التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال .. تكاليف الإنتاج ومقارنة بعوائد النفط
التجارة العالمية للغاز الطبيعي المسال .. تكاليف الإنتاج ومقارنة بعوائد النفط
راجت تجارة وصناعة LNG التي تنقل الغاز الطبيعي المسال من أماكن الإنتاج إلى أماكن الاستهلاك حسب الحاجة والطلب. بدأت هذه الصناعة في الظهور في بدايات القرن الماضي، إلا أنها بدأت تأخذ زخماً ومكانة في الأعوام القليلة الماضية، وكان لهذه التجارة الفضل في توزيع الغاز في جميع أنحاء العالم وأصبح عدم وجود ثروات غازية في بلد لا يعد عائق في الحصول على الغاز.
فعلى سبيل المثال تمتلك روسيا وإيران وقطر نحو 58.4 في المائة من احتياطات العالم المؤكدة من الغاز الطبيعي، ولكنهم يستهلكوا أقل من 19.5 في المائة من الاستهلاك العالمي، ما يساعد على وجود وسيلة لتصدير هذا الغاز إلى باقي أنحاء العالم وبأسعار تنافسية.
ويتوقع بنك Deutsche أن تصل قيمة الاستثمار في مجال الغاز الطبيعي المسال نحو 110 مليارات دولار في الفترة ما بين 2003م و2020م. أما وكالة معلومات الطاقة الأمريكية EIA فتوقعت أن يستثمر العالم نحو 252 بليون دولار ما بين 2001 و2030م.
ومن أهم العوامل المؤثرة في هذا الاستثمار والتي لا يمكن التنبؤ بها بشكل قاطع: تكلفة البنى التحتية لمشاريع LNG، وأسعار الغاز الطبيعي العالمية المستقبلية والتنافس مع مصادر الطاقة الأخرى سواء الأحفورية (كالنفط والفحم الحجري) أو الطاقة المتجددة كالطاقة النووية والوقود الحيوي، إضافة إلى العوامل والتشريعات البيئية العالمية.
ويتوقع أن تمضى الولايات المتحدة (أكبر مستهلك للطاقة في العالم) قدماً في الاعتماد على الغاز الطبيعي كمصدر رئيس للطاقة، رغم توقع نقص في الإنتاج الأمريكي للغاز الطبيعي في المستقبل، ويعتبر الغاز الطبيعي المسال المصدر الرئيس لتعويض أي نقص في الإنتاج أو الاستيراد الأمريكي للغاز الطبيعي الكندي عبر الأنابيب، ويزاد اهتمام الولايات المتحدة لاستيراد واستهلاك LNG سنة بعد سنة ويبدو أن مستقبل الغاز الطبيعي في الولايات المتحدة سيتركز باستيراد كميات أكبر من الغاز الطبيعي المسال، حتى قال الرئيس الأمريكي الحالي "إنني أؤيد وبقوة زيادة الطاقة الاستيعابية والاستهلاكية للغاز الطبيعي المسال". يشكل الغاز الطبيعي حالياً نحو 24 في المائة من مصادر الطاقة الأمريكية كمصدر ثاني لتوليد الطاقة بعد النفط الذي يشكل نحو 39 في المائة من مصادر الطاقة والفحم الحجري 23 في المائة.
ومن أهم مميزات الغاز الطبيعي المسال المرونة في بيعه وشرائه ولا يحتاج الأمر إلى عقود طويلة الأمد، بل على العكس تروج تجارة العقود الآنية spot market في العالم بشكل متصاعد. والأمر الوحيد المحدد لتصاعد هذه العقود هي الطلب والحاجة إلى الغاز، فعلى سبيل المثال تم استيراد نحو 25 في المائة من إجمالي واردات الولايات المتحدة من LNG في التسعينيات من القرن الماضي عن طريق العقود الآنية ووصلت هذه النسبة إلى 80 في المائة في 2003م، وعام 2004م وصلت إلى 70 في المائة.
أما في تجارة LNG العالمية فتشكل العقود الآنية من 15 إلى 20 في المائة من إجمالي تجارة LNG العالمية. تتركز تجارة LNG العالمية في منطقتين رسيتين هما منطقة المحيط الهادي والمحيط الأطلنطي. وتشمل تجارة الأطلنطي شحن الغاز الطبيعي المسال من شمال إفريقيا (أهمها الجزائر) وغرب إفريقيا (أهمها نيجيريا) والشرق الأوسط (أهمها قطر) إلى أوروبا والجانب الشرقي من الولايات المتحدة، وتشمل هذه المنطقة أيضا شحن الغاز الطبيعي المسال من تيرنداد إلى الولايات المتحدة.
وأما تجارة المحيط الهادي فتشمل نقل الغاز الطبيعي المسال من إندونيسيا وماليزيا إلى اليابان، كوريا الجنوبية، تايوان، والصين، وتشمل أيضا بعض الشحنات من بلدان الشرق الأوسط كقطر إلى شرق آسيا، وتعمل روسيا حالياً في بناء معامل تسييل الغاز الطبيعي في جزر سخالين شمال اليابان لشحنه عبر المحيط الهادي أيضا. ويشمل هذا الجزء أيضا شحن LNG من ألاسكا إلى اليابان وكذلك توصيل بعض شحنات LNG من بلدان آسيا المحيط الهادي إلى الجزء الغربي من الولايات المتحدة.
