توقعات بحدوث تدهور حاد في النمو الاقتصادي العالمي
توقعات بحدوث تدهور حاد في النمو الاقتصادي العالمي
أطلق مؤشر إيفو IFO العالمي المعروف توقعات اعتبرها محللون تحذيرات جديدة لواضعي السياسات النقدية في دول المنطقة من أنها ستواجه أوضاعا أصعب خلال الأشهر المقبلة، حيث إن التدهور الحاد في النمو الاقتصادي العالمي سوف يجبر البنوك المركزية في الولايات المتحدة والدول الأوروبية على خفض أسعار الفائدة بصورة كبيرة مستمرة في بلدانها قد تمتد لغاية عام 2009، وهو ما سيجبر البنوك المركزية في دول المنطقة على القيام بخطوات مماثلة من شأنها إطلاق العنان لمعدلات التضخم التي أعلنت كل من المملكة العربية السعودية والكويت أنها شارفت الـ 10 في المائة خلال العام الجاري.
ووفقا لمؤشر إيفو، فقد تدهور المناخ الاقتصادي بصورة واضحة خلال الربع الأول من العام الجاري 2008 ليبلغ 90.4 نقطة (على مجموع 100 نقطة) وهو أدنى مستوى له منذ عام 2003، كما أن التقييم لكل من الأوضاع الراهنة والتوقعات للأشهر الستة المقبلة تنبئ بتدهور النمو الاقتصادي بصورة حادة ولا سيما في الولايات المتحدة وأجزاء كبيرة من الدول الأوروبية التي تأثرت أكثر من غيرها بأزمة ديون الرهن العقاري الأمريكية مثل: بريطانيا، سويسرا، إيرلندا، وألمانيا، كما توقع المؤشر استمرار التدهور لما بعد عام 2008. وقال المؤشر إن دول آسيا تأثرت بدرجة أقل من التطورات المعاكسة للاقتصاد العالمي باستثناء اليابان، تايلاند، وتايوان التي طالها التأثر أكثر من غيرها من البلدان الآسيوية.
وبين التقرير الخاص بأداء الاقتصاد العالمي للربع الأول من العام وتوقعات الأشهر الستة المقبلة أن تراجع النمو الاقتصادي بدأ يخيم في أغلب مناطق العالم متأثرا بما تحول إلى كبرى الأزمات المالية منذ الحرب العالمية الثانية. فقد شهد النشاط الاقتصادي تباطؤا حادا في الاقتصادات المتقدمة بداية عام 2008، ولا سيما في الولايات المتحدة حيث تتركز التوترات المالية الأكثر حدة ويستمر التصحيح في سوق المساكن بالقوة نفسها. وفي الاقتصادات المتقدمة الأخرى، تباطأ النشاط في أوروبا الغربية أيضا خلال الربع الأخير من عام 2007، وإن أبدى الاقتصاد الياباني قدرة أكبر على تحمل هذه التداعيات. أما الاقتصادات الصاعدة والنامية فلا يزال تأثرها بتطورات الأسواق المالية أقل بكثير حتى الآن ولا تزال محتفظة بوتيرة نموها السريع، بقيادة الصين والهند، وإن بدأ حدوث تراجع في نشاطها التجاري وإنتاجها الصناعي.
في الوقت نفسه، ازداد التضخم الكلي على مستوى العالم مدفوعا باستمرار الأسعار المرتفعة للأغذية والطاقة. ففي الاقتصادات المتقدمة، تحرك التضخم الأساسي نحو الصعود في الأشهر القليلة الماضية بالرغم من تباطؤ النمو. وبلغ معدل التضخم في الولايات المتحدة 2.9 في المائة وفي أوروبا 2.8 في المائة. وفي الأسواق الصاعدة، ارتفع معدل التضخم الكلي ارتفاعا أكثر حدة، تحت تأثير نمو الطلب القوي وزيادة وزن الطاقة، وكذلك الأغذية بشكل خاص، في سلال السلع الاستهلاكية.
واستمر الرواج في أسواق السلع الأساسية بالرغم من تباطؤ النشاط العالمي. وكان الطلب القوي من الاقتصادات الصاعدة، الذي شكل جانبا كبيرا من الزيادة في استهلاك السلع الأساسية خلال السنوات الأخيرة، واحدا من القوى المحركة لارتفاع الأسعار، بينما كان الطلب المتعلق بأنواع الوقود الحيوي عنصرا داعما لارتفاع أسعار المحاصيل الغذائية الأساسية. وفي الوقت نفسه، تأخر تعديل العرض بالتناسب مع ارتفاع الأسعار، لا سيما في حالة النفط، كما تقلص المخزون في كثير من الأسواق حتى بلغ مستويات منخفضة. ويبدو أن ارتفاع أسعار السلع الأساسية أخيرا يرجع ولو في جانب منه، إلى عوامل مالية أيضا، حيث بدأت هذه السلع تبرُز على نحو متزايد باعتبارها فئة أصول بديلة.
وتأتي هذه التوقعات مطابقة لتوقعات أطلقها صندوق النقد الدولي قبل عدة أسابيع وأشار فيها إلى تراجع النمو العالمي ليصل إلى 3.7 في المائة في عام 2008، بانخفاض قدره نصف نقطة مئوية عما كان عليه في كانون الأول (ديسمبر) 2007. وإضافة إلى ذلك، يُنتظر أن يظل النمو دون تغيير في عام 2009. ومن المتوقع أن يستمر التباعد في أداء النمو بين الاقتصادات المتقدمة والصاعدة، مع انخفاض النمو في الاقتصادات المتقدمة بشكل عام إلى مستويات أدنى بكثير من المستوى الممكن. وسوف ينزلق الاقتصاد الأمريكي إلى حالة من الركود سيستمر لغاية عام 2009.
ومن المرجح أن تظل الأوضاع بالغة الصعوبة في الأسواق المالية، ولا سيما في الولايات المتحدة حيث يتوقع أن يظل التصحيح في أسواق المساكن عائقا أيضا أمام الطلب، كما يمكن أن يصيب الضعف أسواق المساكن في بعض البلدان الأوروبية أيضا. وإضافة إلى ذلك، ستتباطأ وتيرة الانتعاش الوليد في بعض البلدان خلال عام 2009 من جراء استمرار التوترات في الأسواق العقارية والمالية. وفي المقابل، يتوقع حدوث انخفاض طفيف في نمو الاقتصادات الصاعدة والنامية، وإن ظل محتفظا بمعدلات قوية في عامي 2008 و2009 . ويرجع هذا التباطؤ إلى الجهود المبذولة لتجنب النشاط الاقتصادي المحموم في بعض البلدان إلى جانب التداعيات التجارية والمالية وبعض الانخفاض في أسعار السلع الأساسية.
ويشير مراقبون إلى أن جميع هذه التوقعات تنبئ بنشوء أوضاع صعبة للغاية أمام صانعي السياسات على مستوى العالم وهي تمثل في مجموعها تحديات متنوعة سريعة التحرك. وفي عالم يزداد توجها نحو التعددية القطبية، ورغم تفرد الظروف التي يمر بها كل بلد على حدة، فسيتعين النظر إلى هذه التحديات مجتمعة، مع المراعاة الكاملة لأثر التفاعلات عبر الحدود. ففي الاقتصادات المتقدمة، تتمثل المهام العاجلة في معالجة الاهتزازات التي أصابت الأسواق المالية واتخاذ إجراءات بشأن مخاطر النمو دون المتوقع مع النظر بعين الاعتبار أيضا عند اختيار السياسات اللازمة إلى مخاطر التضخم وبواعث القلق على المدى الأطول. ولا يزال التحدي الآني في كثير من الاقتصادات الصاعدة والنامية ومن بينها دول مجلس التعاون الخليجي هو ضمان ألا يؤدي النمو القوي إلى تصاعد التضخم أو تزايد مواطن التعرض للخطر، ولكن هذه البلدان ينبغي أن تكون على استعداد للتحرك في مواجهة تباطؤ النمو وتفاقم أوضاع التمويل إذا ما حدث تدهور حاد في البيئة الخارجية مع امتداداته التي باتت واضحة في العديد من القضايا الاقتصادية المحلية وفي مقدمتها الأسعار والتضخم وتقلبات الأسواق المالية والمحافظ التمويلية للبنوك التجارية.