بين ضحايا الإيجار و ضحايا التأجير!
تطرقت في مقالي الذي نشر في هذه الزاوية أمس الأول تحت عنوان (الجمعية الخيرية لضحايا الإيجار) إلى مشكلة الارتفاع الجنوني في أسعار إيجار الوحدات السكنية وهي كما بينت سابقاً مشكلة خطيرة تعانيها فئة كبيرة من الناس باتت على وشك اللجوء إلى الأرصفة هرباً من ملاحقة ملاك العقار لهم، لكن هذا لا يعني أن أضرار الإيجار تتوقف عند إيجار السكن، فهناك تأجير كارثي لم أتحدث عنه يتمثل في تأجير العقول للأفكار المعلبة وبعض النقولات الساذجة التي لا تحظى بأي قدسية إلا في العقول المؤجَرة.
إن تأجير العقل يا سادة يا كرام يعني أن يسلم أحدكم عقله لغيره ليغرس فيه أفكاره دون أي اعتبار لماهية هذه الأفكار ودون إخضاعها لسلطة العقل، فالعقل المؤجر في حالة عطل ذاتي ناتجة عن عدم قدرة صاحبه على استخدامه إما بسبب فصل تيار التفكير عنه في مراحل طفولته الأولى وتحويله إلى مجرد وعاء لاستخدام الآخرين أو بسبب فوبيا التفكير التي تصيب الكثير من البشر بسبب البيئة المحيطة والضغوط الاجتماعية، لتحولهم فيما بعد إلى أدوات في أيدي مستأجري عقولهم يحركونها كيفما شاءوا دون أي اعتراض منهم.
وحالة تأجير العقل لا تختلف كثيراً عن الغيبوبة الدماغية، فغالبية الشعب الألماني مثلاً أجروا عقولهم لأدولف هتلر ذلك النازي الجاهل الذي استطاع أن يدخل دولة كاملة وكثيرمن الناس خارجها في غيبوبة دماغية بخطاباته النارية ليحولهم إلى ريبوتات للقتل والتدمير.
وفي عام 1978م انتحر 914 إنسانا انتحاراً جماعياً في جمهورية غويانا الاشتراكية في أمريكا الجنوبية تلبية لرغبة قائد ديني يدعى جيم جونز استطاع أن يستأجر عقولهم ويستخدمها ضد بقائهم أحياء على هذا الكوكب، كما استطاع قائد طائفة دينية أخرى تسمى (بوابة الجنة) في سان دييغو بالولايات المتحدة عام 1997م أن يستأجر عقول أتباعه ويقنع 39 فرداً منهم بالانتحار الجماعي لمغادرة (عرباتهم البشرية) حتى تتمكن أرواحهم من التحليق في الفضاء بحرية ونقاء!
وتذكر الموسوعة الحرة ويكيبيديا أنه مابين عامي 1994 و 1997 أصبح أعضاء طائفة دينية كندية تسمى (معبد الشمس) مصابين بالذعر لدرجة أنهم بدأوا سلسلة من عمليات الانتحار الجماعي التي وصلت إلى 74 حالة انتحار، وكان ضحايا التأجير هؤلاء يتركون رسائل الوداع مصرحين فيها بأن موتهم "هروب من اضطهاد العالم"، بالإضافة إلى أنهم سينتقلون بعد موتهم إلى أحد النجوم السابحة في الفضاء حسب معتقدات تم زرعها في عقولهم من قبل مستأجر محترف، لكن السجلات التي استحوذت عليها شرطة كيوبيك - في كندا - أشارت إلى أن بعض أعضاء الطائفة تبرعوا بأكثر من مليون دولار إلى قائد الطائفة الذي استأجر عقولهم وأرسلهم إلى الآخرة باقتناع تام منهم.
وفي التاريخ العربي والإسلامي الكثير من قصص ضحايا تأجير العقول بدءاً من الخوارج الذين سفكوا دماء المسلمين بقناعات إيمانية مزورة دُست في عقولهم من قبل بعض المستأجرين ومروراً بعصابة قلعة (آلموت) التي أسسها الحسن الصباح وهو مستأجر خطير للعقول المعطلة وسمي أتباعه لاحقاً بالحشاشين بعد أن جعل لهم جنة على الأرض يدخل فيها من يشاء ويمنع عنها من يشاء، وليس انتهاءً بضحايا الفكر الإرهابي الحديث وأتباعه من الفئة الضالة الذين أجروا عقولهم لأفكار سوداء معادية لجميع أشكال الوجود البشري في هذا العالم.