تقديرات دولية باكتمال دورة الكوابل البحرية حول الكرة الأرضية خلال عامين
تقديرات دولية باكتمال دورة الكوابل البحرية حول الكرة الأرضية خلال عامين
30 كانون الثاني (يناير) 2008 كان يوما مهما في تاريخ شبكة الإنترنت، ففي الساعة 5:30 صباحا انقطع كابل بحري في البحر الأبيض المتوسط على بعد ثمانية كيلومترات شمال الإسكندرية، وفي الساعة الثامنة صباحا من اليوم نفسه انقطع كابل بحري آخر شمال الإسكندرية أيضا بنحو 12 كم، وكلا الكابلين يحملان حركة اتصالات هاتفية ومعلوماتية كما يحملان نسبة كبيرة من حركة الإنترنت لدول الهند وإيران ودول الخليج العربي ومصر ولبنان، ويربط هذان الكابلان جنوب آسيا والشرق والأوسط بأوروبا وأمريكا. وبعدها بأيام حدث انقطاع لكابل بحري آخر ولكن في الخليج العربي هذه المرة!! وبرزت في حينها عدة أسئلة وأجوبة اجتهادية أكثر!! هل كان عملاً تخريبيا متعمداً أم حدثا طارئا؟ ومن المستفيد في حالة الاحتمال الأول؟؟
تاريخ الكيابل البحرية
والكثير يتساءل عن الكوابل البحرية، والبعض الآخر تفاجأ بوجود مثل هذه الكوابل أصلاً، بل إن البعض لا يكاد يصدق بوجود كوابل تمد عبر البحار لنقل الاتصالات الهاتفية والإنترنت ولربط قواعد البيانات. لذلك سنتطرق إلى إعطاء نبذة عن الكوابل البحرية وبعض من تاريخها، ثم نختم المقال بأهمية استغلال موقع المملكة الاستراتيجي لجعل المملكة مركزا لتحويل حركة الإنترنت والاتصالات الهاتفية عبر العالم وعمل مسارات بديلة تحسبا لانقطاعات مستقبلية والحد من تأثير هذه الانقطاعات عند حدوثها على الخدمات المهمة التي توفرها.
فبالنظر إلى تاريخ الكوابل البحرية، نجد أنها قديمة قدم التلغراف (البرقية) ذاتها، فأول كابل بحري نحاسي كان قبل نحو 157عاماً وتحديداً في عام 1850م وقد تم مده عبر القناة الإنجليزية، كتجربة لربط باريس ولندن بخدمة التلغراف، وتم الربط بنجاح في عام 1852م، وأول محاولة لعبور المحيط الأطلسي كانت في عام 1858م (لربط بريطانيا بأمريكا) ونظراً لصعوبات تقنية وتشغيلية في ذلك الوقت لم يعمل ذلك الكابل إلا لشهر واحد فقط، وتم عبور الأطلسي بنجاح بعد تلك المحاولة الفاشلة بثماني سنين.
وأول كابل بحري في الشرق الأوسط كان لخدمة التلغراف وكان يربط (بومباي – عدن – السويس - لندن) وتم مده في عام 1870م. ثم توالت بعد ذلك الكوابل البحرية النحاسية مع تطور وسائل الاتصالات لربط الدول الأوروبية بعضها بعضا، ولربط أوروبا بأمريكا، ولربط جنوب شرق آسيا بالشرق الأوسط وأوروبا، والغرض من هذه الكوابل نقل الحركة الهاتفية وربط قواعد البيانات.
ومع ظهور الألياف الضوئية (البصرية) تبع ذلك في عام 1986م إنشاء أول كيبل بحري من الألياف الضوئية لربط بريطانيا ببلجيكا، وفي عام 1988م تم مد أول كيبل من الألياف الضوئية عبر المحيط الأطلسي ثم توالت بعد ذلك مد المزيد من الكوابل البحرية الضوئية واستبدال النحاسية القديمة بالضوئية.
طريقة مد الكيابل
وتمد عادة الكوابل البحرية في قاع البحر عن طريق وضعها على أرضية القاع مباشرة دون حفر (عكس الكوابل على اليابسة التي تدفن في قنوات خاصة تحت الأرض أو تعلق بين أعمدة أو أبراج). وتوصل الكوابل البحرية في قاع البحر ببعضها عن طريق ربطها في نقاط مقفلة لا يدخلها الماء، ويتم في نقاط الربط هذه تقوية الإشارات الضوئية لتمكينها من قطع مسافات بعيدة بين نقاط الربط. وتمر الكوابل البحرية ببعض المدن الواقعة على البحر لتكون محطة نزول بعد الحصول على موافقة الدولة أو مشاركتها أو رغبتها في الربط بالكابل للتواصل مع العالم.
وتوجد عدة بدائل للكوابل البحرية لربط الدول ببعضها كالأقمار الصناعية والكوابل البرية والمايكروويف، إلا أن هذه البدائل أكثر صعوبة وأعلى تكلفة وأقل سعةً وأداءً بكثير من الكوابل البحرية الضوئية.
وعندما نلقي نظرة على مسارات الكوابل البحرية الممتدة عبر البحار والمحيطات نجدها منتشرة من سنغافورة إلى الشرق الأوسط مرورا بالهند والخليج وبحر العرب والبحر الأحمر وقناة السويس والبحر الأبيض المتوسط حتى أوروبا، ويقطع المحيط الأطلسي الكثير من الكوابل لربط أوروبا بأمريكا.
ويمر من بحر العرب عدة كوابل بحرية باتجاه جنوب الصومال وجنوب إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح حتى إسبانيا. كما يوجد الكثير من الوصلات بين سنغافورة وتايوان والصين واليابان لربط هذه الدول بعضها ببعض.
ومتوقع أن تكتمل دورة الكوابل البحرية حول الكرة الأرضية خلال عامين لتكمل الحلقة الناقصة (من شرق آسيا إلى أمريكا) لتلتف حول الكرة الأرضية، وتنطلق من الخليج العربي مثلا إلى سنغافورة إلى اليابان فأمريكا فأوروبا فالبحر الأبيض المتوسط حتى الخليج العربي مرة أخرى من الاتجاه الآخر.
مسببات انقطاع الكيابل
والجدير بالذكر أن أكبر مسبب لمشاكل انقطاعات الكوبل البحرية هي الزلازل والبراكين في قيعان البحار والمحيطات التي تمر بها الكوابل البحرية، وأحيانا صيادو السمك يعتبرون من مسببي المشاكل لهذه الكوابل بالاعتداء عليها.
وبالنظر لأهم الانقطاعات في الكوابل البحرية في السنوات الأخيرة السابقة تبرز حالتان: ففي مايو 2003م انقطع كيبلان بحريان بسبب زلزال الجزائر لنفس الشركتين المتضررتين حالياً من انقطاعات الإسكندرية، وفي كانون الأول (ديسمبر) 2006م انقطعت معظم الكوابل بمنطقة زلزال تايوان،
ونتيجة لانقطاع الكوابل البحرية أخيراً (شمال الإسكندرية) استفادت بعض الشركات الوطنية في استقطاب وتحمل سعات إضافية، وإيجاد مسار بديل للربط عبر الشرق لإنقاذ وضع الإنترنت، والتي أصبحت حياة الناس تعتمد عليها ولا يستغنى عنها، حيث تأثرت الكثير من الخدمات الإلكترونية والخدمات البنكية وخدمات الطيران وخدمات البريد الإلكتروني وغيرها.
دراسة آلية الربط
وبهذه المناسبة فإنه يجدر بنا إعادة دراسة آلية الربط واستغلال موقع المملكة العربية السعودية الجغرافي الاستراتيجي، الذي يؤهلها لتكون نقطة ربطٍ مركزية لدول الجوار لتوصيل الإنترنت في عدة اتجاهات، وإعادة النظر في ربط الإنترنت وهيكلتها من جديد، وعدم الاكتفاء بتوجيه معظم الحركة غرباً، بل إيجاد بدائل للربط عبر الشرق أو الشمال، لضمان استمرارية الخدمة، وتحقيق الكثير من الفوائد الاستراتيجية، وزيادة كفاءة الخدمة، وانخفاض الأسعار.