محمد سالم بن محفوظ الذي عرفته
لم تعجزني الكلمات عندما غاب الكثيرون من رجال أعمال مجتمعنا، مثلما أعجزتني اليوم في رثاء رجل الأعمال محمد بن سالم بن محفوظ ، قائد من قيادات الصناعة المصرفية السعودية، ورئيس مجلس الإدارة واللجنة التنفيذية في الشركة السعودية للاقتصاد والتنمية (سدكو).
لقد حظيت بفرصة التعامل مع المغفور له - بإذن الله - محمد سالم بن محفوظ كأحد رجالات الاقتصاد السعودي، من خلال عدة مواقع ومواقف.
الموقع الأول بحكم موقعي كأستاذ بقسم إدارة الأعمال في جامعة الملك عبد العزيز، عندما كنت أتابع قصص نجاحات الشخصيات التي جمعت بين حسن الإدارة والقيادة، على المستويين المحلي والدولي، بهدف نقل تجارب وقصص هذه الشخصيات لطلابي.
لقد أبهرني كثيرا ما كان يتردد على لسان قيادات البنك الأهلي التجاري، الذين وصفوا هذا الرجل بأنه كان قائدا تحويليا في قيادة أكبر البنوك في الشرق الأوسط، والذي استطاع تحويل هذا البنك إلى مصاف أفضل البنوك في العالم.
لمست من خلال فضولي وتقصي الحقائق عن شخصيته الإدارية والقيادية، أنه كان مدرسة فريدة، تؤمن برؤية استراتيجية مستقبلية، تركز على رأس المال البشري وضرورة تنميته.
مدرسة تؤمن ببناء ثقافة عمل تحفيزية، تركز على الإنجاز، واختيار أفضل المديرين والاستشاريين، وتطبيق أفضل ممارسات حوكمة الشركات والعمل المؤسسي.
ما زلت أذكر مقابلتي في جامعة الملك عبد العزيز لأستاذ إدارة الأعمال في جامعة هارفارد الدكتور سامويل هايز، الذي كان يقوم بإعداد دراسة وكتاب عن التمويل والاستثمار الاسلامي، أخبرني بأن هذه الدراسة تحظى باهتمام ودعم وتمويل من محمد بن محفوظ. وقتها تكشف لي بعد نظره، وعمق فكره، عندما استقطب أحد أفضل المتخصصين في العالم في الصناعة المصرفية لتناول هذا الموضوع بالدراسة والبحث، حتى يحظى موضوع التمويل والاستثمار الإسلامي بالجدية والمصداقية دوليا.
الموقع الثاني : عندما كنت عميدا لكلية الاقتصاد والادارة في جامعة الملك عبد العزيز، وكان رئيسا للبنك الأهلي التجاري. كنت وزملائي في الكلية نتطلع لتطوير الكلية، وتوفير العديد من البرامج والتجهيزات المهمة التي تكفل تخريج طلاب كلية الاقتصاد والإدارة بمهارات أفضل تتلاءم وواقع بيئة العمل المتجددة، التي تتطلب استخدام أحدث التجهيزات والبرامج في الإدارة. ولمعرفتنا عن الفقيد حبه تشجيع العلم، والإسهام في المشاريع والأعمال الخيرية، سعينا إليه عارضين عليه فكرة التبرع لتوفير بعض متطلبات مشروع التطوير. تبنى كامل المشروع وكان في قمة سعادته، رحمه الله.
الموقع الثالث: عندما عملت معه في شركة سدكو كمستشار، ثم كعضو منتدب لمجموعة الاستثمارات المالية. وقتها اقتربت منه كثيرا، وكانت لي معه العديد من الذكريات، وتأملت قدرته على الإبقاء على منظور المدى الطويل مع إلهام المحيطين به، والتأثير فيهم بخصائص جاذبية شخصيته. كان يعجبني فيه إحساسه القوي بالمسؤولية الاجتماعية، وأهمية مشاركة القطاع الخاص في تنمية المجتمع. كان يتمتع بثقة ذاتية عالية، مقتنعا بمبادئ وأخلاقيات عمل تركز على بناء حضارة وبيئة عمل، تؤمن بتطبيق أفضل ممارسات حوكمة المؤسسات.
كان قائدا تحويليا أخلاقيا، يتعامل مع حاجات حقيقية، وصاحب قيم وقناعات واضحة وقوية، وذا مصداقية عالية في العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية.
لقد تحولت شركة سدكو التي تولى مسؤولية قيادتها إلى فريق عمل يعكس مدرسة حضارية في أساليب العمل، وإدارة الاستثمار المؤسسي. كان قائدا إنسانيا في أعمال الخير والتواصل، والحرص على المشاركات الاجتماعية، حتى قال أكثر من عرفوه عن كثب: بأنه الرجل الذي تغلبت فيه صفات الإنسان على صفات رجل الأعمال، كان صوتا متفردا في العمل الخيري التطوعي، شخصية تأسر بألفتها، وبعفويتها وتلقائيتها من حولها. شخصية فذة مثل هذه لا تتكرر كثيرا بين رجال الأعمال.
لقد ترك محمد بن سالم بن محفوظ سجلا واضحا في صفحات عمل الخير نظرا لما كان يتمتع به الراحل من مواقف شجاعة وصادقة وغيورة على وطنها وأمتها، لا تنبع إلا من وجدان رجل أعمال آمن بأن الحياة رسالة وأمانة في عنقه.
يذكر أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى إذا أحب عبدا نادى جبريل، إن الله يحب فلان فأحبه، فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلانا فأحبوه، فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.