خدمة المجتمع.. رؤية ورسالة تبنتها غرفة الرياض منذ تأسيسها
منذ تأسيسها عام 1381هـ، تبنت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض استراتيجية متكاملة تستهدف المشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبآلية متوازنة، عملت الغرفة على خدمة القطاع الخاص ورعاية مصالحه، إلى جانب تعظيم الدور الاجتماعي لأصحاب الأعمال وتحفيزهم على الإسهام في العمل الخيري والاجتماعي.
وأخذت الغرفة على عاتقها على مدى خمسة عقود المبادرة لتكون قاطرة قطاع الأعمال في التنمية المجتمعية والمشاركة الفاعلة في العمل الخيري والاجتماعي، وتبلور ذلك بشكل ملموس من خلال إنشاء "إدارة خدمة المجتمع" لتتولى تنفيذ استراتيجية الغرفة في هذا الصدد.. في هذا اللقاء نستضيف عبد الله بن سليمان المقيرن مستشار مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في الرياض المشرف على إدارة خدمة المجتمع إلقاء الضوء على الاتفاقية الموقعة بين غرفتي الرياض وجدة حول تنسيق الجهود في العمل الاجتماعي، كما يتناول اللقاء عددا من الموضوعات الأخرى.
نود أن نلقي الضوء على مذكرة التفاهم التي تم توقيعها أخيرا بين غرفتي الرياض وجدة حول جهود المسؤولية الاجتماعية؟
تأتي هذه الاتفاقية في إطار الاهتمام المشترك بين الغرفة التجارية الصناعية في الرياض والغرفة التجارية الصناعية في جدة، بتتويج جهودهما في مجال التنمية الاجتماعية جنباً إلى جنب مع دورهما في التنمية الاقتصادية، وذلك عبر تفعيل ثقافة المسؤولية الاجتماعية في أوساط القطاع الخاص، والانطلاق في تبني خطط تنموية طويلة المدى تعتمد منهجاً علمياً، وتستهدف توفير تنمية مستدامة للفئات المحتاجة في محيط الغرفتين.
وتجسد هذه الاتفاقية تكامل الجهود بين مؤسساتنا، وتعكس الدور المحوري الذي تقوم به الغرف التجارية الصناعية في المملكة الآن جنباً إلى جنب مع جهود الدولة.
وماذا عن أهداف هذه الاتفاقية أو مذكرة التفاهم؟
تهدف هذه الاتفاقية إلى تكامل الجهود بين الغرفتين وتبادل الخبرات وتنسيق آليات العمل للوصول إلى أفضل أداء ممكن للقطاع الخاص في مجال التنمية الاجتماعية، وستتيح هذه الاتفاقية إعداد دراسات مشتركة حول احتياجات المجتمع وكيفية تلبيتها، والأولويات التي يمكن تبنيها باعتبار أننا نتصدى لقضية وطنية.
كما نتطلع إلى أن تسهم هذه الاتفاقية في بلورة المبادرات الفردية للشركات والمؤسسات لتصبح برامج مؤسساتية تعمم على المناطق كافة، وأيضاً الاهتمام بجانب التدريب والتأهيل للعاملين في مجال المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع في الشركات والمؤسسات من منتسبي الغرفتين.
وكيف كانت بداية هذا التوجه ــ أقصد ــ انطلاقة فكرة المسؤولية الاجتماعية في الغرف التجارية؟
الانطلاقة الحقيقية لهذا التوجه كانت في الملتقى الأول للمسؤولية الاجتماعية الذي نظمته الغرفة التجارية الصناعية في الرياض تحت رعاية الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وأتذكر هنا الكلمات التي افتتح بها سموه الكريم ذلك الملتقى حيث أشاد بوعي وانتماء وتفاعل مؤسساتنا وشركاتنا مع منسوبي القطاع الخاص الذين استطاعوا أن يكونوا شركاء في عملية التنمية الشاملة من خلال تحمل جزء كبير من المسؤولية الاجتماعية.
وعقب هذا الملتقى انطلقت الغرفة التجارية الصناعية في الرياض في تفعيل توصياته، والمبادرة للعمل مع منتسبيها للقيام بدور فاعل في هذا الاتجاه من خلال برنامج محدد أُطلِقَ عليه برنامج المسؤولية الاجتماعية "مسؤولية" تضمن عدة محاور, أهمها:
- وضع خطط واستراتيجيات تهدف لتبني المسؤولية الاجتماعية من مؤسسات القطاع الخاص.
- تشجيع منتسبي الغرفة وحثهم على تبني برامج المسؤولية الاجتماعية.
- نقل تجارب المسؤولية الاجتماعية بين هذه المؤسسات وتسليط الضوء على البرامج المتميزة والناجحة.
- تقديم خدمات استشارية في مجال المسؤولية الاجتماعية في الشركات والمؤسسات.
