيطية داخل العاصمة المقدسة التي تسيطر عليها في الوقت الحالي أربع جهات هي الهيئة العليا لتطوير منطقة مكة المكرمة، وهيئة تطوير المشاعر المقدسة فيما يتعلق بالمنطقة المركزية والعملية التخطيطية للمشاعر المقدسة التي تنفذها وزارة البلديات، وباقي أحياء مكة المكرمة وتتولى التخطيط لها الأمانة أما الجهة الرابعة فهي الشركات الخدمية (المياه والكهرباء والاتصالات والمواصلات وغيرها) وهو الأمر الذي أدى إلى اختلاف النظرية التخطيطية لمكة المكرمة لقيام أكثر من جهة بهذا الدور دون رابط وهذا أدى إلى ضياع الهوية البصرية للمدينة نتيجة لعدم وجود نظرية تخطيطية لها وانفصال العمليات التخطيطية داخل المدينة الواحدة وهو نوع من العشوائية الإدارية.
ودعت الدراسة إلى ضرورة تقسيم المدينة تخطيطيا طبقا للحالة العمرانية إلى مناطق متدهورة عمرانيا على المحاور الرئيسية للمدينة ومناطق بؤر العشوائيات داخل الأحياء السكنية، وأوصت الدراسة بضرورة حصر مناطق العشوائيات في مكانها ونطاقها وهذا سيسهل البدء في معالجتها.

5جهات حكومية لدراسة المشاكل الأمنية للجاليات الإفريقية

وفي خطوة تهدف لوضع حلول عاجلة كلفت وزارة الداخلية خمس جهات أمنية لوضع حلول عاجلة وسريعة للمشكلات الأمنية المتزايدة من الجاليات الإفريقية خاصة المتخلفة منها في العاصمة المقدسة بعد أن سجلت الجهات الأمنية ارتفاع في الجرائم من قبل هذه الجاليات وشرع فريق البحث أخيرا في جولات ميدانية على بعض الأحياء التي تكتظ بالجاليات الإفريقية وسوف ترصد اللجنة الأمنية المشكلات التي تعرض لها المواطنون من قبل الجاليات الإفريقية وأبرز الجرائم التي يقومون بها، وسترفع اللجنة تقرير عن الوضع الحالي لتلك الجاليات وستصدر توصيات للجهات المعنية لحل مشكلة تخلف الجاليات الإفريقية وكانت أقسام الشرط في العاصمة المقدسة سجلت شكاوي عدد من المواطنين ضد هؤلاء الوافدين مجهولي الهوية من أبناء الجالية الإفريقية.