الرياض.. أكبر واحة عمرانية وسط الصحراء على وجه الأرض تسابق الزمن في التطور

الرياض.. أكبر واحة عمرانية وسط الصحراء على وجه الأرض تسابق الزمن في التطور

تُشير المراجع التاريخية، والدلائل الأثرية إلى تواصل الازدهار الحضاري في موقع مدينة الرياض منذ العصور الغابرة..
فقد شهد موقع الرياض الحالي وجودا بشريا منذ نحو ربع مليون سنة، أما أقدم ذكر لموقع الرياض في المصادر التاريخية فيرجع لعام 715 قبل الميلاد في سياق ذكر مدينة حجر عاصمة إقليم اليمامة الذي كان يضم العارض والخرج والحوطة والحريق والأفلاج وسدير والمحمل.
غير أن مدينة حجر فقدت قيمتها في القرن العاشر الهجري، وتناثرت إلى قرى صغيرة. كالعود والبنيه و معكال و الصليعاء و جبرة. وجميعها مواقع معروفة يمكن تحديدها في الرياض الحديثة.
وقد عادت الرياض إلى البروز في القرن الثاني عشر الهجري أو بداية الدولة السعودية الأولى، وتشير المراجع التاريخية إلى أن اسم الرياض شمل في ذلك التاريخ على جميع ما تبقى من مواقع حضرية في مدينة حجر، وما حولها من أرض، وما يتخللها من بساتين.
وقد بنيت أسوار الرياض وقصر الحكم أثناء فترة حكم دهام بن دواس، حيث كانت تلك التحصينات في إطار مقاومة حملات الدولة السعودية الأولى بقيادة الإمام محمد بن سعود لبسط سيطرته على الرياض. وبعد عدة معارك دخلت الرياض تحت لواء الدولة السعودية الأولى عام 1187هـ في عهد الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود.. وحتى عام 1233هـ ظلت ضمن حدودها العمرانية ولم تشهد نموا كبيرا.
وفي عام 1239هـ اتخذها الإمام تركي بن عبد الله قاعدة للدولة السعودية الثانية.
وكانت أبرز أعمال الإمام تركي الحضارية في المدينة : إعادة بناء قصر الحكم والجامع الكبير وترميم أسوار المدينة وتواصل الاستقرار السياسي، والرخاء في عهد الإمام فيصل بن تركي.
وقد وثق الرحالة بلجريف في زيارته إلى الرياض عام 1387هـ عمرانها بالخريطة التي رسمها ووصفه الدقيق لأحيائها في ذلك الوقت. فكانت الرياض آنذاك تتكون من أربعة أحياء. ويحيط بها سور طيني راوح ارتفاعه بين 7و8 أمتار وعليه 13 بوابة.
غير أن عمران المدينة واستقرارها السياسي والأمني تعرض للتدهور بعد وفاة الإمام فيصل بن تركي، وفقدت المدينة كثيرا من نظامها، واندثرت بعض منشآتها العامة ومنها الأسوار. حتى عام 1319هـ وبزوغ فجر جديد بدخول الملك عبد العزيز الرياض.
فجر النهضة الكبرى
بدأت النهضة الكبرى التي تعيشها الرياض اليوم مسيرتها فجر الخامس من شوال عام 1319هـ على يد الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه...
وبدأت الرياض تخرج من أسوارها، وتنطلق خارج القوقعة العمرانية والاجتماعية حتى بلغت مساحتها 8.5 كيلو متر مربع، وفاق عدد سكانها الـ 80 ألف نسمة نهاية الستينيات الهجرية...
وفي عام 1374هـ الذي شهد تعيين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أميراً لمنطقة الرياض، أخذت المدينة تتسع وتنمو بمتابعته الدقيقة و اليومية.
ودخلت الرياض مع توليه إمارة المنطقة، مرحلة التخطيط الشامل و الموجه، ففي عام 1388هـ أعد المخطط التوجيهي الأول لمدينة الرياض، وحدد مداه الزمني بثلاثين عاماً ويغطي نموها حتى عام 1420هـ، وافترض أن مساحة المدينة في ذلك العام لن تتجاوز 304 كيلو مترات مربعة وعدد سكان لن يتجاوز 1.4 مليون نسمة.
وبدا في السنوات التي تلت اعتماد المخطط التوجيهي الأول عدم قدرته على مواكبة العمران و النمو السكاني المتصاعد في المدينة.

البداية

لمواكبة ذلك التطور الهائل و السريع أنشئت الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض عام 1394هـ لتسهم في رسم السياسات العليا لتطوير المدينة، وتضع الخطط الشاملة والبرامج التطويرية الزمنية وتحديثها....
وقد تزامن إنشاء الهيئة مع بداية الطفرة الاقتصادية التي مرت بها المملكة آنذاك، مما دفع إلى تضاعف النشاطات الاقتصادية بجميع قطاعاتها، وزيادة الطلب على القوى العاملة، وبدأت الهجرات الداخلية و الخارجية لسد هذا الاحتياج، حيث بلغ عدد السكان بنهاية فترة التسعينيات الهجرية، المليون نسمة وفاقت مساحة الرياض العمرانية 230 كيلو مترا مربعا.
لذلك بدأ العمل على إعداد المخطط التوجيهي الثاني، وحدد مداه الزمني بعشرة أعوام حتى 1410هـ.
كانت الهيئة تتابع نمو المدينة أولاً بأول، وعندما تيقنت أن ظروف النمو تتجاوز توقعات المخططات الموضوعة، تولد الاقتناع لدى الهيئة بضرورة تأسيس جهاز فني تنفيذي، فأنشئ مركز المشاريع و التخطيط بالهيئة عام 1403هـ.
ومع إنشائه وسعت الهيئة العليا مفهومها التطويري لتتبنى مفهوم التطوير الشامل للمدينة الذي ينظر إلى جميع قضايا التنمية الحضرية، وأعدت المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض الذي يشخص واقع المدينة بدقة، ويقيس احتياجاتها المستقبلية، ويقود نموها من خلال جهود جميع الجهات العاملة في المدينة وفق برامج تنفيذية دقيقة.

رؤية مستقبلية لل 50 عاماً المقبلة

تكمن أهمية الرؤية المستقبلية لمدينة الرياض في تحديد ماهية الآمال والتوجهات للمدينة في المستقبل بهدف الوصول بمستواها في مختلف المجالات إلى أرقى النتائج وأكثرها إرضاء ونفعاً للأجيال المقبلة، وذلك من خلال تحقيق مبدأ الاستدامة في تخطيط وبناء مدينة المستقبل كواحة جميلة وسط الصحراء توفر الرفاهية، ورغد العيش لأجيال الحاضر والمستقبل في ظل مبادئ الدين الإسلامي الحنيف. فمن المؤكد أن مستقبل المدينة خلال الخمسين عاماً المقبلة لن يكون كما هو عليه الآن نظراً لكون المدينة جزءا من عالم متغير، وتعيش مرحلة نمو سريعة في عالم واسع الابتكارات والتطور، الأمر الذي سيؤثر بالضرورة في مستقبل المدينة كأي مدينة أخرى على وجه الأرض، ويستوجب بالضرورة أن يشتمل التخطيط للمستقبل على خيارات عديدة حول الطريقة التي يرغب أن يعيش بها سكان الرياض والفرص الاقتصادية والوظيفية والتعليمية المتاحة لهم وكيفية التعامل مع البيئة والطبيعة المحيطة بهم وفرص تحسين أوضاعهم المعيشية والاستمتاع بالحياة العائلية والترفيه.
المخطط الاستراتيجي ونقطة البداية يعد المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض الذي أعدته الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، نقطة البداية وأحد العناصر الرئيسية في الرؤية المستقبلية، حيث يعد الإطار والدليل الإرشادي لأعمال التخطيط في المدينة في مختلف مراحلها الحالية والمستقبلية خلال الخمسة والعشرين سنة المقبلة. فقد تم خلال مراحل المخطط جمع معلومات وافرة عن الوضع الحالي للمدينة وخضعت هذه المعلومات لتحليل مبدئي لتحديد نقاط الضعف والقوة، واستقراء التوقعات المستقبلية للنمو السكاني في المستقبل وتأثيراته في مختلف جوانب الحياة في المدينة.
وتمكن فريق مشروع المخطط الاستراتيجي من وضع عناصر الرؤية المستقبلية للمدينة بحيث تشكل جميع المعالم الأساسية لها في المستقبل، وتكون نتائج أهداف هذه العناصر حاسمة يلزم تحقيقها في نهاية العملية التخطيطية.

الرياض .. عاصمة المملكة العربية السعودية

وذلك بأن تكون مدينة تعكس الدور الفعلي لعاصمة المملكة العربية السعودية أرض الرسالة المحمدية والحرمين الشريفين، وأن تكون مركزاً رائداً ووطنياً للوظائف السياسية والثقافية والتاريخية، وأن تصبح مركزاً للمؤسسات الدولية والإسلامية والإقليمية والسياسية والاقتصادية، إلى جانب كونها مركزاً وطنياً قياديا للمؤسسات والهيئات الإدارية والاقتصادية الوطنية، وأن تصبح نموذجا عالميا للتنمية الحضرية المعاصرة، وأن تتوافر فيها الوظائف للمواطنين وتصبح مركزاً للمؤسسات الثقافية والتاريخية.
ويمكن تحقيق هذا العنصر من خلال إيجاد مثلث سكاني وظيفي يرتكز إلى ثلاث نقاط رئيسية الأولى منها هو (مركز المدينة) الذي يضم الجامع الكبير وقصر الحكم والمتحف الوطني والأسواق التقليدية، والثانية منطقة الديوان الملكي وحي السفارات ومقر مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والثالثة منطقة المطار القديم كمنطقة محتملة لإنشاء المتنزه العام للمدينة.

