أسعار الأرز تسجل مستويات قياسية بسبب مخاوف من انتشار قيود التصدير

أسعار الأرز تسجل مستويات قياسية بسبب مخاوف من انتشار قيود التصدير

أسهمت مخاوف من انتشار قيود تصدير الأرز التي فرضتها الصين وفيتنام إلى دول أخرى في ارتفاع أسعار الأرز في عقود البيع المستقبلية في بورصة شيكاغو للتجارة، مما يمثل أعلى ارتفاع خلال أسبوع على الأقل في سبع سنوات.
بينما توقعت تصريحات مصرفية أن تتعرض الحكومة التايلاندية لضغوطات إيقاف تصدير الأرز، وذكرت شركات أرز تايلاندية أن بعض المشترين العالميين بدأوا في إنقاص طلبيات الأرز من عدة دول بعد الارتفاع الجنوني لأسعارها.
وقيدت الهند ومصر مبيعاتها من الأرز هذا العام لحماية الإمدادات المحلية. وأدى الارتفاع الكبير في أسعار الأرز، إضافة إلى الطاقة والقمح، إلى تحذير الأمم المتحدة من احتمال انتشار الاضطرابات والاحتجاجات المدنية، لأن الفقراء في إفريقيا، وآسيا لا يستطيعون تحمل تكاليف الطعام، وأن حكوماتهم لا تستطيع تمويل، أو إيجاد واردات كافية.
وارتفعت أسعار الأرز قبل ثلاثة أيام إلى معدل قياسي للمرة السابعة هذا الشهر، كما رفع مجلس بورصة شيكاغو للتجارة,التي تمثل مقياساً للأسعار العالمية,حدود التجارة اليومية بعد أن ارتفعت الأسعار في العقود المستقبلية إلى أعلى حد مسموح به مرتين هذا الأسبوع، وتراجعت كميات هذا النوع من الحبوب الأعلى استهلاكاً في العالم، بينما تقيد دول شحناته في جهد منها لتخفيض تكاليف الغذاء المتصاعدة، والتمكن من إطعام شعوبها.

وقال فريديك نيومان الاقتصادي في ذراع الأبحاث في مجموعة إتش إس بي سي المصرفية، "سيفرض المزيد من البلدان قيوداً على الصادرات، وهنالك ضغوط على الحكومة التايلاندية لإيقاف الشحنات من الأرز".
ارتفع سعر الأرز في شهر أيار (مايو) بما يعادل 41 سنتاً، أي 1.8 في المائة، ليغلق عند سعر 23.71 دولار لكل 100 رطل إنجليزي في مجلس بورصة شيكاغو للتجارة ، بعد أن كان قد بلغ 24.355 دولار، هو أعلى سعر وصل إليه على الإطلاق.
وسيستمر الطلب القوي على الأرز، كما قال داريل هولاداي رئيس "مفاهيم السوق المتقدمة" في منهاتن، بولاية تكساس، وأضاف "لا يوجد هناك بديل للأرز، ومن المحتمل أن يتناول مزيد من الناس في آسيا المزيد من رقائق المعكرونة، وكميات أقل من الأرز".
وأجبرت القفزة في أسعار الأرز بعض المشترين على إنقاص الكميات الواردة في طلباتهم الشرائية، كما قال أبيشات شانزاكولبورن المدير الإداري لشركة "بريزيدنت أجري"، رابع أكبر شركة مصدرة للأرز في تايلاند.
وقال أبيشات "إن العملاء يبطئون من مشترياتهم لأن الأسعار مرتفعة للغاية"، وكانت ارتفاعات أسعار الأرز "مدفوعة بالأثر النفسي أكثر مما هي مدفوعة بالطلب والعرض الحقيقي، حيث إن التوقعات تشير الآن إلى اتجاه تصاعدي".
وبدأت الصين، وهي الدولة الأكثر سكاناً في العالم في تعطيل الصادرات الخاصة بالأغذية، أو فرض الضرائب عليها، لضمان استمرار الاكتفاء في الإمدادات المحلية، وفرضت الصين ضريبة على شحنات الأرز بنسبة 5 في المائة، كما شرعت في فرض الضرائب بنسبة 20 في المائة على صادرات القمح.
وأعلنت الصين أسرع اقتصادات العالم نمواً, قبل يومين أنه زادت الضرائب على شحنات الأسمدة بهدف "تقييد الصادرات"، وتخفيض الأسعار المحلية، حسب مصادر وزارة المالية، وقال سوميث لامورافورن رئيس "أنترتريد"، سادس أكبر شركة مصدرة للأرز في تايلاند، إن سرعة شراء بعض الدول بدأت بالتباطؤ.
وأضاف "إن أوامر الشراء من جانب الصين تباطأت، حيث إن المشترين يرون أن أسعار الأرز القادم من تايلاند، وفيتنام، مرتفعة بصورة مبالغ فيها، وتعمل بعض الأقطار الإفريقية على رفع الأسعار من خلال الطلب، ولكن بعض دول هذه المنطقة تتباطأ في طلباتها لأن لديها موارد مالية محدودة".

وبلغ معدل إنفاق الأسرة في الهند 32 في المائة من دخلها على المواد الغذائية في العام الماضي، مقارنة بنسبة 6 في المائة فقط في الولايات المتحدة، حسب البيانات المستقاة من وزارة المالية. أما بالنسبة إلى إندونيسيا، فكانت النسبة 43 في المائة، وفي الفلبين 36 في المائة، وقال نيومان من "إن البلدان الأفقر ستعاني بصورة أشد من الدول المتقدمة، وإن الفقراء هم الذين يتحملون العبء الأكبر".
على صعيد ثان, أكدت إحدى كبرى وكالات التصنيف الدولية للاقتصادية أنها تتوقع أن تنخفض أسعار السلع الغذائية بعد أقل من 7 أشهر، وقال بورفي هارلاكى المحلل الخاص بالمالية العامة الدولية في وكالة فيتش, "بحسب البيانات التي لدينا فإننا نعتقد أن أسعار الغذاء سترتفع بسرعة أقل بالسنة الحالية مقارنة بالسنة الماضية، إلا أنها ستنخفض مطلع سنة 2009"
وذكرت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في تقرير خاص صدر البارحة أنه بالرغم من الارتفاع الكبير الذي شهدته أسعار السلع في الربع الأول من عام 2008، فمن غير المرجح أن تنجو هذه الأسعار من تباطؤ ناتج عن انخفاض الطلب بفعل التراجع المتوقع في الاقتصاد العالمي.
ويلاحظ التقرير أنه مقارنة بالتجارب السابقة التي اقتصرت فيها زيادات الأسعار على بضعة سلع مختارة، فقد شهدت جميع فئات المواد الخام في الفترة من عام 2003 إلى 2007 طفرة في الأسعار.
ورغم أن الارتفاع المتزامن يعكس جزئياً انتقال تكاليف المدخلات عبر سلسلة التوريد، فإن الارتباط المتزايد بين مختلف فئات السلع يشير إلى الدور الذي لعبته صدمة الطلب العامة، خاصة من الأسواق الناشئة التي تنمو بسرعة. إذ تشكل الصين وحدها ثلث الطلب العالمي المتزايد على النفط، وتشكل نسبة تصل إلى 100 في المائة من الزيادة في الطلب على بعض المعادن الأساسية في الفترة من عام 2002 ــ 2007.
إضافة إلى ذلك، فإن الزيادة المذهلة في الطلب على النفط والمعادن قابلها انخفاض في الطاقة الإنتاجية، نتيجة ضعف الاستثمار في هذين القطاعين في تسعينيات القرن الماضي. وفي حين تفاقم النقص في سوق النفط بفعل الاختلالات قصيرة المدى في الإمدادات من البلدان غير الأعضاء في منظمة "أوبك"، وبفعل قرارات إنتاج النفط من جانب منظمة "أوبك"، عانى قطاعا الطاقة والمعادن أيضاً زيادة تكاليف المدخلات بسبب نقص اليد العاملة المدربة، وحالت عملية تأميم الموارد بدورها دون تطور طاقة استخراج الموارد الطبيعية.
من جانب آخر، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب الزيادة الهيكلية في الطلب على الحبوب الغذائية جراء استخدامها كمصدر بديل للطاقة، بدافع من المخاوف البيئية، وارتفاع أسعار الطاقة، ومحاولات البلدان المتقدمة للتنويع وتأمين إمدادات الطاقة.
ورغم ذلك، تعتقد وكالة فيتش أن صدمات الإمداد المؤقتة كان لها على الأرجح الدور الأكبر في الارتفاعات الأخيرة لأسعار المواد الغذائية، على اعتبار أن الإمدادات الغذائية تتسم في العادة بقدر أكبر من مرونة العرض في المدى القصير، ويشير هذا إلى احتمال أن يكون التضخم العالي لأسعار المواد الغذائية أقل استدامة من تضخم أسعار النفط والمعادن.
على أن الشواهد التاريخية تبين أن من غير المحتمل في المدى القريب أن تظل أسعار السلع محصنة من التراجع الاقتصادي العالمي الذي نشهده حالياً، وأن من غير المحتمل أن تستمر الزيادات الثابتة والكبيرة في الأسعار التي شهدناها في الفترة الواقعة بين عامي 2002 و 2007.
ومن المؤكد أن وكالة فيتش للتصنيف لا ترى أن هناك مبرراً قوياً من حيث أساسيات السوق لطفرة أسعار السلع في الربع الأول من عام 2008. ومن الواضح أن هناك تراجعا في الطلب على الطاقة من جانب الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (التي تشكل 60 في المائة من الطلب الكلي) ومن المحتمل أن يتواصل هذا التراجع في عام 2008، في حين أن من المعقول توقع تعافي إمدادات الطاقة من الدول غير الأعضاء في المنظمة. ومن المرجح أن يكون لضعف الاقتصاد الأمريكي، إلى جانب التراجع المتوقع في نمو الاقتصاد الصيني الذي تقدر وكالة فيتش أنه سيكون الأكبر في ست سنوات، أن يكون لذلك أثر كبير في الطلب على المعادن.
وفي الوقت نفسه كان رد الاستثمار في قطاع المعادن حاداً جداً على زيادة الطلب، رغم أن الإنتاج يتأخر لمدة طويلة، كذلك يغلب على عرض المواد الغذائية أن يتسم بمرونة نسبية في المدى القصير.

الأكثر قراءة