الاختراع بين التسجيل وعدمه
الاختراع بين التسجيل وعدمه
لا شك أن وجود براءة رسمية لاختراع معين يُثبت تميز هذا الاختراع عما سبقه من اختراعات. لكن عدم وجود هذه البراءة لاختراع آخر لا يعني عدم تميز هذا الاختراع الآخر. فبراءة الاختراع وثيقة رسمية تحفظ حق صاحب اختراع معين في الاستفادة من اختراعه على المستوى التجاري، لمدة مُحددة من الزمن، وفي منطقة معينة من العالم، هي المنطقة المُرتبطة بالجهة التي أصدرت الوثيقة.
ويأخذ الاختراع الذي يُمكن توثيقه ببراءة اختراع أشكالاً مُتعددة. فقد يكون مُنتجاً مادياً مُتميزاً، أو ربما جزءاً مُطوراً من أجزاء هذا المُنتج؛ أو يكون مُركباً جديداً، غير مسبوق، من مواد مُختلفة يتمتع بخواص مفيدة؛ أو يكون طريقة لأداء عمل معين بفاعلية أعلى أو كفاءة أفضل؛ أو أي ابتكار أو اكتشاف مُتميز آخر.
ولا يتجه جميع أصحاب الاختراعات، بأشكالها سابقة الذكر، نحو توثيق اختراعاتهم وحفظ حقوقهم ببراءات اختراع. ويتجلى ذلك بصورة خاصة في الجامعات، خصوصاً في إطار الأبحاث غير المُرتبطة بالمؤسسات ذات الطبيعة التجارية. فأصحاب هذه الأبحاث، يتجهون لنشر أبحاثهم في المجالات العلمية، بل ويُقدمون المساعدة أيضاً لكل من يود استخدامها أو تطويرها، دون قيود، إلا بالطبع ما تطلبه الأمانة العلمية، من الإشارة والاعتراف الأدبي بمنجزاتهم وعطائهم المعرفي.
ولعل من أبرز المبتكرات الحديثة التي لم تُوثق ببراءة اختراع "طريقة المواقع الشبكية على الإنترنت المعروفة بالرمز www" التي وضعها "تيم برنرز لي Tim Berners-Lee" عام 1989. وشاء هذا المُخترع ألا يُسجل هذه الطريقة المُبتكرة والمفيدة كبراءة اختراع. وشجع ذلك على انتشارها، لأن حقوق استخدامها كان مُشاعة، وغير محفوظة بأي وثائق أو براءات رسمية. وقد يكون ذلك قد حجب عنه بعض الفوائد المادية، إلا أنه سهل انتشار ابتكاره على نطاق واسع، وتم حفظ هذا الابتكار باسمه من منطلق الأمانة العلمية، وليس على أساس الحقوق القانونية.
و"برنرز لي" في الوقت الحاضر هو مدير "هيئة أبحاث المواقع الشبكية على الإنترنت" في "معهد ماساسشوستس التقني MIT" في بوسطن في أمريكا، الذي يُعتبر أحد أهم الجامعات العلمية والتقنية في العالم، إن لم يكن أهمها على الإطلاق. ويُجري، من خلال هذه الهيئة، المزيد من الأبحاث لجعل مواقع الإنترنت أكثر ذكاء وقدرة على خدمة المستفيدين.
كما في حالة "برنرز لي"، فإن كثيراً من الأساتذة والطلبة في الجامعات لا يُسجلون مُبتكراتهم كبراءات اختراع، إلا عند الحاجة. والحاجة تبرز حينما يكون هناك إمكانية لإنتاج هذه المبتكرات على نطاق واسع وتسويقها، أو عندما يكون هناك جهات داعمة للأبحاث تود حفظ حقوقها في الاستفادة من هذه المبتكرات تجارياً.
في إطار مبدأ تعميم المعرفة ونشرها على نطاق واسع، يضعف التوجه نحو تسجيل براءات الاختراع. وفي إطار مبدأ توظيف الأفكار والمنجزات الإبداعية عملياً، مع حماية الحقوق الفكرية مادياً، يزيد الإقبال على تسجيل براءات الاختراع. وعلى ذلك، فإن تشجيع توجه أساتذة الجامعات وطلبتهم نحو تسجيل براءات اختراع لمنجزاتهم العلمية، يرتبط بوجود حاضنات تقنية تسعى إلى تأهيل هذه المنجزات، وجعلها قابلة للانتشار في السوق، وجذب المستفيدين.
ولا شك أن ربط المنجزات العلمية بالسوق، والحرص على حماية حقوق الملكية الفكرية، من التوجهات اللازمة لتعزيز إسهام الجامعات في إقامة اقتصاد وطني مبني على المعرفة في المستقبل.