الصكوك .. قطار يبحث عن سكة ومسار!!

الصكوك .. قطار يبحث عن سكة ومسار!!

الصكوك .. قطار يبحث عن سكة ومسار!!

[email protected]

هل سبق وأن رأيت قطاراً يشق الفيافي والقفار دون سِكة ومسار؟! هل سمعت أذناك يوماً عن صرح عال، أو بِناء يأخذ بالألباب شُيِّد دون خُطة ودليل؟!
لكأني بك أيها القارئ الكريم تقول بملء فيك: لا.. وأنا أردد صدى صوتك وأقول: لا.. وأنَّى يكون ذلك؟!!
فإذا لم يكنْ لقطارٍ أن يسير دون سِكةٍ، ولا لبناء شاهق أن يُشَيَّد دون خُطَّة... فكيف بالصكوك، وهي الأداة المالية التي ملأت الدنيا شرقَها وغربَها، وجُمِعت بها المليارات وألوفُها.. كيف لركب الصكوك أن يسير، أو لبنائه أن يعلو دون قانون ونظام؟!!
إن من أهم التحديات التي تقف حجر عثرة أمام تطور الصكوك وانتشارها توفير البيئة التشريعية والتنظيمية المهيِّئة لإصدارها وتداوِلها.
وفي المقابل فإنك تجد في الدُّوَل التي عُنِيت بسنِّ الأنظمة وتهيِئةِ البيئة القانونية المنظِّمة للتصكيك أثراً إيجابياً كبيراً في تعزيز إصدار هذه الورقة المالية المهمة فيها, وهو ما أدَّى تبعاً لذلك إلى تعزيز اقتصادها, ودعم أسواقها المالية.
ولَعل بعض القراء الكرام يتساءل عن أهم القضايا التي يمكن أن توضع "الحروف فيها للنقاط" من خلال إصدار اللوائح والأنظمة المتعلقة بالتصكيك؟ وما أهمية إصدار هذه القوانين والأنظمة؟ فأقول إن لذلك جوانب كثيرة، أبرزها:
البت في كثير من القضايا الجوهرية المتعلقة بالتصكيك وتوضيحها، والتي لا يمكن حلها إلا من خلال اعتماد هذه اللوائح والأنظمة، ومن أمثلة هذه القضايا المهمة:
محدودية مسؤولية حامل الصك. حيث إن للبت في هذه القضية أهمية كبيرة في الصكوك؛ لأن الصك يمثل حصة مشاعة في أعيان ومشاريع، فالحكم بمحدودية المسؤولية من الأهمية بمكان. ويكفي أن أخبرك بأن أحد مشاريع الصكوك العملاقة التي كانت تحت الإعداد والهيكلة قد كان أحد أسباب توقفها، أن المستشار القانوني قد بيَّن للأطراف ذات العلاقة بأن طرح هذا الإصدار مع عدم وجود مستند نظامي ينص على محدودية مسؤولية حامل الصك يُعدُّ مغامرة غير محسوبة النتائج.
قضايا الزكاة والضريبة، ويندرج تحت هذا العنوان مسائل عدة تختص بالصكوك لابد من لائحة تحسمها وتبينها.
تملك الأجانب للصكوك التي تمثل أعياناً مؤجرة، وخاصة لو كانت الأعيان المصككة في المدينتين المقدستين مكة والمدينة زادهما الله تشريفاً.
ما الجهات المؤهلة لإصدار الصكوك؟ الشركات المساهمة، الشركات ذات الغرض الخاص SPV، المؤسسات والمصالح الحكومية، الجمعيات الخيرية والأوقاف؟
وضع الضمانات الكافية لمنع التلاعب بأموال الناس باسم التصكيك؛ إذ إن ترك الحبل على الغارب لكل من أراد جمع أموال الناس باسم الصكوك؛ سواء أكانت مُصدرة في الداخل أو في الخارج من الخطورة بمكان، ومعالجة ذلك من خلال لائحة إصدار الصكوك وتداولها وتسويقها.
