تجارنا .. مفترون أم مفترى عليهم؟

[email protected]

المستهلك الذي لا حول له ولا قوة إلا بالله، وهو يقف عاجزا ومسلما بقضاء الله وقدره تجاه هذا الغلاء الذي ضربنا في كل بنان، لا يجادل ولايناقش في أنه حالة عالمية وليس فقط محلية بحيث لم تسلم منه دولة واحدة، ولكنه يجادل ويناقش في بعض مظاهر الاستغلال وركوب موجة الغلاء لجني وتحقيق الأرباح والمكاسب غير المشروعة باسم الغلاء وتحت غطائه من قبل صنف من التجار وجدوا في الغلاء فرصة لتلاعب يؤمن لهم مزيدا من الكسب بطرق يرون فيها شطارة وذكاء ويصفها الدين والقانون بالاستغلال والسرقة بدافع الجشع.
وبسبب هذه التصرفات من قبل هذه الفئة، توجهت أصابع الاتهام للتجار، بسبب تحلل منتمين إليهم من شرف الصنعة ومتطفلة على طبقة التجار الحقيقيين والأصليين الذين حصنهم انتماؤهم لبيوت تجارة عريقة من ناحية وما أعطاهم الله من خير من ناحية أخرى يغنيهم عن سرقة عباد الله بمثل هذه الأساليب الجشعة أن تهبط أخلاقياتهم التجارية وتموت ضمائرهم الوطنية والإنسانية لامتصاص مكاسب غير مشروعة من خلق الله. أقول توجهت أصابع الاتهام للتجار على أنهم فعلا استغلوا موجة الغلاء فافتروا بالمستهلكين من خلال التلاعب بالمعروض من أجل بقاء الأسعار مرتفعة ومنع انخفاضها لتحويل هامش الفرق بين سعر التكلفة وسعر البيع لمكاسب تدخل جيوبهم بغير وجه حق بدلا من أن توافر على المستهلك وتخفف عنه شيئا من وطأة الغلاء، وهذا ليس خفيا على أحد، فكم نشرت الصحف وصدرت البيانات التي تكشف فيها مثل هذا التلاعب الجاري، ومثال ذلك ما نشر في "الاقتصادية" بتاريخ 17/8 الماضي، مما وصف بتلاعب بعض المتعاملين، ويقصد بهم الموزعون، في بيع الأدوية وحليب الأطفال في السعودية من خلال تقليل المعروض من حليب الأطفال في السوق واقتصاد البيع على كميات قليلة حتى يظل الطلب أكثر من العرض بهدف إبقاء السعر مرتفعا، وإذا عرف السبب بطل العجب، فقد لجأ هؤلاء المتعاملون لخفض المعروض حتى لا يؤدي الدعم الحكومي للحليب إلى خفض السعر وحتى يستفيدوا هم من الفارق وليس المستهلك..! وهذا الأسلوب هو الذي درجت عليه هذه الفئة من التجار والتي تسيء لصورة التجارة وعموم التجار في بلادنا، وهو ما تكرر في حالات كثيرة ومع سلع عديدة بالقطع، فحديد التسليح مثلا تعرض لهذا التلاعب حين قام عدد من الموزعين بإخفاء أطنان الحديد في مخازن بعيدة عن الأعين وعرضه بكميات قليلة حتى يبقى سعره مرتفعا من ناحية، وحتى تكون هناك فرصة للحصول على أعلى الأسعار من ناحية أخرى، وفي كل الحالات يلجأ إلى هذه الأساليب لرفع معدل المكاسب والأرباح على حساب السعر الحقيقي للسلعة وعلى حساب المستهلك المثقل بالغلاء المرهق.
نقدر ولا شك أنه معظم أسباب الغلاء خارجة عن إرادتنا تجارا ومستهلكين، فهو ظاهرة عالمية، كما نعرف، إلا أن جزءا منه محلي حين يستغل بعض ضعفاء النفوس من تجار وخاصة منهم الموزعون بحجة الغلاء للتلاعب بالمعروض بتقليله في منافذ البيع، وهذه الأساليب التجارية غير المشروعة هي التي أسهمت ببقاء الغلاء بل ومضاعفته وليس أمام نصب جيوبهم، إلا توسيع مجال مكاسبهم على حساب المستهلك الذي لا يملك معلومة عن سعر التكلفة الحقيقية ولا مساحة الربح المقرر نظاما، فوسط موجة الغلاء اختلط نابل الجشع بحابل حاجة المستهلك، ونتج عن ذلك عدم استفادة المستهلك من جهد الدولة الصادق بالتخفيف عليه عبر برامج الدعم الحكومي وإن كان محدودا من خفض تكلفة تلك السلع المدعومة، كما حدث مع حليب الأطفال والأرز حين تبخر الدعم تحت نار ارتفاع أسعار عرفنا بأن بعضها تم التلاعب فيه بالطرق التي أشرنا إليها.
والآن.. هل يمكننا القول إن التجار مفترون على المستهلكين، أم مفترى عليهم..؟ لا نريد هنا التعميم، فلا شك في أن هناك تجارا نزيهين من هذه التهمة، ولكن المشكلة هي مع تلك الفئة التي استغلت موجة الغلاء بجشع واضح ومعلن، وأزعم بأنها أساءت لسمعة التجار بعمومهم، وأضرب بذلك مثل أحد مصنعي حديد التسليح في تصريح له في هذه الجريدة قبل شهرين تقريبا عندما حمل استمرار أزمة سعره للموزعين، ولن نستغرب ذلك لكون معظمهم وافدين سلموا هذه التجارة فكان همهم الأوحد هو جني المكاسب دون الاهتمام بالمصلحة العامة من ناحية، ومن ناحية أخرى عدم فاعلية الرقابة على الأسواق بسبب ضعف العقوبات التي لا تذهب لأكثر من إنذار وغرامة لا تمثل عقوبة رادعة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي