"لو كنت سعودياً"

"لو كنت سعودياً"

"لو كنت سعودياً"

ليس "لي كوان يو" شخصية سياسية سنغافورية عريقة فقط، بل هو شخصية تاريخية من شخصيات العالم الثالث التي أثبتت أن أسطورة تقسيم العالم إلى أول وثانٍ وثالث قابلة للتحدي، بل وقابلة للتغيير أيضاً. حكم "لي" بلده الصغير مدة ثلث قرن تقريباً، بين عام1959 وعام 1992، نقله خلالها من بلد يقف متواضعاً في صفوف العالم الثالث إلى بلد يتقدم لمنافسة بلدان العالم الأول. وعندما ترك منصبه، بقي مستشاراً للحكومة حاملاً تسمية الوزير "الناصح" أو "المُرشد". واليوم، وعلى الرغم من اقترابه من الخامسة والثمانين من العمر، إلا أنه ما زال نشيطاً، لا يُقدم النصح لبلده فقط، بل للآخرين أيضاً، فقد جاء إلينا في السعودية وقدم لنا نحن أيضاً النصح، وطرح سؤالاً افتراضياً يقول "لو كنت سعودياً!"، وأجاب عنه من خلال تجربته السنغافورية الطويلة.
إن جوهر كلام "لي" في المناسبات التي تحدث فيها في المملكة، هو أن الاعتماد على "النفط" غير كافٍ، وأن الأجدر هو الاعتماد على "الذات"، أي على الإنسان نفسه، لأن في ذلك المستقبل المشرق الذي نريده لأنفسنا. ويطرح كلام "لي" ضرورة إعداد الإنسان للاهتمام بالتقنية وتطورها، لأن دوره فيها كبير، ولأن هذا الدور هو الذي يتيح الارتقاء بإمكانات الإنسان، والاستفادة منها في تحقيق التنمية المُستدامة. وطالما أن إعداد الإنسان مطلوب، وهو مطلوب، بشكل خاص، في المجال التقني، فإن للتعليم العالي دوراً كبيراً في هذا المجال.
بالطبع التعليم العالي في بلدنا يقوم حالياً بإعداد الإنسان في المجالات المُختلفة، ولخريجي هذا التعليم، دور مهم في المُجتمع. لكن هناك مُشكلة، لخصها الوزير الدكتور غازي القُصيبي في حديثه عن حواره مع رجال الأعمال بقوله: "إنه حوار الطرشان، أقول لهم سعودة، فيقولون فيزا". والمقصود هنا أنه يود إيجاد عمل للسعوديين، وأن رجال الأعمال يُفضلون الاستقدام من الخارج. وهذا يدل على وجود خلل ما، في النظر إلى المشكلة.
التساؤل الذي يطرح نفسه، هو هل نستطيع أن نوفق بين ما يُريده الوزير القُصيبي وبين ما يُريده رجال الأعمال؟، أي أن نسمح لرجال الأعمال بتوظيف غير السعوديين، وفي الوقت نفسه نُحقق السعودة؟. هذا ما يُسميه كثيرون في عالم الإدارة "سحر جمع ما يبدو مُتناقضات The magic of AND".
رجال الأعمال حريصون على نجاح أعمالهم، ورغبتهم في توظيف غير السعوديين نابعة من ذلك. ولا شك أن نجاحهم يعود بالنفع على المجتمع، ويُحقق السعودة من طرف غير ظاهر هو التطور الاقتصادي للمُجتمع. والدولة في المقابل حريصة على توظيف السعوديين، لدعم دور الإنسان السعودي في المجتمع، وتعزيز الأمن الاجتماعي. جمع الاثنين معاً وتحقيق أثر إيجابي مُضاعف على المجتمع السعودي يكمن في عاملين اثنين، أول هذين العاملين يرتبط بمسألة تطوير مناهج التعليم العالي باتجاه مُتطلبات سوق العمل، ليس فقط من حيث المعرفة والمهارة، بل من حيث الالتزام المهني، والحافز الشخصي على التفوق والعطاء أيضاً، وثاني هذين العاملين تشجيع القطاع الخاص بأساليب وإغراءات مُختلفة، لإقامة صناعات وخدمات تقنية تُؤدي إلى توسع متطلبات سوق العمل من الإمكانات البشرية، والاستفادة منها، سواء كانت سعودية أو غير سعودية. وهذان العاملان، بالطبع، مُتكاملان، في كثير من النواحي، ويحتاجان إلى دراسات، وتخطيط مُشترك تُسهم فيه الجامعات من جهة؛ والقطاع الخاص من جهة أخرى. ولا يقتصر دور الجامعات هنا على العمل على تطوير مناهجها فقط، بل يشمل تسخير خبراتها البحثية لذلك أيضاً.
ومن بين التوجهات المهمة في التعليم العالي، إتاحة الفرصة أمام الطالب لدراسة مناهج مُشتركة بين التخصصات، بسبب حاجة سوق العمل إلى ذلك. ومثال ذلك، وجود وظائف تسويق في شتى المجالات التقنية، وعدم وجود من يستطيع التعامل مع هذه التقنيات من جهة، ويتمتع في الوقت نفسه بتأهيل في التسويق من جهة أخرى، إلا من حصل على ذلك بالخبرة، والتجربة والخطأ، وليس بالتأهيل. ومن بين هذه التوجهات أيضاً، وجود نشاطات جامعية تهتم بخدمة المُجتمع، تغرس في نفس الطالب حب المشاركة والعطاء والالتزام بمُجتمعه.
ولعلنا نختم هذا الموضوع بدعوة رجال الأعمال والجامعات إلى مجلس جديد بينهم، يعملون من خلاله، بشكل مُشترك، لما فيه خير هذا الوطن.

[email protected]

الأكثر قراءة