تحجيم جزء كبير من المخاطر القانونية المرتبطة بإصدار الصكوك في ظل عدم وجود أنظمة ولوائح منظمة لإصدار الصكوك التي يجب أن تنص عليها وتوضحها نشرات الإصدار. وأصدق دليل على ذلك أن تُراجع نشرة إصدار صكوك صادرة في بلد لا توجد فيه لوائح وأنظمة للتصكيك لترى حجم الصفحات التي اشتمل عليها بيان المخاطر القانونية في ذلك الإصدار!! بينما كان بالإمكان الاستغناء عن جزء كبير من تلك الصفحات لو أصدرت لوائح وأنظمة؛ وعليه فإن وجود الأنظمة والقوانين سيقلل المخاطر، وهو ما سينعكس إيجابياً على إمكانية تخفيض الربح الممنوح لحملة الصكوك، وهو ما يؤدي إلى زيادة مقدرة التمويل بالصكوك في منافسة التمويل بالأدوات التمويلية الأخرى، وهو ما يصب في المآل إلى مزيد من النجاح والتقدم في سوق التصكيك.
زيادة كفاءة وفاعلية البنوك وشركات الوساطة في التصكيك من حيث إمكانية تحديد المدد الزمنية الكافية للتصكيك عند التفاوض مع الشركات الراغبة في التمويل عبر الصكوك؛ إذ إن من أهم الأسئلة التي توجهها الشركات عندما يُعرَض عليهم التمويل بالصكوك: ما المدة الكافية لإصدار الصكوك؟ فلا تملك إلا أن تخفي عجزك عن الإجابة الدقيقة بالابتسامة أو إن أردت بالبكاء!! لأنك في ظل عدم وجود لوائح وأنظمة لا يمكن أن تعطي مدداً زمنية ولو مقاربة للواقع.
هذا وإن من أمثلة الأنظمة والقوانين والإجراءات المهم سنُّها لدعم عملية التصكيك:
اعتماد لائحة أو نظام طرح الصكوك الإسلامية, مثلها مثل اللوائح والأنظمة المتعلقة بترتيب طرح الأسهم والوساطة في إصدارها وتداولها.
اعتماد نظام تأسيس الشركات ذات الغرض الخاصSPV أو SPC.
اعتماد نظام حفظ الموجوداتTrust Law .
تيسير الإجراءات النظامية المتعلقة بطرح الصكوك وإدراجها في السوق، وإنشاء الشركات ذات الغرض الخاص، ووضع حدٍّ أعلى للمدد التي يستغرقها استخراج التصاريح والموافقات ذات العلاقة بالتصكيك.
إنه قد آن الأوان للجميع من جهات تنظيمية وإشرافية وتنفيذية ومتخصصين وباحثين، آن الأوان لنا جميعاً أن نشمر عن ساعد الجِدّ ونتعاون في سن الأنظمة واللوائح، وتهيئة البيئة التنظيمية والقانونية الملائمة للتصكيك وتداولها حتى نرى ثمرات ذلك اليانعة قريباً من فتح قنوات تمويلية كبيرة، واستحداث قنوات استثمارية فاعلة، وحتى نسهم في توطين الأموال، بل ونغري الأموال المهاجرة بالعودة إلى أعشاشها، بل واستقطاب الأموال الأجنبية للاستثمار الذي يعود بأثر إيجابي على بلادنا.
ليس هذا فحسب.. بل إن تفعيل الصكوك سيجعل سوقنا المالية تتنفس برئتين؛ رئة الأسهم ذات المخاطر العالية، ورئة السندات الإسلامية (الصكوك) ذات المخاطر المنخفضة.
إذا فعلنا ذلك وطرحنا الأنظمة واللوائح المنظمة للتصكيك – وأرجو أن يكون قريباً- فقد بنينا السِّكة ووضعنا المسار.. الذي سينطلق عليه القطار .. قطار الصكوك والازدهار..

الأكثر قراءة