الزجاج الخلفي للمركبات.. رأس فارغ و شعرٍ تافة!
بعد أن كانت التوجيهات المستمرة لرجال الأمن بإزالة كل ما يخالف النظام الأمني والمروري من على المركبات، وجدت وزارة الداخلية نفسها أمام تحدٍّ جديد يتمثل في الضرر الذي قد يطول المواطن أو المقيم المسافر إلى دولة الكويت وهو يضع ملصقا يدعم فئة أو طائفة أو جماعة غير مرخصة في دولة الكويت التي تستعد لبدء الانتخابات البرلمانية المقررة في 17 أيار (مايو) المقبل والتي قد تؤدي لحجز مركبته أو حتى مصادرتها، وإليكم الخبر كما بثته (واس) منتصف الأسبوع الحالي:
"نبهت وزارة الداخلية جميع المواطنين والمقيمين المتوجهين لدولة الكويت بمركباتهم إلى ضرورة خلوها وخلو جسم المركبة من جميع مايدل أو يشير أو ينتمي إلى فئة أو طائفة أو جماعة أو أي تنظيمات غير مرخصة حتى لا تكون مركباتهم عرضة لتطبيق القانون الصادر بهذا الشأن عند دخولها دولة الكويت، وأشارت وزارة الداخلية في إيضاح لها اليوم إلى ما أعلنته وزارة الداخلية في دولة الكويت في وقت سابق بمنع وحجز المركبات الداخلة للكويت وهي تحمل كتابات أو ملصقات غير رسمية أو أعلام أو صور أو شعارات تدل على فئة أو طائفة أو جماعة أو أية تنظيمات غير مرخصة".
لا شك أن الشعر أداة فاعلة في تحريك الشعور وشحذ الهمم، منذ الجاهلية وحتى هذا الوقت الذي يعيش فيه البعض تغييباً كاملاً لعقله وروحه التي نشأت في رحاب القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة والمؤسسات العلمية التي لا تتوافر لكثيرٍ من البلدان، هذا التغييب ليس إلاّ من فعل الشخص نفسه ومن قناعات تلقّاها بشكلٍ خاطئ، فالحديث في مجالس كبار السن عن فرسان وكرماء وحكماء وشعراء القبيلة هو فخرٌ مستحق وتاريخٌ لا ينكر، ولكن التعصب الحقيقي للتاريخ والقبيلة هو في تشريفها بما يتناسب مع معطيات العصر الحديث من تنافس في العمل على خدمة الوطن الأكبر والهدف الأسمى، تنافس في الدرجات العلمية، وتنمية الحس الأمني الذي يجعل من المواطن رجل الأمن الأول، تنافس في خدمة الوطن والمواطن داخل وخارج الحدود، ولأن الشعر قضيتنا وموضوعنا الدائم في بالمحكي، رأينا أن نتقصى هذا الموضوع من جانبنا الأهم، لنرى من أين تبدأ العصبية بالشعر وإلى أين تنتهي وما هو الحل في القضاء عليها.
الزجاج الخلفي
الزجاج الخلفي للسيارات يبدو هذه الأيام وكأنه شاشة عرضٍ كبرى للدماغ البشري، وليس الأمر حكرا على الشعر، ولا هو حائطٌ لذكريات المراهقين فقط، فكثير من أهل الخير يستغلونه في الدعوة لاستبدال أشرطة الغناء بأشرطة دعوية مفيدة "نحسبهم كذلك والله حسيبهم"، وهناك من يستغلها للإعلان عن بيع مركبته وهناك من يستغلها للدعاية والإعلان، وتشجيع النوادي، ولكن الشعر حين يحضر على هذه المساحة يحضر وهو فارغٌ من الشعر، موجهٌ إلى عصبية قبلية أوهمٍّ تافه، هذا الجزء الفارغ من المركبة والذي فرّغ لرؤية أوضح لجنبات الطريق، امتلأ بشعرٍ قاتم لا تكفي لإزالته مخالفة "تظليل"!
غزل قبلي!
يعمد الكثير من الشعراء إلى حشر الفخر في قصيدته بأي شكل من الأشكال من أجل ضمان أكبر عدد من أفراد قبيلته كقرّاء ستجذبهم العاطفة على أقل تقدير، هذا الحشر يجيء حتى في قصائد غزلية لا علاقة لها بالقبيلة، ففي كثير من القصائد التي قرأناها "وضحكنا ضحك طفلين معاً"، كانت القصيدة فيها تخطو في اتجاه عاطفي جميل، وفجأة وفي منعطف غير متوقع يبدأ الشاعر في تذكير محبوبته المغلوبة على أمرها إلى أنه من آل فلان الذين فعلوا وفعلوا وفعلوا، وعليها أن تتذكر ذلك دائماً وعلينا كقرّاء أيضاً أن نتذكر ذلك وعلى أبناء قبيلته أن يصفقوا ويتناقلوا القصيدة بكل وسائل الاتصالات العصرية الحديثة!
خلووووها.. لا تخلونها!
قبل عشرين عاما كانت المحاورات سواء في القلطة أو في العرضة الجنوبية تعتمد على القبلية غالباً لأنها مطلب جماهيري، لكنها كانت دائماً تأتي بشكل مبطّن وغير ظاهر لصغار السن، ولم تكن هي المعنى الوحيد الذي يتداوله الشعراء فالكثير من الأحداث الدولية والإقليمية وحتى الأحداث الشخصية هي أهداف ممكنة في المحاورات التي تجري بين الشعراء، ولكن ومنذ ما يقارب العشر سنوات تقريباً أصبح الفخر القبلي والتزايد فيه بين الشعراء هو المادة دائمة الحضور في المحاورات، وليست هنا المشكلة، بل المشكلة الحقيقة في ظهور المعنى والتعامل معه بكل سطحية أمام جماهير تتراوح أعمارهم بين الـ 15 و الـ 22 سنة.
برامج "أخطف وأقري"!
تفاءل الكثير من المشاهدين خيراً ببرامج الشعر المباشرة على أمل أنها ستكون الضربة القاضية لبرامج الواقع التي تعتمد في إثارتها على جمع الجنسين في مكان معيشةٍ واحد، وبمادةٍ فنية لا تتوافق مع خصوصيتنا في كثير مما تطرحه وتروج له، إلاّ أن برامج الشعر هذه كانت علينا وبالاً أكبر وأعظم من برامج الفن، فبرامج الفن ظاهرةٌ في حرامها ومخالفتها لواقعنا وتربيتنا، منذ الفكرة الأولى وحتى الحلقة الأخيرة، وبرامج الشعر هذه كانت كمن يسبر المدى في يومٍ يلوّنه الغبار، إذ إنها كانت في ظاهرها كفكرة تصب في خدمة الشعر وصرف أبنائنا عن متابعة برامج الواقع الفنية لكنها جاءت في تنفيذها على العكس تماماً، فكما أنها فشلت في عامها الثاني على التوالي وعلى كل القنوات في تقديم شعر حقيقي يوازي ولو عُشر ما قدمه البدر وعافت وصقر ومساعد والحريص، فشلت أيضاً في تقديم الشعراء الجميلين كما كانوا قبل الظهور على مسارحها، إذ وجد هؤلاء الشعراء "وهم قلّة" أنفسهم أمام لعبة كبيرة عليهم أن يتكيفوا معها ليواصلوا الركض باتجاه النهاية الخالية من الشعر أو تقديم أنفسهم كشعراء محترمين مع احتمال الخروج مبكراً وهذا ما حدث لأغلب هذه القلّة! هذه البرامج اعتمدت في تسويقها لنفسها على العصبية القبلية وإثارتها من خلال قنوات رسمية لم تكن متاحة لهذه العصبيات من قبل، وكل هذا بمالٍ قليل يدرّ أضعافاً مضاعفة.
دوائر انتخابية
في مجتمعنا الخليجي تسطير ثقافة "الفزعة" حتى في الممارسات الديمقراطية الحديثة على هذا المجتمع والذي يفترض أن يتعامل معها المواطن الخليجي بشيء من الوعي لأنه طالما رآها وقرأ عنها وتمناها، ولكن وبمجرد تطبيقها بشكل محدود تعامل معها بمبدأ الفزعة وتناسى أنه يضيع صوته في "المدى والريح" عندما يصوّت لابن عمه الذي يعلم أنه أقل كفاءة من المرشح الآخر، تكتلات كثيرة حدثت في الانتخابات البلدية في السعودية قبل ثلاثة أعوام، وحدثت وتحدث في الدول الخليجية الأخرى، هذه التكتلات لم تكن قبلية دائماً، لكنها كانت أكثر تعصباً في قبليتها، وبالطبع يأتي الشعر في طليعة المحفّزات لهذا التكتل من خلال أمسيات تقام في مخيّمات المرشحين.