كازاخستان ... اللاعب الرئيس القادم في سوق الطاقة العالمية بمباركة أوروبية
يعتقد الخبراء من مختلف دول العالم، بمن فيهم الخبراء الروس، أنه لا توجد دولة في الرابطة المستقلة تستطيع مجاراة كازاخستان في وتيرة الإصلاحات الاقتصادية وإنشاء مؤسسات السوق. استطاعت كازاخستان تحقيق هذا الإنجاز بعد تقديم الضمانات الكافية للقطاع الخاص، والتقيد بنص العقود المبرمة، وخصخصة المنشآت بشكل فاعل، وجذب الاستثمارات الأجنبية للبلاد، وتحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي في الداخل. ساهمت كل هذه الأمور في تحقيق نمو اقتصادي كبير، شمل كافة مجالات الحياة، بما فيها الطاقة. تحتل كازاخستان المرتبة الثانية بين دول الرابطة المستقلة بعد روسيا في حجم إجمالي الناتج المحلي للفرد الواحد. لا يمكن النظر إلى النمو الاقتصادي في كازاخستان بمعزل عن السياسة الخارجية متعددة الأوجه، التي يمارسها القادة الكازاخستانيون بعد حصول البلاد على الاستقلال. تتميز هذه السياسة بأنها موجهة لزيادة التعاون مع أكبر عدد ممكن من دول العالم. تشارك كازاخستان على خلفية هذه السياسة بنشاط في المشاريع التكاملية التي تحصل على أراضي الاتحاد السوفياتي السابق. كان الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزار باييف مبادراً في كثير من هذه المشاريع.
تتطور وتتوسع علاقات كازاخستان مع الدول الأخرى في مجالات مختلفة، مثل إبرام العقود والصفقات المالية، وتجارة المنتجات الصناعية والزراعية، وتطوير مشاريع النقل، وتبادل موارد العمل .. إلخ. إلا أن مركز الثقل في العلاقات الاقتصادية الخارجية لكازاخستان مازال في مجال تصدير الطاقة، التي تعد المحرك الرئيس لنمو الاقتصاد الوطني.
تحدد الوثائق، التي وقّع عليها القادة الكازاخستانيون، الأهداف والاتجاهات الرئيسة لنمو قطاع الطاقة في البلاد: زيادة حصة البلاد من الطاقة المستخرجة في الأسواق العالمية عن طريق جذب الاستثمارات الأجنبية وكبريات شركات النفط العالمية للعمل في مشاريع النفط والغاز، تطوير شبكة خطوط نقل النفط والغاز. فك الارتباك والتبعية، خاصة مع روسيا، في مجال النقل والاحتكارات والأسعار، ضمان الاستقلال عن الجوار في مجال الطاقة. يجب أن تؤدي السياسة الخارجية إلى تحسين سمعة البلاد، وجذب اهتمام الدول الكبرى إلى كازاخستان كدولة مصدّرة للطاقة، يجب ألا يقتصر النظر إلى رؤوس الأموال الغربية القادمة إلى كازاخستان،على أنها جاءت للعمل فقط في قطاع الطاقة، بل كأداة لضمان أمن البلاد.
تشهد الأرقام التالية على عظم الأفكار لدى القيادة الكازاخستانية: يُخطط في عام 2015 استخراج نحو 140 - 148 مليون طن من النفط. يجب أن يكون حجم النفط المصدَّر وقتها بحدود 120- 125 مليون طن. سيبلغ حجم استخراج الغاز 43 مليار متر مكعب، يكون نصيب التصدير منها 24.8 مليار متر مكعب.
علينا ألا ننسى أن المستهلك الرئيس للطاقة الكازاخستانية هو أوروبا الغربية. تصدّر كازاخستان حالياً لأوروبا الغربية سنوياً طاقة بقيمة عشرة مليارات دولار. يلعب عامل الطاقة دوراً أساسياً في التعاون النشط بين كازاخستان وأوروبا الغربية. هذا ما قصده الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزار باييف و ج. بارّوز، عندما أكدا في بيان مشترك (أكتوبر 2006) على التعاون الاستراتيجي في مجال الطاقة بين جمهورية كازاخستان والاتحاد الأوروبي.
وتسعى كازاخستان إلى المشاركة مع اليونان وبلغاريا في مشروع أنبوب النفط بورغاس – الكسندربوليس، الذي يسمح بتمرير النفط إلى أوروبا دون المرور بمضيق البوسفور. يسمح هذا المشروع بتصدير النفط من بحر قزوين عبر موانئ البحر الأسود الروسية والأوكرانية والجورجية، بحيث يتم نقل النفط بناقلات النفط حتى مرفأ بورغاس، ومن ثم عبر هذا الخط إلى مرفأ الكسندربوليس، حيث يتم بعد ذلك نقله بناقلات نفط كبيرة إلى الأسواق في جنوب شرق آسيا، والهند، والولايات المتحدة الأمريكية. يعد هذا المشروع واحداً من المشاريع المهمة في تخفيف العبء عن المضايق التركية. هناك مفاوضات مع بلغاريا منذ عامين في هذا الخصوص، وقد بدأت في عام 2007 مفاوضات مماثلة مع اليونان. سيتم تحديد الحصة الكازاخستانية من خلال المفاوضات. ولا تستثني كازاخستان احتمال مشاركتها في مشاريع مهمة أخرى، مثل أنبوب نفط كونستانس (رومانيا)، وتريست ( إيطاليا).
يرتبط التعاون الاستثماري بين كازاخستان والاتحاد الأوروبي بقوة بمسائل التعاون في مجال الطاقة، واستخراج ونقل، ومعالجة المواد الهيدروكربونية. تعمل غالبية الاستثمارات الأوروبية في كازاخستان في مجال الطاقة، وهي تمثل 14في المائة من مجمل الاستثمارات في كازاخستان. تعود أكثر الاستثمارات الأوروبية في كازاخستان إلى بريطانيا، حيث تمثل 12.6 في المائة من مجمل الاستثمارات الأوروبية، ثم تأتي بعدها هولندا – 2.6 في المائة ، ثم ألمانيا- 2 في المائة، وإيطاليا 1.7 في المائة.
هناك حقيقة واقعة لا يمكن تجاهلها، وهي تتمثل في ازدياد النفوذ الاقتصادي والدبلوماسي للاتحاد الأوروبي في كازاخستان وآسيا الوسطى بشكل عام.
ويمكن تلخيص علاقة كازاخستان مع الاتحاد الأوروبي في النقاط التالية:
1- جذب رؤوس الأموال الأوروبية بشكل واسع في سبيل معافاة الاقتصاد، وحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية.
2- توسيع العلاقات الاقتصادية والتجارية.
3- الاستفادة من خبرة الاتحاد الأوروبي في تحديد وممارسة السياسة الخارجية.
وهكذا يتضح مما سبق أنه توجد كل المؤشرات التي تسمح بتطوير العلاقات الكازاخستانية - الأوروبية بشكل ثابت وديناميكي. تتمثل "القاعدة المادية" لهذه المؤشرات في أن كازاخستان سعت منذ سنوات الاستقلال الأولى وسنة بعد سنة إلى توسيع التعاون مع الدول الأوروبية في مجال الطاقة. ويمكن من خلال الحكم على الاتجاهات الموجودة التنبؤ باستمرار هذه العلاقات وتعمقها.