هناك دور بارز للغرفة في مجال العمل الخيري والاجتماعي.. نود أن نلقي الضوء على بعض تفاصيل هذا الدور؟
عملت الغرفة على احتضان العديد من الجمعيات واللجان الخيرية والاجتماعية وتوفير المقر لها في بداية مراحل التأسيس، وتقديم صور عديدة من صور الدعم لها إلى أن تتمكن من تأسيس مقرٍ لها والوفاء بواجباتها الخيرية والعلمية والإنسانية.
وعندما تعددت أنشطة الغرفة الاجتماعية والخيرية، واتسعت دائرة اللجان والجمعيات التي تقع تحت مظلتها قامت بتأسيس إدارة مستقلة تتولى الإشراف على أنشطة خدمة المجتمع والأعمال التطوعية وتوطيد علاقة الغرفة بالمجتمع وتفعيل حضورها في مختلف محافل العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية، سمتها "إدارة خدمة المجتمع" وهي جهود لا شك أنها أسهمت في تأصيل ثقافة العمل الخيري المؤسسي والمسؤولية الاجتماعية لدى منشآت القطاع الخاص لتتكامل مع جهود الدولة في تنمية المجتمع وتلبية احتياجات أفراده.
وكانت لجنة أصدقاء المرضى ـ التي أنشئت عام 1405هـ وتتشرف منذ تأسيسها بالرئاسة الفخرية من لدن الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ـ كانت تلك اللجنة النواة التي انطلقت منها إدارة خدمة المجتمع، وبعدها انضمت لجنة أصدقاء الهلال الأحمر إلى الإدارة, وتتمثل أهدافها في مؤازرة جمعية الهلال الأحمر السعودي في نشر الوعي الصحي.
وبالنسبة لإنشاء الجمعية الخيرية للأيتام فأذكر أن الأمير سلمان طلب من رئيس مجلس إدارة غرفة الرياض عبد الرحمن بن علي الجريسي أن تحتضن الغرفة الجمعية إلى أن تتمكن من تأسيس مقر مستقل لها وتستطيع الاعتماد على مواردها الذاتية، وقامت الغرفة بالفعل بتنفيذ توجيهات سموه الكريم، إلى أن تمكنت الجمعية من تأسيس مقر مستقل لها انتقلت إليه فيما بعد، وقبل ذلك قامت الغرفة بدعم فكرة إنشاء مركز الأمير سلمان الاجتماعي واستضافت أول اجتماعاته التأسيسية ونظمت حملة التبرعات لإنشائه وتجهيزه.
وفي عام 1421هـ سعت الغرفة إلى إنشاء الجمعية السعودية للإعاقة السمعية، وقامت تحت مظلة الغرفة إلى أن تهيأ لها مقر مستقل لخدمة فئة ذوي الإعاقة السمعية، وفي عام 1422هـ بادرت الغرفة إلى توفير مقر للجنة رعاية السجناء والمفرج عنهم وأسرهم في الرياض بعد أن تشكلت تحت مظلة اللجنة الوطنية لرعاية السجناء, التي يرأسها وزير الشؤون الاجتماعية إلى أن تمكنت من تأسس مقر مستقل لها.
وقدمت الغرفة الدعم لجمعية الأطفال المعوقين من خلال تشجيع القطاع الخاص بتوفير الأجهزة واللوازم للمعوقين والفرص والوظيفة المناسبة لتشغيلهم.
وفي الإطار الخيري نفسه أسهمت غرفة الرياض في دعم أنشطة الجمعيات الخيرية مثل جمعية البر في الرياض، وجمعية النهضة النسائية، وجمعية الوفاء الخيرية، وحثت رجال الأعمال على دعمها وتوجيه الزكاة والصدقات إليها إضافة إلى صور أخرى من الدعم والمساندة.
ولم يقتصر دعم غرفة الرياض على هذه اللجان والجمعيات الإنسانية والخيرية بل امتد إلى تزويد بعض الكليات الجامعية ببعض ما يلزمها من أجهزة علمية لازمة لأداء مهامها كالحاسبات والطابعات، كما اهتمت بتبني ودعم أنشطة الجمعيات العلمية المتخصصة والمهنية مثل جمعية التسويق الخليجية، وجمعية الاقتصاد السعودية، وجمعية المحاسبة السعودية، والجمعية السعودية للإدارة، حيث قدمت الغرفة إعانات مالية لهذه الجمعيات واستضافت فعالياتها أو أسهمت في إجراء البحوث وأوراق العمل التي تقدمها.
وكان للغرفة إسهامها الواضح والمباشر في برامج تنمية المجتمع وتوفير خدمات حيوية، حيث قامت بإنشاء حديقة عامة في مدينة الرياض، كما أسهمت بمبلغ 20 مليون ريال في إنشاء متنزه سلام الذي يشكل رئة جديدة لمدينة الرياض على مساحة 312 ألف متر مربع، وتسهم الغرفة في إحياء الأنشطة والحملات التوعوية، كما قامت بطرح فرص استثمارية للتخلص من النفايات في الرياض وإعادة تدويرها، بما يسهم في تحسين والحفاظ على سلامة البيئة.
