المصارف الإسلامية: حملات إعلانات بأسلوب غربي وقالب إسلامي
حين أطلق بنك HSBC عملياته المتخصصة في المصرفية الإسلامية في إندونيسيا في الشهر الماضي، اختار البنك القيام بحملة إعلانية هي بالتأكيد غير إسلامية.
بنك HSBC Amanah، وهو الذراع الإسلامية للمصرف البريطاني في إندونيسيا نشر إعلانات مطبوعة تظهر فيها صور النصب الوطني في جاكرتا، ومبنى الإمباير ستيت في نيويورك، ومبنى بيج بن في لندن. ولم يكن في الصور ما يشير إلى الأصول الإسلامية للإعلانات إلا الإطارات المنحنية التي تحيط بالرسوم والتي كانت ذات طابع شرق أوسطي، والتي صممتها شركة JWT المملوكة لمجموعة WPP.
وقال أجونج لاكسامانا، وهو ناطق باسم البنك في جاكرتا: "ليس من الضروري أن تكون عمليات المصرفية الإسلامية موجودة في مكة فقط، ونحن نحاول أن نبين أن هذا المنتج موجود في كل مكان".
وفي الوقت الذي تعمل فيه البنوك العالمية مثل بنك HSBC على توسعة شبكاتها العاملة في المصرفية الإسلامية، فإنها تختار التركيز على القدرة التنافسية لمنتجاتها مقارنة بالحسابات المصرفية التقليدية، وفي الوقت نفسه إبقاء المواصفات الإسلامية لهذه المنتجات في الخلف، والسبب في ذلك، كما يقول أهل البنوك، هو أن السوق المحتملة للزبائن المسلمين الذين لا يقبلون التعامل بالربا لأسباب دينية صرفة هي سوق صغيرة نسبياً، فيما عدا السعودية، التي لا توجد فيها حسابات توفير لأن الحكومة تلزم جميع البنوك بالالتزام بالأحكام الشرعية.
تقوم أعمال التمويل الإسلامي أي العمليات البنكية الملتزمة بالأحكام الشرعية، على التوفيق بين التمويل الحديث وبين تحريم التعامل بالربا الذي نص عليه القرآن الكريم. ويتلقى أصحاب حسابات التوفير الإسلامية وحاملو السندات الإسلامية أرباحهم من خلال ترتيبات في اقتسام الربح تحل محل الربا.
وأصبح التمويل الإسلامي، بفضل الطفرة النفطية في منطقة الخليج العربي، صناعة عالمية، تزدهر في بلدان مثل دبي والبحرين وماليزيا، حيث تُستثمَر أموال في حدود تريليون دولار في الموجودات المالية الإسلامية في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك القروض والسندات والاستثمارات الأخرى.
ويعتبر سوق المصرفية الإسلامية من الأسواق الصغيرة ولكنها في حالة توسع في إندونيسيا، وهي أكبر بلد إسلامي من حيث عدد السكان، حيث يقدر تعداد المسلمين فيها بنحو 215 مليون مسلم. وحتى تستفيد البنوك الدولية من هذه السوق، فإن البنوك التي تدير عمليات مصرفية إسلامية تابعة لها، مثل بنك HSBC، وبنك سيتي بانك التابع لمجموعة سيتي جروب، وبنك ستاندارد تشارترد، شكلت مجالس شرعية تتألف من فقهاء متخصصين لضمان أن تعمل الأقسام الإسلامية التابعة لها منتجات إسلامية تلتزم بالأحكام الشرعية.
ولكن معظم البنوك في حملاتها الإعلانية تركز الآن على أن تكون جذابة في أعين جمهور أوسع، بما في ذلك غير المسلمين.
