بحثا عن رؤية مشتركة

بحثا عن رؤية مشتركة

بحثا عن رؤية مشتركة

كلمة واحدة تلخص وضع السوق النفطية خاصة في جانبها السعري خلال الربع الأول من هذا العام: التقلبات.
ففي أيام عديدة كان سعر البرميل يصعد أو ينخفض خمس دولارات في اليوم، وهو رقم كان ينبغي أن يفرض نفسه على العناوين الرئيسية في وسائل الإعلام إشارة إلى قفزة أو تدهور كما كان يحدث سابقا، لكن بما أن الأسعار في حدود 100 دولار، فإن التحرك يبدو محتملا، خاصة والاتجاه العام للأسعار إلى أعلى. فقد وصل سعر البرميل من خام ويست تكساس إلى 111.80 دولار للبرميل، وسلة أوبك إلى 102.88 دولار، وهو أعلى رقم يصله قبل أن يبدأ رحلة التراجع.
إلى أي مدى سيتسمر هذا التقلب خلال الربع الثاني من العام أو خلال العام كله؟ وما النظرة والتوقعات على المدى القصير؟ الإجابة تبدو غائبة على كل صعيد، فأي تحليل لتحركات سعر البرميل أصبحت تستند إلى حد كبير إلى الوضع في الأسواق المالية، وهذه سوق متقلبة تتحرك بفعل عوامل خارج نطاق أساسيات السوق النفطية مثل اقتراب الاقتصاد الأمريكي من مرحلة الكساد، الضعف المريع للدولار، وانعكاس أي تراجع في قيمته مقابل العملات الأخرى على سعر البرميل، وفوق هذا كله المعاملات المستقبلية ومحاولات التحوط هنا وهناك.
لكن إلى جانب هذا هناك الضباب الذي يحيط بوضع الطلب والإمدادات، فالكثير من المستهلكين بقيادة الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة يضغطون في اتجاه أن يقوم الأعضاء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) بضخ المزيد، علما أنه في الوقت الحالي لا يوجد شح في الإمدادات ولم يفشل أي تاجر قط في الحصول على أية كمية من النفط يحتاج إليها، لكن التخوف مستقبلي. وهذا ما يعيد إلى دائرة الاهتمام قضيتان أساسيتان: تقدير حجم الطلب الذي سيتم على أساسه بناء الطاقة الإنتاجية القادرة على تلبية هذا الطلب، وكيفية وضع كل هذا في شكل خطط قابلة للتنفيذ ومن ثم القدرة على تلبية احتياجات الأسواق المتنامية.
ففي الوقت الذي تقدر فيه منظمة "أوبك" أن يبلغ النمو في الطلب هذا العام 1.2 مليون برميل يوميا، فإن الوكالة الدولية للطاقة ترفع الرقم إلى 1.7 مليون، علما أن التقديرات تكاد تتفق أن الإمدادات المتوقع توفيرها من قبل المنتجين من خارج "أوبك" تبلغ 900 ألف برميل يوميا. وهذا ما يعيد طرح القضية الخاصة بالأرقام وكيفية الوصول إليها.
وحتى إذا تم حسم هذا الجانب، فإن السؤال ينتقل تلقائيا إلى نوع وحجم الاستثمارات المطلوبة لتمويل التوسعة المنتظرة فيما يتعلق بالطاقة الإنتاجية، وهذا ما يعيد إلى الواجهة مرة أخرى حالة التقلبات التي تعيشها السوق المالية. فأحد أسباب الارتفاع الحالي في سعر البرميل ارتباطها بالأسواق المستقبلية.
على أن المفارقة أنه في الوقت الذي يتزايد فيه ارتباط السوق النفطية بالحركة المستقبلية يبدو كل الاهتمام والتحركات محكومة بأفق قصير الأمد من ناحية ومن تجارب سابقة في مجال توسيع الطاقة الإنتاجية لم تكن كلها خيرا على المنتجين.
فجانب السوق المحكوم بالشركات النفطية الخاصة يظل مهتما بحملة الأسهم وأحيانا كثيرة بالنتائج ربع السنوية، رغم أن الصناعة بطبيعتها خاصة في الجانب الاستثماري تتطلب ممارسة بعيدة الأمد. لكن الشركات لا تغامر بأموال حملة الأسهم والاستثمار في مستقبل غامض، وهذا أحد الأسباب التي تدفع بالمستهلكين الطلب إلى المنتجين سد الفجوة من خلال رفع طاقاتهم الإنتاجية.
وهناك أيضا التجارب الخاصة بالعديد من الدول المنتجة التي ضخت استثمارات ضخمة لرفع الطاقة الإنتاجية لتفاجأ بتراجع الطلب ومن ثم تشكيل ضغط هائل على هيكل الأسعار. ومعروف أنه كلما توافرت طاقة إنتاجية فائضة شكلت ضغطا على سعر البرميل، إذ تتجه الدول المنتجة إلى ضخ المزيد من الإمدادات للتعويض عن تراجع السعر، وتسهم الخطوة في حد ذاتها في تراجع سعري جديد يجعل الأمور تدور في دائرة مفرغة.
هل يمكن في مثل هذه الظروف العودة إلى المطالبات القديمة والمزمنة القائلة بحوار بين المنتجين والمستهلكين تنضم إليه الشركات وقضاء شيء من الوقت والتفكير فيما يمكن أن يحمله المستقبل البعيد والتخطيط لذلك؟ فحتى إشعار آخر يبدو ذلك الغائب الأعظم. وهو غياب يبدو في شكل مفارقة، إذ تتحرك أسعار اليوم بما يمكن أن يكون عليه الوضع مستقبلا، بينما وضع العرض والطلب يتحرك في المناخ الحالي.
المحاولات السابقة للقيام بهذا الحوار المأمول لم تحقق نجاحا يذكر، لكن ترسيخ القناعة أن السوق والصناعة عموما لم تعد تتحرك من قبل طرف واحد، تجعل من الضروري تكرار المحاولة على الأقل لتبديد حالة الضباب المنتشرة حاليا والتوصل إلى رؤية مشتركة يمكن التحرك على هديها حتى بصورة منفردة.

[email protected]

الأكثر قراءة