التعليم الإلكتروني: تعليم عن بُعد، ولكن؟
التعليم الإلكتروني: تعليم عن بُعد، ولكن؟
يشهد التعليم الإلكتروني اهتماماً كبيراً في المملكة، على كل من مستوى التعليم العام، ومستوى التعليم الجامعي. وقد أنشأت بعض جامعاتنا عمادات خاصة لهذا التعليم، بهدف الاستفادة من مُعطياته، واستغلالها على أفضل وجه مُمكن. فالتعليم الإلكتروني يفتح آفاقاً جديدة للتعليم ونشر المعرفة بكفاءة وفاعلية غير مسبوقة.
وعندما نقول عبارة "التعليم الإلكتروني"، فإن الإلكتروني هنا ليست وصفاً لـ"مضمون" هذا التعليم، بل هي وصف لـ"أسلوبه". وعلى ذلك فإن أي مضمون من مضامين التعليم، يُمكن أن يُنفّذ بأسلوب إلكتروني. ومع انتشار الاتصالات والإنترنت وتطبيقاتها، والتطور المُتسارع الذي تشهده هذه الوسائل المهمة، بات التعليم الإلكتروني أكثر أهمية وأكثر قابلية للامتداد بدون حدود لتغطية جميع أرجاء العالم.
وعندما نقول "التعليم الإلكتروني" تبرز أمامنا مسألة مهمة، هي أن هذا التعليم يتم "عن بُعد"، حيث يبتعد، أو ربما ينعزل، المُتعلم عن المُعلم. ويتبع ذلك أن هذا التعليم يُصبح في حقيقة الأمر أقرب إلى "التعلّم" منه إلى التعليم المُنتظم بشكله المُعتاد. فالتعليم المُعتاد يتطلب جهداً مُتوازناً بين طرف المُتعلم من جهة وطرف المُعلم من جهة أخرى. أما "التعليم أو التعلم عن بُعد" فيزيد من مسؤولية المُتعلم، ويحد من مسؤولية المُعلم، حيث تُصبح العملية التعليمية ارتقاءً معرفياً ذاتياً للمُتعلم، يُوجهه المُعلم "عن بُعد"، من خلال البرامج التعليمية المطلوبة.
وتجدر الإشارة إلى أن "التعليم عن بُعد" سبق التعليم الإلكتروني بسنوات طويلة. وهناك من يعود به إلى ظهور المطبعة في ألمانيا في القرن الخامس عشر للميلاد، وما تبع ذلك من تداول للمطبوعات عبر البريد العادي. وهناك من يعتبر أن ظهور الجامعة المفتوحة في بريطانيا عام 1969م علامة تاريخية مُميزة للتعليم عن بُعد، حيث بدأ استخدام أنظمة التسجيل الصوتي وتسجيل الفيديو والبرامج التلفزيونية، إضافة إلى المواد المطبوعة.
ولعلنا نذكر هنا، بالإضافة إلى ما سبق، أن كثيراً من الجامعات، وبينها جامعات عربية، بل وجامعات سعودية، كجامعة الملك سعود، اعتمدت أنظمة دراسية، عُرفت بأنظمة "الانتساب"، إذ لم يكن على الطالب أن يحضر المحاضرات، بل أن يُقدّم الامتحانات فقط. وعلى ذلك، فقد كانت أنظمة الانتساب هذه تعليماً عن بُعد أيضاً، حيث ينفصل الطالب عن المدرس، لتبقى الصلة، هي صلة المواد الدراسية الموضوعة تبعاً للبرامج المطلوبة، وامتحانات التقييم، مع حد أدنى من التواصل المُمكن، ولكن غير المُفعّل في أغلب الأوقات. وكان هذا التعليم مُمكناً في التخصصات النظرية فقط.
المُشكلة الرئيسة التي كانت تُطرح في التعليم عن بُعد، هي التواصل المحدود، أو ربما عدم التواصل، بين المُعلم والمُتعلم. ويعتبر البعض أن هناك مُشكلة أكبر وأخطر في هذا التعليم، وهي عدم التواصل بين الطلبة أنفسهم، لأن هذا التواصل بين الأنداد يفتح آفاقاً جديدة للتفكير، وتبادل الرأي. والمُنطلق هنا أن العملية التعليمية ليست تفاعلاً بين الأستاذ والطالب فقط، بل بين الطلبة أنفسهم، حيث لكل منهم فكر ورأي وأسلوب في التعامل مع القضايا المعرفية المُختلفة. وهذا ما يُحفز مجموعات التعلم، ويزيد فوائد التعليم.
وتقول "جوليا دغلبي" مؤلفة كتاب حديث حول "التعليم الإلكتروني"، إن مشاكل التعليم عن بُعد لا تنطبق على التعليم الإلكتروني. فالإنترنت وتطبيقاتها القائمة حالياً لا تسمح فقط بالتواصل بين المُعلم والمُتعلم، بل تفتح آفاقاً جديدة للتواصل بين المُتعلم والمُتعلم. وأن ذلك لا يتم فقط في إطار البرنامج الدراسي الذي يتبعه المُتعلم، بل هو مفتوح على العالم بأسره. وعلى ذلك فإن التعليم الإلكتروني ليس تعليماً عن بُعد بالشكل التقليدي، بل هو نظام جديد لهذا التعليم. صحيح أن البُعد الجغرافي بين أطرافه موجود فعلاً، إلا أن الإنترنت والوسائل الإلكترونية الأخرى تتجاوز هذا البُعد الجغرافي، وتحد من تأثيره.
وعلى كل فإن كان التعليم الإلكتروني ليس بالضرورة صالح لجميع البرامج الدراسية، فإنه صالح للكثير منها، خصوصاً تلك التي لا تتطلب عملاً في المُختبرات. ليس هذا فقط، بل إنه صالح لتعزيز التواصل، حتى في إطار التعليم التقليدي المُباشر المُعتاد.