يقول بيني ويتجاكسونو، الرئيس والمدير لبنك شريعة ميجا إندونيسيا، إن 20 في المائة فقط من الزبائن في إندونيسيا يتخلون عن التعامل بالربا بسبب ما يصفه بأنه أسباب دينية "عاطفية". وهو يقول إن معظم الزبائن "عقلانيون"، بمعنى أنهم لا يفتتحون حسابات إسلامية إلا إذا كان لها المردود نفسه أو مردود أفضل من الحسابات البنكية التقليدية.
وفي مسعى من بنك ميجا لتوسيع جمهوره، استخدم في حملته الإعلانية سوسي سوسانتي، وهي إندونيسية من أصل صيني فازت بالميدالية الذهبية لتنس الريشة في الألعاب الأولمبية التي عقدت في برشلونة في عام 1992. وفي أحد الإعلانات التلفزيونية تقول سوسانتي إنها تشعر الارتياح لأنها تمتلك حساباً مصرفياً إسلامياً لدى بنك ميجا.
ويقول محمود أبو شامة، المدير الإداري لبنك HSBC Amanah في إندونيسيا، إن أبحاث البنك تبين أن 50 في المائة من السوق المستهدفة، وهي الطبقة الوسطى المرفهة في إندونيسيا، يمكن أن تتجه للتعامل في الحسابات المصرفية الإسلامية إذا اعتقدت أن المردود هو في مستوى الحسابات التقليدية.
وأضاف: "نحن نهدف إلى أن نبين أن منتجاتنا منتجات تنافسية ولكنها كذلك تتفق مع الأحكام الشرعية".
وبالنسبة للوقت الحاضر تظل سوق التمويل الإسلامي صغيرة في إندونيسيا. ووفقاً لما يقوله أنانتو براتيكنو، من مؤسسة نيلسن لأبحاث وسائل الإعلام في إندونيسيا، فإن 5 في المائة فقط من إجمالي الودائع في النظام البنكي الإندونيسي موجودة في حسابات إسلامية.
وفي ماليزيا، حيث البنوك الإسلامية أو الأقسام المصرفية الإسلامية التابعة للبنوك التقليدية لا تشكل إلا 12 في المائة من إجمالي الموجودات البنكية، فإن الحملات الإعلانية تستهدف في الغالب أتباع الديانات الأخرى.
وقد افتتح بنك الراجحي، الذي يوجد مقره في السعودية، والذي يقول عن نفسه إنه أكبر مؤسسة مالية إسلامية في العالم، افتتح شبكة قوية من الفروع في ماليزيا في العام الماضي. وفي حين أنه لا يقدم خدمة حسابات التوفير في المملكة، إلا أنه بدأ بتقديمها في ماليزيا. وبصورة غير مباشرة تتحدث الحملة الإعلانية لبنك الراجحي، التي أنتجتها شركة McCann Worldgroup، عن قيم دينية عامة. ذلك أن شعار البنك هو: "قيم الحقيقة. الشرف. الاحترام. العدل".
ولكن، كما يقول طوني سافاريموثو، كبير التنفيذيين المحلي لشركة ماكان، فإن البنك يبذل جهداً كبيراً ليجتذب غير المسلمين، الذين يشكلون 52 في المائة من الزبائن في ماليزيا. على سبيل المثال فإن أحد الإعلانات يصور مجموعة من الأفراد من أعراق مختلفة وهم يمارسون ألعاب الجودو والكاراتيه، وهي رياضة شائعة بصورة تقليدية بين أفراد الأقلية الصينية في ماليزيا.
ومع ذلك فإن هذا النهج ليس متبعاً من قبل جميع البنوك. فمثلاً فإن بنك المعاملات، الذي يمتلك 1600 فرع ويتمتع بأكبر شبكة مصرفية إسلامية في إندونيسيا، فإنه يستخدم أسلوباً مباشراً في حملته التسويقية.
في أحد الإعلانات التي نشرها بنك المعاملات نرى سمكة صغيرة تقفز من حوض قذر مليء بالأسماك إلى حوض آخر نظيف. يقول الشعار المرفق بالإعلان: "فلنحرر الأمة من ظلام الدفعات الربوية".
عن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية.