ألاسكا تتجه إلى ميدان الغاز الطبيعي بعد تراجع إنتاجها النفطي
ألاسكا تتجه إلى ميدان الغاز الطبيعي بعد تراجع إنتاجها النفطي
تخطط شركتا كونوكو فيليبس و"بي. بي" إلى تجميع جهودهما وكسر حالة الجمود فيما يتعلق باستغلال موارد منطقة ألاسكا الضخمة من الغاز الطبيعي. وقالت الشركتان إنهما ستستثمران مليارات الدولارات لبناء خط أنابيب من ألاسكا لتغذية الأسواق العطشى في كندا والولايات المتحدة.
وأدى الإعلان عن المشروع إلى أن تعلق حاكمة ولاية ألاسكا سارة بالين بقولها: إنه يوم طيب. ويأتي الإعلان في الوقت الذي يشهد فيه الاستهلاك من الغاز في البلدين تصاعدا مضطردا في الوقت الذي يشهد فيه الإنتاج تراجعا عن المصادر التقليدية، علما أن الغاز يعتبر من أحد مصادر الطاقة النظيفة، وأصبح يحتل مكانة متزايدة الأهمية في الولايات المتحدة.
وتقول الشركتان عقب إعلانهما عن المشروع الأسبوع الماضي، إنهما ستنفقان مبدئيا 600 مليون دولار خلال السنوات الثلاث المقبلة والسعي للحصول على الدعم اللازم من مختلف الجهات الفيدرالية والولائية وتأمين الغاز للمشروع. فالمشروع يعتبر الأكبر من نوعه في مشاريع الإنشاءات التي ينفذها القطاع الخاص في أمريكا الشمالية، إذ سيتضمن إقامة وحدة لمعالجة الغاز بتكلفة خمسة مليارات دولار، بينما يتوقع للكلفة الكلية أن تبلغ 30 مليارا خلال فترة عقد من الزمان حتى استكمال المشروع بأكمله.
وبما أن الوقت الحالي يشهد تصاعدا في أسعار النفط والغاز وفي تكلفة العمل والتشغيل، فإن المشروع سيغطي على خط الأنابيب القديم من ألاسكا ويمتد بطول 800 ميل، وهو الذي اكتمل عام 1977 وعاد إلى الولاية بالكثير من الاستثمارات والأعمال.
ومع تراجع الإنتاج النفطي من منطقة خليج برودهو باي في ألاسكا، أصبح التحول إلى ميدان الغاز الطبيعي أكثر إغراء، ولهذا ينظر إلى خط الغاز على أساس أنه جزء مكمل للخطة الوطنية لتأمين الطاقة في الولايات المتحدة، إذ سيضيف نحو أربعة مليارات قدم مكعب يوميا إلى الإنتاج الحالي للغاز، أو ما يعادل 7 في المائة من استهلاك الغاز في الولايات المتحدة.
لكن يبدو أن هناك العديد من العقبات والمصاعب التي يمكن أن تواجه المشروع وعليها تجاوزها، فهناك سجل غير طيب للمشاريع القادمة من ألاسكا وكندا، إذ تكون معرضة للتأخير لأسباب سياسية أو اقتصادية أو أخرى تتعلق بارتفاع التكلفة. ويبقى السؤال إذا كان في الإمكان إكماله ليقوم بدوره في مقابلة احتياجات الاستهلاك المتنامية، فالشركتان تحتاجان إلى تأمين نحو ألف إذن من مختلف الأجهزة الحكومية من فيدرالية وولائية في البلدين، وهو أمر قد يستغرق عدة سنوات، هذا إلى جانب التفاوض مع السكان المحليين وتأمين المناطق التي سيمر عليها الخط وتخطي بعض العقبات الهندسية في البناء.
لكن مع تصاعد أسعار النفط وتفتح الشهية للغاز كمصدر للطاقة، فإن اقتصاديات المشروع تبدو طيبة لدرجة أن الشركتين بدأتا تخططان لقيام المشروع بتمويل نفسه بنفسه. وتقوم الخطة على مد خط بطول 2000 ميل من ألاسكا إلى ولاية ألبيرتا الكندية، وهو ما يمكن أن يحرر بعض الإمدادات الكندية التي كانت تذهب إلى السوق الأمريكية، ثم يتم مد الخط إلى شيكاغو عبر 1500 ميل.
وفي واقع الأمر، فإن فكرة استغلال الغاز من ألاسكا قديمة وتعود إلى عدة سنوات خاصة أن فيها احتياطيات من الغاز تبلغ 35 تريليون قدم مكعب تستغل في الغالب لحقن الحقول ورفع الضغط فيها لإنتاج النفط فقط ودون الاستفادة منها في مجالات أخرى بصورة كبيرة.
وشهد استهلاك الغاز في الولايات المتحدة زيادة العام الماضي بنسبة 6.2 في المائة إلى 23 تريليون قدم مكعب من 21.7 تريليون في العام الأسبق، وذلك وفق إدارة معلومات الطاقة الأمريكية. وكان السعر دولارين لكل ألف قدم مكعب في 1999 وارتفع خلال العقد الماضي إلى 9.74 دولار لكل ألف قدم.
ألاسكا، التي ستكون المصدر الأساسي لتزويد الخط المقترح باحتياجاته من الغاز، برزت قبل أكثر من ثلاثة عقود من الزمان مصدرا بديلا للنفط، وذلك إبان الصدمة النفطية الأولى، كأحد مصادر الإمدادات خارج منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك). وبلغ إنتاجها ذروته في 1988 عندما وصل إلى 2.02 مليون برميل يوميا، ثم بدأ في التراجع وهو حاليا يتراوح في حدود 860 ألف برميل يوميا، تعادل قرابة 16 في المائة من الإنتاج الأمريكي المحلي من النفط. وتلعب شركات "إكسون موبيل"، "كونوكو فيليبس" و"بي. بي" دورا رئيسيا في تطوير الصناعة النفطية في ولاية ألاسكا، ولهذا أخذت هذه الشركات قصب السبق في مشروع الخط المقترح، الذي يتوقع أن تشارك فيه "إكسون موبيل".
الخط الذي سينطلق من ألاسكا سيمر على كندا، التي تمثل مصدرا أساسيا لتزويد السوق الأمريكية باحتياجاتها من النفط والغاز. كندا نفسها لديها احتياطي من الغاز الطبيعي يبلغ 58 تريليون قدم مكعب، وهي تنتج 6.5 تريليون، تستهلك منها 3.4 تريليون حتى عام 2005، وهي بالتالي تقع في المرتبة الثانية إنتاجيا بعد الولايات المتحدة في النصف الغربي من الكرة الأرضية، وتشكل أيضا مصدرا مهما لتزويد السوق الأمريكية باحتياجاتها من الغاز. وقامت عام 2006 بتصدير 3.6 تريليون قدم من الغاز الطبيعي إلى جارتها الأمريكية، وهو ما يمثل 86 في المائة من جملة الواردات الأمريكية من الغاز الطبيعي في ذلك العام.
لكن، ووفقا للتقديرات المستقبلية التي نشرتها إدارة معلومات الطاقة الأمريكية العام الماضي، فإن الإمدادات الكندية يتوقع لها أن تتراجع لتبلغ 1.2 تريليون قدم فقط في 2030 تمثل 22 في المائة من واردات الولايات المتحدة من الغاز. الواردات من الغاز المسال إلى السوق الأمريكية يتوقع لها أن تصل إلى 6.4 تريليون قدم مكعب في عام 2025، والإمدادات من كندا يتوقع لها أن تتراجع من ثلاثة تريليونات قدم في 2005 إلى 2.5 تريليون العام المقبل، ويرتفع حجمها مرة أخرى إلى ثلاثة تريليونات في غضون سبع سنوات مع تحسن الإمدادات نتيجة لزيادة الإنتاج، ثم تتراجع مرة ثانية إلى 2.5 تريليون عام 2025.
والولايات المتحدة رغم أنها ثاني أكبر منتج للغاز الطبيعي في العالم بعد روسيا، إلا أنها أكبر مستهلك، الأمر الذي يشكل لها فجوة تسدها بالواردات سواء من الغاز الطبيعي أو المسال، ويستخدمان في الأغراض الصناعية والاستهلاكية العادية في المنازل. وآخر التقديرات الأمريكية أن الإنتاج من الغاز الطبيعي الذي يمكن تسويقه
سيزيد هذا العام 2.9 في المائة و2 في المائة العام المقبل، وسيلعب الإنتاج من المياه العميقة خاصة من خليج المكسيك دورا في هذه الزيادة. لكن في العام المقبل سيتأثر الإنتاج بمحدودية عدد الحفارات، الأمر الذي سينتج عنه تراجع في الإنتاج خاصة من منطقة خليج المكسيك.
أما الواردات من الغاز المسال فيتوقع أن تبلغ 680 مليار قدم مكعب هذا العام متراجعا 12 في المائة عما كانت عليه العام الماضي. ويعود ذلك إلى أن الطلب المتنامي من آسيا وغرب أوروبا أصبح منافسا قويا، لكن المشاريع الجديدة في نيجيريا والنرويج ستؤدي إلى تحسن الموقف العام المقبل وترفع حجم الواردات إلى 950 مليار قدم مكعب.
ووفقا لإدارة المعلومات الأمريكية، فقد بلغ حجم المخزون العامل من الغاز الطبيعي الشهر الماضي 1.248 مليار قدم مكعب، وهو ما يزيد ستة مليارات قدم عن معدل خمس سنوات.
وتنطلق هذه الصادرات عبر خطوط أنابيب تدخل إلى الأراضي الأمريكية عبر بوابات: أيداهو، مونتانا، داكوتا الشمالية، ومينيسوتا، حيث ترتبط بعد ذلك بالشبكة الأمريكية. والشبكة الكندية يديرها مؤسسة خطوط الأنابيب عبر كندا وتمتد على مسافة 25.600 ميل تنقل الإمدادات بين المدن وإلى المستهلكين.
وتحتل ولاية ألبيرتا الكندية موقعا مهما في إنتاج الغاز الطبيعي كما أنها مهمة في إنتاج النفط الخام، ولديها الخط الذي يمتد على مسافة 13900 ميل ويقوم بنقل 10.6 مليار قدم مكعب.
ويتخوف البعض من أن يؤدي الخط الجديد المقترح من قبل شركتي "كونوكو فيليبس" و""بي. بي" إلى إشعال منافسة. إذ سيمتد بطول 3400 ميل ويقوم بنقل 4.6 مليار قدم مكعب، ويخطط له أن يدخل الخدمة قبل عام 2018، وقد يستفيد من ضمانات القروض التي أقرها الكونجرس وتبلغ 20 مليار دولار لدعم البرامج الخاصة بالخطة الوطنية للطاقة. ووعدت حاكمة ألاسكا سارة بالين بتوفير مبلغ 500 مليون دولار دعما للمشروع، ولو أنها تود المزيد من التنافس بين الشركات التي ستنفذ المشروع حتى يمكن إنجازه بأفضل الشروط بالنسبة للولاية.