تشيني النفطي
تشيني النفطي
رغم تطورات الملف النووي الإيراني والذكرى الخامسة لغزو العراق والإطاحة بنظام الرئيس السابق صدام حسين، إلا أن للهموم النفطية حضور لا تخطئه العين في رحلة نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني الحالية للشرق الأوسط.
ويكاد تشيني يحتل مكانة متفردة بين الساسة الأمريكان عندما يتعلق الأمر بالقضايا النفطية. فعندما غزا صدام حسين الكويت مطلع العقد الماضي، كان الرئيس الأمريكي وقتها جورج بوش الأب ووزير دفاعه ديك تشيني أول من التفت إلى البعد النفطي في تلك المغامرة. فبخطوة واحدة أصبح صدام يسيطر فعليا على 20 في المائة من الاحتياطيات النفطية العالمية، وأهم من ذلك تصاعد تأثيره السياسي في المنطقة. ويظهر ذلك في أنه في فترة الأسابيع المتوترة التي سبقت الغزو، فرض صدام عمليا على منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك) أن ترفع معدل السعر المستهدف لبرميل النفط إلى 22 دولارا من 18 وقتها، رغم أن الأخير اعتمدته المنظمة قبل ذلك بثلاث سنوات، لكن واقع السوق ظل يقل عن ذلك المعدل بنحو خمسة دولارات.
تشيني وزير الدفاع وقتها وقع عليه عبء إخراج صدام من الكويت. وعندما عاد نائبا للرئيس بوش الابن، فإن أول مهمة انشغل بها وبعد أسبوعين فقط من دخوله البيت الأبيض لأول مرة في 2001 ترؤس لجنة لإعداد استراتيجية للطاقة تتبناها الإدارة. تلك اللجنة أصبحت مثار اهتمام، وذلك بسبب السرية التي شابت عملها، ما أثار عليها الكثير من اللغط. أما الجانب الأكثر إثارة فيتلخص في أن تلك اللجنة اعتمدت لها خطا يناقض ما استقرت عليه مختلف الاستراتيجيات الخاصة بالطاقة لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان، إذ ركزت اللجنة على كيفية ضمان وزيادة الإمدادات بدلا من النهج السابق الذي يقوم على فكرة الترشيد ومن ثم تقليل الاستهلاك والطلب على النفط الأجنبي.
ولهذا عندما تتكرر دعوات بوش لـ "أوبك" والمنتجين الخليجيين تحديدا بضرورة زيادة الإنتاج رغم أن واقع السوق لا يبرر ذلك، فإنه يبدو وكأنه ينطلق من تلك الخطة التي أشرف عليها تشيني في بدايات إدارته.
وإذا كان تشيني يعد عرّاب المحافظين الجدد الذين وسموا سجل إدارة بوش بميسمهم، فإن لهذه المجموعة رؤاها الخاصة بالنفط. وإذا كانت أبرز عمليات هذا الفريق الحرب على العراق، فإن البعد النفطي لم يغب قط عن تلك العملية، فهو من ناحية كان عاملا في الدفع باتجاه الحرب، لأن العراق يمكنه تمويل تلك العملية، كما كان يعتقد بوول وولفوتز، نائب وزير الدفاع وأحد مهندسي الحرب وقتها.
ليس هذا فحسب، وإنما كانت للمحافظين الجدد أهداف أخرى، على رأسها أن السيطرة على بلد له احتياطي نفطي ضخم مثل العراق وتاريخ في الصناعة النفطية يجعله يتبوأ مرتبة متقدمة لتنفيذ أجندة أخرى مثل ضخ المزيد من الإمدادات، وهو ما يلبي أحد أهداف الخطة التي وضعها تشيني ودفع سعر البرميل إلى أسفل، فالعائدات النفطية في رأي المحافظين الجدد أنها من بعض مصادر تمويل العمليات الإرهابية، لذا فتقليلها سيضعف من هذا الجانب. تدهور سعر برميل النفط سيحمل معه إضعافا لـ "أوبك"، وربما يضعها على طريق التفكك، وهي أمنية ظلت تراود المخيلات الغربية منذ بروز "أوبك" على الساحة الدولية.
على أن من أهم ملامح تشيني النفطية الفترة التي ترأس فيها شركة هاليبرتون، فشركة الخدمات النفطية هذه تعد أحد المؤشرات على التغييرات التي طالت صناعة النفط. ففي السابق كانت الشركات الغربية الكبرى تتولى كل جوانب الصناعة النفطية بطريقة متكاملة في جانبي العمليات الأمامية والنهائية. ومع الضعف الذي ألم بالسوق في ثمانينيات العقد الماضي اتجهت العديد من الشركات إلى تكليف شركات أخرى بالقيام ببعض المهام نيابة عنها، الأمر الذي وفر لها خبرة وذخيرة معرفية أصبحت متاحة في السوق واستفادت منها شركات النفط الوطنية، التي لم تعد محتاجة إلى منافسيها من الشركات النفطية الغربية للحصول على التقنية اللازمة أو إنجاز مشاريع كبرى.
ومع أن "هاليبرتو"ن لها تاريخ من العمل يعود لقرابة 90 عاما، إلا أن توسعها في الفترة الأخيرة وانتقال مديرها التنفيذي إلى دبي مؤشر واضح على هذه النقلة، التي تنبئ عن تحولات لم تعد الصناعة الأمريكية تحديدا هي المرجع.
في تصريحات خلال زيارته تحدث تشيني عن "مشكلات" تظلل سوق الطاقة، وأنه على عكس رئيسه لا يدعو إلى إجراءات فورية مثل ضخ المزيد من الإمدادات لخفض الأسعار العالية التي بدأ تأثيرها يفعل فعله في الاقتصاد الأمريكي، وإنما سيناقش الأمور من منطلق بعيد الأمد.
وبغض النظر عما ستؤول إليه المباحثات، فإن عاملي البعد الجيوسياسي ووضع السوق ستفرض بصماتها وستكون الولايات المتحدة بكل تراثها وخبرتها النفطية أحد اللاعبين فقط.