وتركزت معظم التجارة العالمية في منطقة آسيا المحيط الهادي، حيث احتلت ثلاث دول في هذه المنطقة (اليابان، كوريا الجنوبية وتايوان) أكثر من 67 في المائة من إجمالي تجارة الغاز الطبيعي المسال العالمية في 2003م. ويمكن القول بشكل عام إن أسعار تجارة المحيط الهادي أعلى قليلاً من أسعار منطقة الأطلنطي. ويعرض جدول (1) أهم الدول المنتجة LNG في العالم، وتمضي قطر قدماً في المزيد من إنتاج LNG وقد أخذت الريادة في إنتاج هذه المادة من كل من إندونيسيا وماليزيا. ووصل الإنتاج العالمي من LNG العام الماضي نحو 172 مليون طن.
ويمكن القول إن استهلاك الغاز الطبيعي وأسعاره العالمية تتأثر بعدة عوامل من أهمها الطقس وتقلباته، خاصة أن معظم الغاز الطبيعي في العالم يستخدم لتوليد الطاقة ولأغراض التدفئة. وكمثال على ذلك فإن كوريا الجنوبية، التي تستورد معظم الغاز على شكل غاز مسال LNG، تتفاوت فيها الكميات المستوردة من الغاز الطبيعي المسال ما بين أكثر أيام فصل الشتاء برودة وأكثر فترات فصل الصيف دفئاً إلى الضعف، أي أن كوريا تستورد في ذروة فصل الشتاء ضعف ما تستورده من الغاز الطبيعي المسال في ذروة فصل الصيف. ومن أكثر العوامل تأثيراً في استهلاك وأسعار الغاز الطبيعي هي كيفية نقل وتوصيل الغاز الطبيعي، حيث عادة ما ينقل بواسطة أنابيب من حقول الإنتاج إلى مراكز الاستهلاك.
يمر إنتاج LNG بخمس مراحل أساسية، وتسمى السلسلة القيمة لإنتاج LNG وهى تبدأ بمرحلة الاستكشاف والإنتاج من الآبار (وتشكل قيمة هذه المرحلة من 15 إلى 20 في المائة من إجمالي تكلفة LNG) ومن ثم ضخ الغاز عبر الأنابيب إلى محطات التسييل (المرحلة الثانية) حيث يتم تبريد الغاز إلى نحو -160 درجة مئوية عند الضغط الجوى، عند هذه الظروف يتكثف الغاز ويتحول إلى سائل ما يقلص حجم الغاز بنحو 600 مرة وتبلغ قيمة هذه المرحلة من 30 إلى 45 في المائة من إجمالي تكلفة LNG، وتعتبر هذه المرحلة عنق الزجاجة في إنتاج LNG. أما المرحلة الثالثة فهي تكمن في نقل وتوصيل LNG إلى مختلف أنحاء العالم وتبلغ قيمة هذه المرحلة من 10 إلى 30 في المائة، وقد تكون عملية النقل ضمن مشروع مستقل يتبع لجهة مستقلة عن مشروع إنتاج LNG. وتتضمن المرحلة الأخيرة إعادة LNG إلى غاز طبيعي غير مسال عبر إعادة درجة حرارة الغاز إلى الحرارة العادية المحيطة بنا بالتسخين إما عبر الهواء وإما عبر مياه البحار، وتكلف هذه المرحلة من 15 إلى 25 في المائة من إجمالي تكلفة إنتاج LNG.
والجدير بالذكر أن التطور الكبير في تقنية تصنيع وشحن LNG ساعد على تقليل تكلفة إنتاج LNG، فعلى سبيل المثال نزلت تكلفة تسييل الطن من الغاز الطبيعي من 600 دولار في نهايات الثمانينيات من القرن الماضي إلى نحو 200 دولار عام 2001م. وبحسب وكالة معلومات الطاقة الأمريكية EIA فإن تكلفة تسييل 8.2 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي قد تصل ما بين 1.5 إلى بليوني دولار عام 2003م. وهذه التكلفة قد تصل إلى نحو 30 في المائة من إجمالي تكاليف إنتاج ونقل الغاز الطبيعي المسال والتي قد تراوح بين 7 و10 مليارات دولار في 2003م.
باختصار، مشاريع الغاز الطبيعي المسال تعد من المشاريع شديدة الربحية خاصة في ظل الارتفاع الهائل في أسعار النفط، حيث يعتبر الغاز أحد منافسي النفط الرئيسيين على توليد الطاقة. ولعمل مقارنة بين أسعار LNG والنفط، فإن طن LNG يحتوى على نحو 51 مليون وحدة حرارية، فإذا كان سعر المليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي المسال يراوح بين 12 و15 دولارا (في عام 2008م)، فإن سعر الطن من الغاز الطبيعي المسال قد يقارب نحو 600 إلى 800 دولار للفترة الزمنية نفسها، وإذا كانت تكلفة إنتاج الطن تراوح ما بين 300 و400 دولار فإن ربحية طن LNG تقارب 400 و500 دولار. وعليه فقد يبلغ ربحية إنتاج 30 مليون طن سنوياً من الغاز الطبيعي المسال قيمة تقارب 12 إلى 15 مليار دولار، وهو ما يكافئ ربحية تصدير نصف مليون برميل نفط يومياً من العربي الخفيف.