الهيئة العليا للتطوير تعيد صياغة مستقبل الرياض في مخطط استراتيجي لـ 50 عاما مقبلة
مرت العاصمة ( الرياض) بأولى تجارب التخطيط الاستراتيجي في المخطط التوجيهي الأول (مخطط دوكسيادس) الذي شكل المحاولة الأولى لضبط نمو مدينة الرياض السريع، في مرحلة الثمانينيات وبداية التسعينيات الهجرية، إلا أنه في الوقت الذي أنجزت فيه وثائق المخطط كان نمو مدينة الرياض قد بدأ يتجاوز حدوده المكانية العمرانية، وتوقعاته السكانية، وتوقعاته لمعدلات النمو في الجوانب الاقتصادية، والمجالات الحضرية الأخرى، كان ذلك نتيجة لعدم توافر الدراسات الكافية، والخلفيات المعلوماتية، وآليات التحديث، وآليات التنفيذ والتنسيق، وافتقاره القدرة على الاستجابة للمتغيرات.
في هذه الحلقة نسلط الأضواء على التجارب السابقة لعملية التخطيط الحضري في مدينة الرياض ودور الهيئة العليا في إعادة صياغة مستقبل الرياض:
لم يكن هناك مخطط ينظم عملية التنمية في مدينة الرياض، وكانت التنمية الحضرية انعكاسا مباشرا للقرارات الحضرية التي تم اتخاذها في ذلك الحين (الملز، المطار القديم .. إلخ)، إلا أن الجهات التخطيطية أدركت بسرعة أهمية وضع ضوابط لعملية التنمية الحضرية حيث تم إعداد المخطط التوجيهي الأول لمدينة الرياض (مخطط دوكسيادس) وتم اعتماد هذا المخطط في عام 1394هـ، وقد اعتمدت فكرة هذا المخطط على نمو شريطي محاذ لوادي حنيفة من جهة الغرب ومواز إلى حد ما لحوض السلي من جهة الشرق وكانت الوحدة التخطيطية مربعات بحجم 4 كيلو مترات.
أولى التجارب
في عام 1388هـ كلفت الحكومة السعودية (ممثلة في وزارة الداخلية لشؤون البلديات) مؤسسة دوكسيادس الاستشارية اليونانية Doxiadis Associates Consultants on Development Ekisities بعمل دراسات لاحتياجات مدينة الرياض، ووضع المخططات والتقارير اللازمة لتنظيم تطويرها. ثم شرعت شركة ( دوكسيادس) مباشرة في العام نفسه بعمل دراسات شاملة للوضع الراهن لمدينة الرياض، وقد شملت المسوحات والدراسات التي قامت بها جوانب متعددة أهمها: دراسات حركة الطرق والمرافق والخدمات والوضع السكاني والاقتصادي والمظاهر الطبيعية ونوع المساكن وحالتها، ووضع الإسكان واستعمالات الأراضي وغيرها، وبناء على هذه الدراسات تم إعداد المخطط ليغطي التنمية العمرانية في المدينة لفترة ثلاثين عاماً (1390-1420هـ) وقد تضمن المخطط توقعات مستقبلية لحجم المدينة المكاني والسكاني وتبع ذلك توقعات لنوع الخدمات العامة وحجمها (مدارس - بريد - شرطة - دفاع مدني - حدائق - عيادات ومستشفيات وغيرها) ولنوع المرافق العامة وحجمها (ماء - كهرباء - هاتف - صرف صحي - تصريف سيول - طرق) وقد ضمن ذلك في خطط تفصيلية وتنفيذية، والتي على أساسها يتم توفير متطلبات التنمية العمرانية والسكانية المتوقعة واحتواؤها خلال فترة الثلاثين عاماً.