كما اتجهت غرفة الرياض إلى مرحلة مهمة في مجال تشجيع وتحفيز القطاع الخاص على تبني الأعمال التطوعية لخدمة المجتمع، وتمنح جائزة لأفضل الأعمال المتميزة في مجال خدمة المجتمع في خمسة فروع كل عامين، وتغطي هذه الجائزة مجالات واسعة من أنشطة خدمة المجتمع مثل برامج الرعاية الصحية والإسكان ومعالجة الفقر وأنشطة الحفاظ على البيئة ورعاية السجناء والأيتام ومساهمة سيدات الأعمال في العمل كثيرة ومساهمات الشركات الأجنبية العاملة في المملكة في خدمة المجتمع، ويتم تعديل فروعها في كل دورة.
وتوجت الغرفة جهودها في تنمية الوعي العام بأهمية المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات بمبادرة هي الأولي من نوعها على مستوى المملكة حين قامت بالتعاون مع الشركة العربية لتنظيم المؤتمرات بتنظيم أول ملتقى للمسؤولية الاجتماعية في المملكة وتشرفت بانعقاده تحت رعاية الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وذلك تحت شعار " إلزام والتزام " في الفترة من 1-3/5/1427هـ الموافق 28-30/5/2006.
وحشدت الغرفة في هذا الملتقى جمعاً من الباحثين المهتمين بالعمل التطوعي وخدمة المجتمع، إضافة إلى ممثلين للجهات الحكومية في برامج المسؤولية الاجتماعية وممثلي القطاع الخاص، وكان من أبرز التوصيات التي صدرت عن مناقشات الملتقى لعدد كبير من أوراق العمل واستعراض التجارب البارزة في مجال المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع، كان من أبرزها تفعيل المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص وتطوير أنشطتها وتكثيف جهود تنمية هذه الثقافة في المجتمع باستثمار كافة الوسائل الممكنة.
هل هناك خطط لتأصيل مبدأ مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات والمؤسسات؟
نحن نعكف الآن على بلورة وصياغة برنامج يؤصل ويعمق مفهوم المسؤولية الاجتماعية في القطاع الخاص، وهو ما ينسجم ويتوافق مع تمسك المملكة بالشريعة الإسلامية الغراء عقيدة وتطبيقا، والتي تحض على قيم التكافل والتراحم بين أبناء المجتمع كافة، مما يتعين على منشآت القطاع الخاص أن تشارك بفاعلية في التنمية الاجتماعية جنباً إلى جنب مع مسؤوليتها في التنمية الاقتصادية
وأود أن أشير هنا إلى حقيقة مهمة، وهي وجود شراكة حقيقية وملموسة بين أجهزة الدولة والقطاع الخاص، وهي شراكة قائمة على تقدير كل جانب لدور الآخر ومسؤولياته، وهو الأمر الذي يؤكده المسؤولون في الدولة مراراً تقديراً لجهود القطاع الخاص، ومساهمات خاصة على صعيد التنمية الاجتماعية.
جائزة خدمة المجتمع باتت أحد معالم غرفة الرياض.. كيف تقيمون أثر الجائزة في تشجيع العمل الخيري؟
هذه الجائزة تجسد الدور الاجتماعي والإنساني الذي تضطلع به الغرفة للنهوض بالمجتمع جنباً إلى جنب مع دورها الأساسي الرامي للنهوض بقطاع الأعمال، وهو ما يؤكد أن الغرفة لا تنفصل أو تنعزل عن مجتمعها، إنما هي منه وإليه، وما قطاع الأعمال إلا شريحة فاعلة من شرائح مجتمعنا الفاعلة والمنسجمة والمتكاملة مع جهود دعم ومسيرة التنمية الشاملة.
ومما لا شك فيه أنه ما من أحد إلا و يسعد بالتكريم والتقدير خاصة إذا جاء من جهة لها ثقلها ومصداقيتها وحضورها ومكانتها مثل الغرفة التجارية الصناعية في الرياض، إضافة إلى كونها بيتاً لرجال الأعمال، مما كان لذلك الأثر الكبير في حرص العشرات من منسوبي الغرفة سواء من منشآت أو أفراد على التنافس على هذه الجائزة في جولتها الأولى حيث يعكس ما تمثله الغرفة من مكانة لدى القطاع الخاص في السعودية بوجه عام.
كما أن الجائزة تعد توثيقاً لعطاء أصحاب المبادرات المتميزة من الأفراد والمؤسسات تجاه مجتمعهم، وتقديرا من الغرفة لأعضائها المتفاعلين مع قضايا واحتياجات المجتمع.