انطلاقة التنمية الشاملة في منطقة مكة المكرمة

[email protected]

يأتي تدشين خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبدالعزيز ـ يحفظه الله ـ في جدة يوم السبت الموافق 11 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، لمشروع تطوير منطقة قصر خزام ضمن مجموعة مشاريع تنموية تشهدها منطقة مكة المكرمة، بمثابة صافرة قوية لانطلاقة سلسة من المشاريع التنموية العملاقة الشاملة والمستدامة في المنطقة، التي اشتملت عليها استراتيجية تطوير منطقة مكة المكرمة.
تجدر الإشارة إلى أن مشروع تنمية مكة المكرمة وتطويرها، ينطلق من ثلاث مرجعيات أساسية وهي: نظام المناطق، والخطط الخمسية التنموية للدولة، والمخطط الإقليمي التنموي للمنطقة.
الاستناد إلى تلك المرجعيات التنموية الثلاث في تطوير منطقة مكة المكرمة، تطلب وضع استراتيجية عمل وآليات تنفيذ، تعمل على تحقيق الأهداف التنموية المختلفة للمنطقة، من خلال تحديد عدد من المرتكزات التنموية المهمة لتلك الاستراتيجية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر: (1) الكعبة المشرفة، التي اعتبرت هي الأساس والمنطلق الرئيسي لمشروع تنمية مكة المكرمة. (2) الارتقاء بتنمية إنسان المنطقة ليبلغ مستوى الوصف بالقوي الأمين، بحيث يتحقق على يديه النهوض بمستوى خدمات ضيوف الرحمن وتيسير حركتهم وإقامتهم. (3) أن تكون مكة المكرمة نموذجاً مشرفاً وملهماً للمملكة العربية السعودية بشكل خاص وللعالم الإسلامي بشكل عام، ثم للعالم أجمع. (4) تحقيق التنمية المستدامة المتوازية بين الإنسان والمكان من جهة، وبين جميع المحافظات والمدن والقرى من جهة أخرى. (5) المشاركة الفاعلة والجادة بين القطاعين العام والخاص، ولاسيما أن نجاح مشروع التطوير المذكور، يعتمد بشكل كبير على تعميق أساسيات التعاون والعمل المشترك بروح الفريق الواحد بين القطاعين، بما يخدم تحقيق الأهداف التنموية المنشودة للمنطقة. (6) العمل على مواكبة المرحلة الانتقالية من العالم الثالث إلى العالم الأول، التي تمر بها المملكة العربية السعودية في شتى مجالات الحياة، التنموية، والاقتصادية، والعلمية، والعمرانية، والذي بدوره يقتضي تأصيل مبادئ وأساسيات الثقافة الإسلامية، التي قام عليها كيان المملكة العظيم، بحيث يتحقق عن ذلك المواءمة بين الأصالة والتحديث.
بناء على تلك الأسس التنموية المتينة والصلبة والقوية، وضعت استراتيجية تنمية المنطقة وتطويرها، وفق أربعة محاور تنموية مهمة وهي: (أ) محور الإنسان، ليشمل ذلك، (1) رفع كفاءة التعليم والتدريب ومخرجاته. (2) رفع مستوى أداء العاملين في الحج والعمرة. (3) بناء مفاهيم واتجاهات إيجابية لدى إنسان المنطقة، وتنمية قدراته الاجتماعية. (4) توفير الخدمات الثقافية والاجتماعية والترفيهية والرياضية لأبناء المنطقة. (5) إعداد شباب المنطقة من الجنسين، وتأهيلهم لتحمل المسؤولية، بما يمكن المؤهلين منهم لقيادة القطاعين الحكومي والخاص في المنطقة.
(ب) محور المكان، ليشمل ذلك، (1) توفير مصادر كافية ونقية من المياه، ومعالجة تسربها وهدرها، وإيصالها للمستهلك بيسر وسهولة. (2) تطوير منظومة متكاملة للبنية التحتية. (3) العمل على رفع كفاءة الخدمات الصحية في المنطقة كما وكيفاً ونوعاً. (4) تطوير مرافق النقل العام والمواصلات. (5) معالجة الأحياء العشوائية، وتحويلها إلى أحياء نموذجية، التي لعل من بين أبرزها وأهمها مشروع تطوير منطقة قصر خزام سالف الذكر وعدد من المشاريع الأخرى. (6) العمل على حماية وتوثيق وتطوير الأراضي العامة للدولة، والاستفادة منها. (ج) محور القطاع الحكومي، ليشمل ذلك، (1) تفعيل دور المجالس المحلية ومجلس المنطقة التنموي، بالشكل الذي يمكنهما من القيام بالمسؤوليات التنموية الملقاة على عاتقيهما على الوجه المطلوب. (2) الارتقاء بالأداء الحكومي. (3) وضع خريطة تكاملية تنسيقية لأدوار المحافظات في الأنشطة الاقتصادية. (د) محور القطاع الخاص، ليشمل ذلك، (1) العمل على نشر وتفعيل ثقافة المسؤولية الاجتماعية لدى أفراد المنطقة، ومؤسسات القطاع الخاص. (2) تفعيل دور القطاع الخاص في تنمية قطاع التعليم والتدريب. (3) التأكيد على مشاركة القطاع الخاص في مشاريع المنطقة التنموية، بنسبة لا تقل ن 40 %. (4) التحفيز على إنشاء المشاريع المتوسطة والصغيرة وتطويرها. (5) العمل على تحسين المناخ الاستثماري لمنطقة مكة المكرمة، بحيث تكون هي الخيار الأمثل والأفضل للاستثمار.
من بين أبرز العوامل الأساسية المساعدة على نجاح استراتيجية تطوير وتنمية منطقة مكة المكرمة، المخطط الإقليمي للمنطقة، الذي تم إعداده في وقت سابق من قبل الهيئة العليا لتطوير المنطقة برئاسة سمو الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز ـ يرحمه الله - وتم اعتماده لاحقاً، والذي يهدف إلى تحقيق السياسة العامة للدولة، التي تستهدف تطوير وتنمية مناطق المملكة، بطريقة متوازنة ومستدامة، لتشمل جميع المحافظات والمراكز والقرى، بأسلوب مدروس، يكفل توفير المرافق والخدمات الضرورية للمواطن والمقيم على حد سواء، وذلك عن طريق العمل على سد العجز في مرافق الخدمات الحالية، ومن ثم توفير الاحتياجات المستقبلية وفقاً للنمو السكاني، هذا وقد عكست الخطة العشرية للتطوير المنطقة للفترة 1430 وحتى 1440 هـ، الاحتياجات الفعلية للمنطقة من الخدمات والمرافق، بما في ذلك المتطلبات المستقبلية اللازمة لنمو السكان، والتكاليف التقديرية لتنفيذ المشاريع، بما في ذلك تحديد المعايير والأدوات الخاصة بقياس أداء ارتقاء المنطقة، وفق مستويات جودة معينة وأولويات برامج تنفيذ محددة، بمفهوم التنمية الشاملة المتوازنة.
الجدير بالذكر أن الاستراتيجية المذكورة، قد دخلت حيز التنفيذ بتبني تطبيق عدد من المبادرات السريعة المردود، التي سيتم تنفيذها خلال مدة زمنية لا تتجاوز الـ 18 شهراً، بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص مع القطاع العام، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، توفير المياه وإيقاف هدرها، وتحسين الأحياء العشوائية، من خلال دراسة وتحسين أحوال الأفراد والأسر، صحياً واجتماعياً واقتصادياً، وكذلك تحسين أداء القطاع العام، وتأمين إدارة متخصصة لمتابعة تنفيذ معطيات وفرضيات الاستراتيجية وصيانتها، علماً بأن هنالك العديد من المشاريع، التي قد تم تنفيذها على مختلف المستويات والأصعدة، التنموية، والاجتماعية، والاقتصادية، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، تخصيص أرض في مكة المكرمة لإقامة مجمع حكومي للإدارات العامة في المنطقة، تنمية مشاركة المؤسسات المالية وقطاعات الأعمال، في برامج المسؤولية الاجتماعية، بما في ذلك دعم المشاريع التنموية، وتأسيس عدد من الجمعيات، مثال جمعية أصدقاء النظام ـ وجمعية مكافحة العنف الأسري ـ وجمعية أصدقاء مرضى نقص المناعة ـ وجمعية رعاية الأسرة.
خلاصة القول، إن الاستراتيجية التنموية الطموحة المعتمدة لتطوير منطقة مكة المكرمة، تعد من بين أبرز الخطط والاستراتيجيات التنموية الخاصة بتطوير المناطق، التي أعدت على المستوى المحلي، ولاسيما حين النظر إلى الفكر الاستراتيجي، الذي بنيت عليه أساسياتها ومرتكزاتها ومرجعياتها التنموية، التي تستهدف جميعها، استحداث بيئة عمرانية عصرية متطورة، تمازج بين الموروث والحضارة المعاصرة، وفق معايير دولية، تراعي خصوصية المنطقة وتوازن بين الاحتياجات والمتطلبات التنموية الحالية والمستقبلية لأبناء المنطقة.
رغم متانة وقوة المرتكزات التنموية، التي بنيت عليها الاستراتيجية، إلا أن البعض من المتابعين والمراقبين لها، يساورهم شيء من التوجس والتخوف حول القدرة على تنفيذ أهدافها وفقما هو مخطط ومرسوم له مسبقاً، ولاسيما حين النظر إلى ضخامة حجم المشروعات من جهة وصعوبة التعامل مع بعضها مثال معالجة الأحياء العشوائية المنتشرة في المنطقة، هذا بالإضافة إلى ضعف البنية التحتية والفوقية بعدد من الأماكن المستهدف تطويرها، كما أن البعض لديه شيء من التوجس حول قدرة المعنيين بالتنفيذ، على التغلب على ما قد يحدثه ذلك التغيير والتطوير للمنطقة من صدمة أو هزة حضارية culture Shock عنيفة بين الوضع الحالي والوضع التنموي المستهدف، ولاسيما أن الاستراتيجية، تستهدف إحداث نقلة حضارية نوعية غير مسبوقة، تعمل على نقل المنطقة من العالم الثالث إلى العالم الأول.
برأيي أن الرؤية التنموية الثاقبة للاستراتيجية، ووضوح أهدافها، والمنافع والفوائد التنموية العديدة، التي سيجنيها أبناء المنطقة ـ بإذن الله تعالى ـ من وراء التطبيق، هذا بالإضافة إلى إصرار أفراد فريق العمل المعنيين بالتنفيذ بقيادة صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبد العزيز أمير المنطقة، وكذلك إصرار سموه بالتحديد على التغلب على ثقافة الإحباط، والاستعاضة عنها بثقافة البناء والارتقاء بأداء المنطقة، ستعمل جميع هذه العوامل مجتمعة ـ بإذن الله تعالى ـ على نجاح الاستراتيجية في تحقيقها أهدافها التنموية المنشودة، بحيث تنعم بعد ذلك المنطقة وأبناؤها بنهاية المطاف بحياة تنموية آمنة ومستقرة، تمازج وكما أسلفت بين الموروث والحضارة المعاصرة ببيئة ومستوى معيشي وحضاري مرتفع، يرقى إلى تطلعات وطموحات القيادة في بلادنا العظيمة، والله من وراء القصد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي