مدونون سعوديون يطالبون دور النشر بالالتفات إليهم وأنها ما زالت مقصورة على ثقافة التدوين
مدونون سعوديون يطالبون دور النشر بالالتفات إليهم وأنها ما زالت مقصورة على ثقافة التدوين
أثار قرار دار نشر الشروق الأخير بطبع ثلاث مدونات مصرية في كتاب وتولي نشره وتوزيعه، غبطة العديد من المدونين السعوديين الذين طالبوا عبر "الاقتصادية" بوجود قوانين واضحة للنشر عبر الإنترنت، وتوضيح الخطوط الحمراء التي تضمنتها لائحة الجرائم المعلوماتية لكي تتاح لهم شهرة غيرهم من المدونين ويستطيعوا التعبير عن أفكارهم بحرية لا تصطدم مع قوانين البلد وتقاليده، مشيرين إلى أن المدونين الآن أصبحوا يعطون صورة حقيقية عن الشباب والمجتمع العربي والإسلامي، مما يمكنهم من تغيير الصورة السلبية عن المملكة، خاصة أن عالم التدوين يتميز بانعدام الشللية وبتقبل الآراء المختلفة، مطالبين دور النشر السعودية بتبني بعض المدونات المتميزة وطبعها ليعم نشرها، لتصل إلى الذين لا يستخدمون الإنترنت، مشيرين إلى أن على الناشرين تعميق نظرتهم للتدوين، ومطالبين جميع الجهات بوضع خطة للاستفادة من المدونين في خدمة الوطن، بدلا من تضييع جهودهم هباء.
ويصف المدون خالد الناصر، صاحب مدونة "ماشي صح"، عالم التدوين في السعودية بأنه عالم ناشئ، يتميز بأنه مجتمع راق يسمح بتعدد الآراء وتنوعها، ويتقبل الرأي والرأي الآخر، وتغيب عنه الشللية المقيتة والتشنج والتعصب اللذين تتميز بهما الوسائل الأخرى، قائلا إن الطباعة والنشر لا تشكل هدفاً وهاجساً لدى المدونين السعوديين، وإنه من الطبيعي أن تسبقنا دور النشر المصرية بتبني المدونات، لأن التدوين المصري يسبق التدوين السعودي بمراحل، ويتمتع بهامش حرية أوسع. كما أن درجة الوعي لدى الشباب المصري أكبر وأهم من يشكل الشريحة الأكبر من المدونين، منوها في حديثه عن المشكلات التي تواجه المدونين السعوديين، منها: عدم وجود قوانين واضحة للنشر في الإنترنت، رغم صدور لائحة للقوانين تبين الجرائم المعلوماتية أخيرا، ولكنها كانت ذات مضامين فضفاضة وضعت المدونين في مزيد من الحيرة والخوف والتوجس. فضبابية الخطوط الحمراء تشكل مشكلة كبيرة لدى المدونين السعوديين في مقدرتهم على إبداء آرائهم. إضافة إلى عدم البدء في مشروع تنظيم المؤسسات الأهلية والمجتمع المدني، فحتى هذه اللحظة لم يستطع المدونون في السعودية تنظيم اتحاد أو رابطة رسمية مرخصة لها لتنظم عملهم وتسمح لهم بممارسة أنشطتهم في أرض الواقع. ويرجع هذا ـ في رأيه ـ إلى عدم وجود نظام معمول به للمؤسسات الأهلية والاتحادات والرابطات، مما منع المدونين القدرة على تشكيل رابطة أو اتحاد، ضاربا مثلا باتحاد المدونين السعوديين الرسمي "أوكساب"، الذي لم يستطع حتى الآن وبعد مرور أكثر من سنة على إنشائه من الحصول على ترخيص، والتجربة الفاشلة لمشروع إنشاء رابطة مدوني السعودية، التي تم وأدها في مهدها.
ويفسر الناصر في حديثه لجوء الشباب إلى التدوين بأنهم يملكون آراء وأفكارا يودون طرحها، وتسجيل يومياته للذكرى، ومشاركتها مع الآخرين، وتنمية مهاراته الكتابية. ويقترح الناصر الاستفادة من المدونين والمدونات في خدمة الدين والوطن عن طريق الاستماع إلى آرائهم وأفكارهم وإشراكهم في الحملات التطوعية والدفاع عن الدين في الإنترنت، فالمدونون هم نموذج لشباب الوطن الذين يحملون بين جنباتهم طاقات كبيرة لم يتم استغلالها بعد، ووضع خطة وسياسة واضحة من قبل المختصين في جميع القطاعات المختلفة للاستفادة من المدونين.