مدينة إنسانية

ويكون ذلك بتحقيق الرغبات الإنسانية الحميدة والعيش الرغيد الذي ينعكس في بيئة تعطي الأولوية للإنسان وتحقق للسكان السلامة والأمن وتشجع العلاقات الاجتماعية بين السكان• ويتضمن هذا العنصر عدداً من الأهداف العامة هي: أن توفر المدينة مستويات حياة مرتفعة الرفاهية لجميع المواطنين، أن يتماشى التنظيم العمراني للمدينة مع المبادئ الإسلامية القاضية بتوحيد فئات المجتمع، تحقيق متطلبات العمل والسلامة والخدمات والمرافق العامة والتطور الثقافي والترفيه للمجتمع، تشجيع قيام علاقات قوية وإيجابية بين سكان المدينة وبيئتهم من خلال توجيه تخطيط الأحياء وإتاحة حرية الاتصال والانتقال، تحقيق حرية اختيار الأنماط المعيشية للسكان، تحفيز السكان على المشاركة الفعالة تجاه مسؤولياتهم التنموية. ويمكن تطبيق أهداف هذا العنصر من خلال تسهيل توزيع الخدمات في جميع المناطق بشكل متساوٍ وإيجاد تقسيم هرمي على أربعة مستويات: الحارة السكنية، المنطقة السكنية، مركز فرعي للمدينة ومركز المدينة. مما يوفر أماكن جذب للخدمات ذات المستوى العالي ويتيح لسكان المناطق النامية سهولة الوصول إلى الخدمات فضلاً عما توفره هذه المراكز من فرص وظيفية لسكان الأحياء المجاورة.

واحة معاصرة ومركز مالي مزدهر

تعد الرياض أكبر واحة عمرانية وسط الصحراء على وجه الأرض، والتخطيط لها أن تكون واحة ذات تنمية منسجمة مع البيئة الصحراوية من خلال الاستخدام الحكيم والأمثل للتقنية والتخطيط العمراني كنموذج بيئي.
ويتم العمل باتجاه جعل مدينة الرياض مركزا ماليا وتجاريا منافسا دولياً ومتكاملا مع الدور السياسي ـ الاقتصادي على المستويين الوطني والإقليمي، ويمكن الوصول إلى ذلك من خلال الأهداف التالية: إحداث تنمية تتجاوب مع الاحتياجات المالية وتتكامل مع السياسات الاقتصادية، جذب المزيد من الاستثمارات الخاصة من خلال توفير شبكة متكاملة من المرافق المساندة، حفز فرص الاختيار والمنافسة للقطاع الخاص في تحديد طبيعة ومواقع الاستثمار في التنمية، توظيف ورفع مستوى الإمكانيات المتاحة من الموارد البشرية.

مدينة جميلة

ويتحقق هذا المطلب بأن يتمثل جمال مدينة الرياض في شكلها العمراني المتميز والمتكامل مع الحياة الاجتماعية والثقافية، وذلك من الأهداف التالية: إثراء الشخصية العمرانية للمدينة المقتبسة من العمارة الإسلامية والأنماط المحلية، تشجيع تنوع الأنماط العمرانية وفقاً لمبادئ صحيحة وواضحة المعالم، تحقيق انسجام عمراني من خلال توزيع متناسق وعملي ووظيفي للمناطق العمرانية وعناصرها عبر استخدام البيئة الطبيعية، توفير المنشآت السكانية لاحتضان الأنشطة الاجتماعية والثقافية والاحتفالية، وإيجاد ممرات آمنة للمشاة في الشوارع والطرق المشجرة وتوفير المتطلبات اللازمة لها. وتتطلب بلورة المعالم الجمالية لهذه العناصر ربطها بروابط بصرية وظيفية قوية، كما يفضل تركيز المباني العالية في منطقة وسط المدينة وفي الجزء الجنوبي من منطقة العصب المركزي، بحيث تليها في الارتفاع منطقة المراكز الفرعية ثم المباني المقامة على طول الشوارع الرئيسية.

مركز إشعاع علمي وثقافي

وذلك بأن تكون الرياض مدينة رائدة في الخدمات التعليمية والصحية ومركزا للمعرفة ذات دور قيادي في الأبحاث العلمية والتقنية.
ووضعت مجموعة من الأهداف يتم بموجبها تحقيق هذا العناصر من الرؤية المستقبلية للمدينة، وتشتمل على جعل الرياض رائدة في المجالات التعليمية والصحية وعلى اتصال بشبكات عالمية للبحث والتطور. والاستثمار في البحث العلمي والتقني في مجالات الطاقة والبيئة، وتطبيق أفضل نماذج الإدارة في التصميم والتخطيط والتنمية العمرانية، إضافة إلى جعل المدينة قاعدة للصناعات المعرفية المختلفة. وسنسلط الأضواء على تفاصيل مسيرة التطوير في مدينة الرياض برصد سلسلة من التحقيقات للإحاطة بجميع تفاصيل أكبر إنجاز حضاري على وجه الأرض في هذا العصر.

الحلقة الثانية : العاصمة.. قصيدة لأمير نجد

الأكثر قراءة