مستقبل تصدير الغاز الطبيعي: الأنابيب أم الناقلات؟
مستقبل تصدير الغاز الطبيعي: الأنابيب أم الناقلات؟
يتوافر معظم الغاز الطبيعي بكميات تجارية في أماكن معينة في العالم مثله مثل النفط، ولا بد من نقله لبيعه من منبع الإنتاج إلى الدول التي تحتاج إليه ولا تمتلكه. وجرت العادة على مد شبكة من الأنابيب تقوم بنقله إلى الأماكن المختلفة، وتعتبر شبكة "غازبروم" الروسية من أكبر الشبكات في العالم، حيث تنقل الغاز من آسيا وسيبيريا إلى دول أوروبا المختلفة، وتشرع حالياً في بناء شبكات جديدة تصل إلى كل من كوريا الجنوبية والصين ـ حيث الطلب العالي على الغاز الطبيعي.
وفى السياق نفسه تعتبر تركيا بوابة الغاز إلى أوروبا العطشى إلى الغاز الطبيعي، حيث ينقل غاز بحر قزوين وسينقل الغاز الإيراني إلى أوروبا عبر شبكة من الأنابيب التي تم عبر تركيا. وتطورت هذه الشبكة مع الوقت في ظل تنامي الطلب الأوروبي على الغاز، فعلى سبيل المثال بلغ طول الشبكة التركية عام 1989 نحو 850 كيلو مترا، وفي 2005 م وصل طول الشبكة نحو ستة آلاف كيلو متر، وتعدى عام 2006 م 7600 كيلو متر، الأمر الذي يظهر للجميع أن عمليات نقل الغاز الطبيعي بواسطة الأنابيب من الأهمية بمكان، وتكاد تشكل عنق زجاجة في صناعة الغاز الطبيعي في بعض المناطق والدول. إلا أنه في السنوات الأخيرة بدأت التجارة بالغاز الطبيعي المسال في الازدهار، حيث يتم تبريد الغاز وتسييله ومن ثم نقله بواسطة ناقلات بحرية مجهزة لذلك.
يقع معظم احتياطيات العالم من الغاز الطبيعي أو أكثر من 70 في المائة من الاحتياطيات المؤكدة في روسيا وبعض جمهورياتها الآسيوية السابقة مثل كازاخستان وتركمانستان، كما يوجد في إيران، قطر، والمملكة، أي ما بين بحر قزوين والخليج العربي وسيبيريا. كما أن معظم الاكتشافات الجديدة للغاز الطبيعي وجدت في آسيا، وكان لجمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة نصيب الأسد، فلقد أضافت كازاخستان نحو 35 تريليون قدم مكعب عام 2007 م، ما زاد احتياطاتها بنحو 54 في المائة مما كان عليه عام 2006 م. أما تركمانستان فقد اكتشف فيها في الفترة الأخيرة ما يقدر بنحو 29 تريليون قدم مكعب عام 2007 م، مما زاد احتياطاتها بنحو 41 في المائة. أما الصين فقد أضافت 27 تريليون قدم مكعب ليزيد احتياطاتها بنحو 50 في المائة، وأدت الاكتشافات في الولايات المتحدة إلى إضافة نحو 12 تريليون قدم مكعب فقط إلى احتياطياتها أي بنسبة 6 في المائة. كل هذه الأرقام تشير إلى أن معظم الاكتشافات الكبيرة للغاز الطبيعي تقع في مواقع جغرافية معينة، ولا بد من بذل الكثير من الجهد لنقلها لأماكن الاستهلاك والتي تفصلها في بعض الأحيان مساحات شاسعة من الأراضي والجبال، وفى بعض الأحيان تتوسط المحيطات الكبيرة ما بين أماكن إنتاج واستهلاك الغاز الطبيعي.
وصل الاستهلاك العالمي للغاز إلى نحو 98 تريليون قدم مكعب عام 2005، ووصلت كميات الغاز الطبيعي التي تمت التجارة بها بنحو 14.5 تريليون قدم مكعب أي نحو 15 في المائة كان نصفها غاز طبيعي مسال LNG، أي أن نحو 7 في المائة من استهلاك العالم للغاز الطبيعي كان على شكل غاز طبيعي مسال، وستزداد كميات المتاجرة بالغاز الطبيعي المسال عام 2015 م لتصل إلى نحو 13 في المائة من إجمالي الاستهلاك العالمي للغاز الطبيعي، أي أن تجارة الغاز الطبيعي المسال ستزداد بنسبة 8 في المائة سنوياً. عادة ما تكون هذه التجارة أما عبر المحيط الأطلنطي، حيث ينقل الغاز الطبيعي المسال إلى الولايات المتحدة، أو عبر المحيط الهادي حيث يتم نقل الغاز إلى اليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول شرق آسيا الأخرى.
