فقه التيسير تدرج أم استدراج؟
فقه التيسير تدرج أم استدراج؟
الناظر في كتب أصول الفقه يجد أن العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ مختلفون حول مسألة تعارض الفتيا هل يجب اختيار الأشد أم اختيار الأيسر والأسهل؟ لكن مصطلح فقه التيسير مصطلح جديد نادى به بعض الفقهاء المعاصرين بغية التوسعة على الناس وتسهيل أحكام الشريعة لهم. لكن السؤال هل الأخذ بالأيسر في كل مسألة هو المختار دائما؟ ليس هذا بصحيح بل هو من الخطورة بمكان وفي المقابل فإن بعض الناس قد تحمله الغيرة الشديدة على الفتوى بالأشد أو اعتقاده أن السلامة والاحتياط في أخذ القول الأشد والفتوى به. وكلا طرفي قصد الأمور ذميم إذ لا يسع الفقيه إلا أن يفتي وفق ما يؤديه إليه اجتهاده من حيث الدليل فإن ترجح له الأيسر أفتى به وإن ترجح له الأشد أفتى به وإن لم يترجح له شيء توقف.
وفي الواقع إذا نظرنا إلى منهجية المؤسسات المالية الإسلامية وفي مقدمتها البنوك نجد أنها في كثير من منتجاتها تتجه إلى البحث عن نظير للمعاملات التقليدية ومن ثم صياغتها إسلاميا وتخريجها على أي قول وارد في كتب الفقه يرى الإباحة وتصحيح العقد، فالتورق مثلا بأشكاله وصوره المتعددة غايته توفير السيولة للعميل وهو للبنك منتج ذو مصروفات إدارية متدنية وذو عائد جيد مع قلة المخاطر؛ لذلك أقبلت البنوك عليه بشكل غير مسبوق من حيث حجم التعامل مقارنة بغيره من أدوات التمويل الأخرى.
ولو أخذنا بهذا المسلك فلن يعجز الفقيه أن يجد في تراثنا الفقهي الواسع قولا يمكن تخريج الإباحة عليه وقديما قيل (لا يخطئ فقيه).
إن منهج الأخذ بالأيسر أو بعبارة أخرى تتبع الرخص سيقوض بنيان الاقتصاد الإسلامي ويجعله كالربوي أو أشد سوءا عاجلا أو آجلا، والبحث عن التخفيفات، وجعل ذلك منهجاً مطرداً في الفتيا أمر غير رشيد، ومنهج غير قاصد، وهو من طرائق اليهود في التفلت من أحكام الله، هذا وتتبع فقه التيسير بحجة التدرج قد نفيق منه بعد سنين فنجد أنه كان استدراجا لا تدرجا.
إنه يجب على البنوك الإسلامية أن تتجه إلى تطوير أدوات الاستثمار والتمويل، حيث تتوافق ومقاصد الشريعة الإسلامية وأن تكون رسالتها المساهمة الفاعلة في الاقتصاد الإسلامي باقتحام جميع المجالات وليس مجرد التمويل الذي يشجع الأفراد على تحمل الديون من أجل تحقيق متطلباتهم الحاجية وأحيانا الكمالية.
وفي الختام أنبه إلى أن منهج الأخذ بالتيسير مطلقا يؤدي على ضعف البحث الفقهي الجاد بل يقتصر على مجرد اكتشاف قول آخر في المسألة مهما كان شذوذه وأتمنى أن نتفق جميعا على نقد هذا المنهج حتى لا يطرد في مسائل فقهية كبار وقد يدخل بعض المسائل العقدية ويفتح بابا للتشكيك في ثوابتنا والتفلت من أحكام شريعتنا الغراء.
ماجستير المعهد العالي للقضاء
[email protected]