من جهته يرى المدون محمد الشهري، الذي يملك مدونة باسمه، أن التدوين صراخ الشباب المنزوي في داخلنا، نطلقه عبر تدوينه ليجوب الوطن بأكمله. فهذا الوطن هو همنا وإليه نوجه رسائلنا، نخاطب جميع أطيافه ومستوياته. ولذا فعندما ندون، نشركهم في أفكارنا ونطلعهم على حقيقة أحلامنا ورؤانا، ونحاول أن نكون صريحين عندما نعرضها، فهي، من وجهة نظره، آراء شخصية نسوقها للجميع حتى لمن هم خارج الوطن ليعلموا كيف يفكر السعوديون في القضايا التي تعن لهم، وما حدود الحلول التي يقترحونها.
ويتابع الشهري، قد تكون وجهة نظري التي اطرحها من خلال مدونتي لا ترضي الكثيرين، ولكن هي حتماً تطرح التساؤلات وتعطي مجالا للنقاش، وبالتالي تبني جسور الحوار بيني وبين زملائي المدونين والمدونات، وزوار مدونتي، وهو بلا شك هدف راق نسعى لتحقيقه بين أكبر عدد من أفراد المجتمع. فبث روح النقاش والحوار السليم ينمي روح التفاؤل ويصحح الكثير من المفاهيم التي قد تعلق بأذهان بعضنا بعضا.
ويؤكد الشهري أنه منذ مدة وهو يحاول تجميع بعض تدويناته، خصوصاً تلك المتعلقة بالجانب الفلسفي أو الأدبي، في محاولة لنشرها كتجربة شخصية في عالم النشر الإلكتروني، موضحا أنه لا يعلم حقيقة مدى رغبة الناشرين لدينا في نشر مثل هذا النوع من الإنتاج، ذاكرا أن الناشرين لدينا بحاجة إلى تعميق معرفتهم بعالم التدوين والمدونات ليطلعوا على حقيقة هذا الإنتاج الجديد في عالم المعرفة.
وأشار الشهري إلى أنه لم يحصل هذا في مصر إلا بعد أن تكون وعي كامل هناك بأهمية التدوين لدى شرائح عديدة من شرائح المجتمع، وهو ما شجع دور النشر على استغلال هذا الأمر بشكل أفضل، مؤكدا أن التجربة ناجحة ومثمرة لو أحسن اختيار الموضوعات المنشورة وروعي تنوعها ومصداقيتها، مشيرا إلى أن هناك مدونات سعودية مناسبة لإعادة نشرها ورقياً، ففيها تجارب وفكر وقصص ورؤى سياسية لا تقل جودة عما هو موجود حقاً في بطون الكتب المنشورة. كما أن خيار النشر الورقي للمدونات الجيدة هو خيار مربح اقتصاديا لصاحب المدونة وللناشر، فدور النشر لن تطبع لمجرد تشجيع المدونين، ومن المستبعد أن تجد أديباً أو كاتباً يوزع كتبه بالمجان على أرصفة الطرق وفي المقاهي لعموم الناس، حتى لو كانت هذه الكتب تروج للفكر الاشتراكي مثلا، فهناك مجهود ذهني يبذله المدون لإنتاج فكرة أو نص أدبي يستحق أن يحصل في مقابلة على مردود مادي لو أراد. ولكن وجود المدونة في شكلها الحالي على مساحة الإنترنت الواسعة قد يكون أكثر قرباً من الناس على اختلاف مستوياتهم، وأدعى للمصداقية، وأكثر بعداً عن مقص الرقيب، حتى ولو أتى هذا الأمر على حساب التضحية بالمردود المادي.
ويصنف الشهري مساحة البوح التي من الممكن أن يسمح بها الرقيب، بأنها أكثر المشكلات التي تواجه المدون السعودي. أما آليات التدوين فهي متوافرة على الشبكة وسهلة الاستخدام، ولا توجد مشكلات تواجه أي مدون يرغب في افتتاح مسيرته التدوينية. كما لا يرى الشهري أن وجود اتحاد ورابطة للمدونين سيفيد، ويصفه بأنه نوع من التقليدية لا أكثر ولا أقل، ويبعد عن هدف التدوين الحقيقي الذي يقتضي زيادة مساحة الآراء وتنوعها واختلافها، وهذا هو المهم، وهو أمر قد تقتله التجمعات بين المدونين، والتي قد تخلق الشللية والتحزبات. فالجانب التنظيمي من وجهة نظره سيحرق طاقتنا التدوينية بسرعة. منوها بأن مساحة الجودة في الكتابة مرتبطة بعالم التدوين في السعودية أكثر من ارتباطها بعالم المنتديات، والتي تعتمد في أغلبها على القص واللصق، وهذا ما يشعرني بالارتياح إلى أن التدوين السعودي بدأ طريقه بشكل سليم، ويحتاج فقط إلى الاستمرارية وعدم التراجع والانتشار.
ويقترح الشهري للاستفادة من المدونين والمدونات، بتكريس مبدأ الحوار بين جميع أبنائه، وتعزيز دور المواطن المشارك في تنمية هذا البلد عبر طرح تدوينات، وانتقاد الظواهر السلبية في المجتمع أياً كان مستواها، وتشجع الظواهر الأخرى الإيجابية.
ووجه الشهري رسالة للشباب بأهمية الحرص على امتلاك مدونة بجانب امتلاك بريد إلكتروني، فهو أمر سهل ومجاني، فكل المطلوب فعله هو فتح حساب في جوجل، واختيار خدمة المدونات Blogger.com، وأن يكونوا منتجين فاعلين على هذه الشبكة بدلا من كونهم مستهلكين لها فقط، موصيا إياهم بالاتجاه للداخل أكثر، ومناقشة أمور محلية بالتركيز على قضايا تمس واقع التدوين عن الحي الذي تسكنه، ومدى جودة المنشآت العامة فيه مثلاً، فكلما كان التدوين مرتبطا بالبيئة المحلية كلما كان أقرب للصدق والشفافية، وهو ما يفضل أن يقرأه بالمناسبة الآخرون.
من ناحيتها ترجع المدونة هديل، صاحبة مدونة "هفنز ستيب" السبب إلى أن ثقافة النشر في السعودية ما زالت قاصرة، فالناشر السعودي لم يتعمق بعد في عالم التدوين ليقرر الاستفادة منه، مشيرة إلى أن عدم وجود قوانين واضحة تحميهم، وتحفظ حقوقهم، والتهجم والتهديد غير المبرر عليهم، وضيق سقف الحرية، من أكثر المشكلات التي تواجه المدونين السعوديين وتحد من انتشارهم.
ويصف المدون رائد السعيد، صاحب مدونة "فلسفات"، خطوة نقل المدونات إلى كتب بأنها إيجابية، لأنها ستنشر ثقافة التدوين لقراء الكتب الذين لا يستخدمون الحاسب الآلي، ويلفت نظر المدونين إلى الفارق بين المدونة التي تهدم الوطن والتي تبنيه، وهو عبارة عن خط دقيق يجب مراعاته، فإذا كان الكاتب لا يرى الفارق، فمن الأفضل ألا يكتب.
ويرجع صاحب مدونة "الفيلسوف"، الطالب في كلية الطب، سبب عزوف الناشرين عن تبني المدونات، إلى اليأس من جميع وسائل النشر هنا، والتي ترفض تبني آراء الشباب، وجهل بثقافة التدوين، واعتقاد أنه شبيه بالصحيفة الإلكترونية، إضافة إلى سيطرة التفكير المادي على الناشرين وسط تسابق على نشر الروايات الجنسية. موضحا أنه حتى لو التفت الناشرون إلى المدونات، فلن يهتموا سوى بالفئة التي تلبي طموحاتهم المادية، بغض النظر عن هدف شيوع الثقافة، واصفا عالم التدوين في السعودية بالرائع والمتنوع فكريا وسط محيط يحاول تنميط المجتمع ككل بفكر ولسان واحد، وإن اختلفت مكنونات كل فرد، فالأهم أن يكون اللسان الناطق واحداً، ولكن التدوين السعودي جمع جميع الأطياف والتوجهات وطرح رأي الجميع دون مجاملة أو تقنع لأجل نظرة المجتمع، ولا استغرب تدوينات نراها ضد تصريح حكومي أو قرار ما ليس من مصلحة المواطن العادي، واعتدنا على قراءة مدونين يكتبون أطروحات متمكنة في مجالات مختلفة، وإن خالفت النظرة الاجتماعية المعتادة لذلك الموضوع.
من ناحية مختلفة يرى عادل الحوشان، صاحب دار "طوى للنشر"، أنه لا مانع أن تقوم دار نشر بطباعة مدونة على الإنترنت، فالكتاب له قارئه وجمهوره المختلف عن جمهور المدونات، وأن العبرة بالنشر هي جودة المكتوب، مشيرا إلى أنه مع قرار دور النشر المصرية، فمن واجب دور النشر تشجيع الجيل الجديد وإظهار كتّاب جدد على السطح وعلى الخريطة الثقافية، مؤكدا أن كتّاب المدونات لهم أسلوبهم الأدبي والثقافي الجديد الذي علينا المساهمة كدور نشر في إبرازه.