وصل عدد ناقلات LNG عام 1998م إلى 100 ناقلة، وفي نيسان (أبريل) 2006 م تعدى عددها 200 ناقلة، ومن المتوقع أن يصل عددها 300 ناقلة نهاية عام 2008 م الحالي. معظم الناقلات تراوح سعتها بين 100 و200 ألف متر مكعب، أي بحدود 60 إلى 100 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال، لكن حتى حجم الناقلات ازداد ليصبح بعضها ذو سعة تصل بين 250 و300 ألف متر مكعب أي بحدود 130 إلى 160 ألف طن من الغاز الطبيعي المسال. وتقوم هذه الناقلات بتوصيل الغاز المسال من قطر، ماليزيا، مصر، وأستراليا، بروناي، إندونيسيا، الجزائر، نيجيريا، ليبيا، عمان، وترينداد، إلى أوروبا وشرق آسيا والولايات المتحدة. والجدير بالذكر أن قيمة الناقلات تعتمد على سعتها، وتراوح قيمة ناقلات LNG ما بين 200 و300 مليون دولار.
الأكيد أن تكلفة نقل الغاز الطبيعي والجغرافيا والحدود السياسية بين الدول تعتبر من العوامل الرئيسة في تحديد نوع الوسيلة التي سيتم فيها النقل، وفى تقرير لمجلة "النفط والغاز" (أكتوبر 2005 م) أنه كلما زادت حمولة الناقلة قلت تكلفة نقل الغاز المسال، ومن أجل ذلك يوجد توجه عام بزيادة سعة الناقلات فزادت من 145 ألف متر مكعب إلى 250 ألف متر مكعب. كما أنه وبشكل عام تعتبر ناقلات LNG أسرع من الناقلات الأخرى (كناقلات النفط) بنحو أربع إلى خمس عقدات بحرية، وذلك من أجل تقليص التكلفة. ويكمن توزيع تكلفة نقل الغاز المسال على إيجار الناقلة، التي تبلغ نحو 70 ألف دولار في اليوم لناقلات سعة 145 ألف متر مكعب ونحو 100 ألف دولار يومياً لناقلات ذات سعة تصل إلى 250 ألف متر مكعب، وتشكل أجرة الناقلة نحو 68 في المائة من تكلفة نقل الغاز الطبيعي المسال، وأما الباقي فيتوزع كوقود للناقلة ويقدر بنحو 18 في المائة من إجمالي قيمة التكلفة و3 في المائة للتأمين و5 في المائة تدفع للميناء و6 في المائة مصاريف مختلفة. فلو افترضنا أن ناقلة تحمل 250 ألف متر مكعب من الغاز المسال وتستغرق 20 يوماً للوصول إلى هدفها فإن تكلفة نقل هذه الشحنة يمكن أن يصل إلى ثلاثة ملايين دولار. وإذا كانت حمولة ناقلة LNG تقارب 250 ألف متر مكعب أي أنها تحتوى على 5.2 مليون مليون وحدة حرارية من الغاز الطبيعي المسال، وإذا كان سعر مليون وحدة حرارية يقارب عشرة دولارات، فهذا يقودنا إلى توقع سعر الحمولة بما يقارب 52 مليون دولار، وإذا كانت تكلفة النقل تقارب ثلاثة ملايين دولار أي أن تكلفة نقل LNG تساوى تقريباً 6 في المائة من قيمة الحمولة، وهذه لا تعتبر نسبة عالية خاصة إذا ما أخذ بعين الاعتبار مزايا نقل LNG والتي تعتبر المرونة والقدرة إلى الوصول إلى أي جهة مجهزة بالبنى التحتية الضرورية لاستقبال هذه الأنواع من الناقلات.
المرونة وتكلفة النقل هي ما ستحدد مستقبل عمليات نقل الغاز، ففي بعض الأحيان من المستحيل نقل الغاز بواسطة الأنابيب مثل تصدير الغاز القطري إلى اليابان والولايات المتحدة، ويجب أن ينقل هذا الغاز عبر ناقلات LNG. وفى المقابل يوجد بلدان مثل سويسرا والنمسا والتشيك ومنغوليا لا تطل على بحار أو محيطات وعندها تكون الأنابيب الوسيلة الوحيدة لنقل الغاز.
لكن بشكل عام يبدو أن مستقبل تجارة وتصدير الغاز الطبيعي هي في ناقلات LNG التي تستطيع توصيل شحناتها لأي مكان في العالم من غير أن تكون مرتبطة بالأنابيب التي عادة ما تمر عبر دول متعددة وكثيراً ما تخضع بالتالي عمليات تصدير الغاز لمشاكل بين الدول، خاصة فيما يتعلق في حصة الدول التي تمر أنابيب الغاز فيها كما هي الحالة بين روسيا وأوكرانيا.
* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات
[email protected]