المخطط التوجيهي الثاني
في أقل من عقد واحد تجاوزت التنمية الحضرية حدود المخطط الأول وذلك بسبب الطفرة الاقتصادية التي شهدتها المملكة والزيادة الكبيرة في الإنفاق الحكومي وارتفاع دخل الفرد ووصلت سرعة التطوير الحضري إلى مستويات لم يسبق لها مثيل، كما تم تخطيط وتقسيم مساحات كبيرة من الأراضي خارج حدود المخطط مما دعا الجهات المسؤولة عن التطوير وضع المخطط التوجيهي الثاني لمدينة الرياض (مخطط شركة ست) الذي اكتمل العمل فيه عام 1401هـ، وقد حاول هذا المخطط الاعتماد على فكرة مخطط شركة (دوكسيادس) والانطلاق منها للمناطق الأخرى ولكن وفي غضون أقل من عقد واحد أيضا تجاوزت التنمية الحضرية حدود هذا المخطط، مما يعني أن كلا المخططين أديا دوريهما لكن تسارع متغيرات التنمية الحضرية والنمو السريع في مدينة الرياض كانت أكبر من المتوقع.
اعتماد الهيئة العليا
لسرعة التنمية والتسارع في خطى التقدم الحضاري في الرياض وتزايد السكان المطرد. كان لابد من وجود جهة متخصصة ذات كفاءة عالية تجمع بين القدرة على معرفة الاحتياجات وفق معايير علمية ودراسات متخصصة، وقدرة على الابتكار وبعد النظر، وكذلك لتكون هذه الجهة مظلة تنضوى تحتها كل الوزارات والإدارات المتعلقة بالتنمية من أجل رسم وتنفيذ الخطط اللازمة لتطوير العاصمة. فكان قرار إنشاء الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، وقد تم اعتمادها من مجلس الوزراء بالقرار رقم 175 في عام 1409هـ، وفي عام 1414هـ. واعتمدت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض سياسات وضوابط للأراضي الواقعة بين حدود حماية التنمية بالإضافة إلى تقسيم المرحلة الثانية من النطاق العمراني إلى مرحلتين إحداهما لاستيعاب النمو من عام 1415هـ إلى عام 1420هـ والثانية لاستيعاب النمو من سنة 1420هـ إلى عام 1425هـ، وبنهاية المرحلة الزمنية الأولى للنطاق العمراني (1415 هـ) كانت التنمية العمرانية في المدينة قد غطت معظم أجراء المرحلة الأولى من النطاق العمراني والذي تتجاوز مساحته 632 كيلو مترا، مع تقلص نسبة الأراضي الفضاء، من نحو 50 في المائة إلى أقل من 30 في المائة.
تبنت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، ومن منطلق مسؤوليتها عن التخطيط والتطوير الشامل للمدينة، إعداد مخطط استراتيجي شامل للمدينة يهدف إلى إعداد خطة بعيدة المدى لقيادة وتوجيه التنمية الحضرية المستقبلية لمدينة الرياض، ووضع التصورات لمستقبل المدينة ومعالجة مختلف قضايا التنمية التي تواجهها المدينة في الوقت الحاضر وعلى مدى العقدين المقبلين.
المخطط الاستراتيجي – خطوات العمل مراحل العمل
قامت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بالعمل على هذا المشروع، حيث تم إعداد خطة مرجعية لهذا العمل وذلك على النحو التالي:
فريق العمل
تم تكوين فريق عمل يمثل جميع التخصصات من مختلف الإدارات بالهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، يساندهم فريق استشاري مختص من الخبرة المحلية والعالمية، حيث يتم العمل في مقر الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض.
منهج العمل
استند العمل في هذا المشروع إلى المنهج والذي يعتمد على ما يلي:
المعلومات الحديثة والمتنوعة المتعلقة بجميع القطاعات المختلفة في المدينة والمتوافرة لدى مركز المشاريع والتخطيط بالهيئة أو لدى الجهات الحكومية الأخرى
التوقعات المستقبلية للنمو
الاعتماد على الكوادر الوطنية مع زيادة صقلها بالتدريب سواء على رأس العمل أو مؤسسات علمية ومهنية داخل المملكة وخارجها للاستزادة في مجالات التخطيط الاستراتيجي وكذلك الاستفادة من الخبرات المحلية من خارج المركز سواء من القطاعات الحكومية أو الأكاديمية أو الأهلية والاستفادة من بيوت الخبرة المحلية والعلمية.
التخطيط الاستراتيجي
الاطلاع على نماذج مختارة من خبرات بعض المدن العالمية قي مجال التخطيط الاستراتيجي والاستفادة من التقنيات المستخدمة في هذه المدن.
المناقشة والتشاور مع جميع الجهات والفئات ذات العلاقة بجوانب عمل هذا المخطط وذلك من خلال:
المخطط الاستراتيجي – سير العمل
قبل الشروع في صياغة مستقبل المدينة كان لابد من وضع تحليل للوضع الراهن للمدينة، وتحديد القضايا الحرجة التي تواجهها المدينة في المستقبل، ووضع تصور أولي لمستقبل المدينة، وقد خصص لهذا الجانب مرحلة كاملة وقد تم تضمين نواتج هذه المرحلة في عشرين تقريرا، تغطي الموضوعات التالية:
الخصائص الاجتماعية لمدينة الرياض والمنظور الاقتصادي واستعمالات الأراضي والشكل والهيكل العمراني وتحديد مناطق الدراسات التفصيلية و التطوير الصناعي والمصادر البيئية والخدمات العامة والمناطق المفتوحة والإطار الإقليمي والمرافق العامة والنقل والمواصلات و الإنسان والعمران ومواصفات نظام المعلومات والأنظمة والتشريعات الحالية ونظم العمران والأنظمة التخطيطية المقترحة والهياكل التنظيمية
الرؤية المستقبلية للمدينة الرياض
تم تضمين نواتج الجزء الأول في سبعة تقارير تمثل أساس العمل في الأجزاء اللاحقة، وهي مراجعة نتائج المرحلة السابقة:
الأهداف والغايات والخصائص الاجتماعية والثقافية للبيئة العمرانية وتوقعات المحددات البيئية والاقتصادية والتوقعات السكانية والمعايير التخطيطية.
ونضمن العمل في الجزء الثاني من هذه المرحلة من خلال وضع البدائل الاستراتيجية للتطور الحضري لمستقبل مدينة الرياض خلال الـ 25 سنة المقبلة، واختيار البديل الاستراتيجي المفضل، وقد مر العمل خلال هذا الجزء بالعديد من الخطوات التسلسلية، والتي بدأت باستشراف الملامح الرئيسية للأوضاع المستقبلية للمدينة، فظل استمرار السياسات الحالية بدون تغيير وعدم وجود مخطط استراتيجي شامل للمدينة، ثم وضع الخيارات الاستراتيجية المستقبلية على مستوى قطاعات التنمية المختلفة (الاقتصاد، وبيئة المرافق العامة، النقل، الشكل، والهياكل العمرانية للإدارة الحضرية)، حيث جرى عمل التكامل بين تلك الخيارات وتقييمها وذلك للخروج بالخيارات المفضلة في القطاعات، ودمج الخيارات القطاعية المفضلة في بدائل استراتيجية تتناسب مع الرؤية المستقبلية والأهداف والغايات الموضوعة.
ويتناول الجزء الثالث إعداد الإطار الاستراتيجي للمدينة بصورته النهائية، حيث اشتمل على:
إعداد مخطط هيكلي للمدينة يعكس الجوانب الميكانيكية أو الكيفية الاستراتيجية المفضلة خلال الخمسة وعشرين عاما المقبلة؛ بل يمتد إلى 50 سنة مقبلة. والذي يعتمد على المخطط الهيكلي المبدئي المطور في الجزء الثاني ويشتمل على تقارير وخرائط توضح استعمالات الأراضي ومواقع الخدمات العامة ومراكز العمل الرئيسية وشبكة الطرق الحالية والمقترحة، وتوزيع شبكات المرافق العامة والمناطق المفتوحة بالإضافة إلى المناطق الخاضعة للتخطيط والتطوير الخاص.
والمرحلة الأخيرة من مشروع المخطط الاستراتيجي الشامل، يتم خلاله إعداد الآليات لتنفيذ المخطط، وما تشتمل عليه من أنظمة وإجراءات تنفيذية وآليات لمراجعة المخطط وتحديثه، ووضع البرامج التنفيذية اللازمة والإجراءات المتعلقة بإدارة المدينة من جميع جوانب التخطيط وتطوير بعض الضوابط والتنظيمات والإجراءات المتعلقة بإدارة المدينة.
(الحلقة الرابعة: مستقبل العاصمة في سبعة محاور)