خط الدفاع الأول!
"إن مرأى كتب الفنّ على الأرفف أصابني بالحسرة، فكم نحن متخلفون في هذا المجال، إن كل ما صدر من مجلدات في العالم العربي لا يكفي لملء رف واحد، بينما تقاس المجلدات هنا بالأميال!" شهادة الروائي المصري جمال الغيطاني هذه كانت عقب زيارة لمكتبة ستراند في نيويورك، ربطت بين الكتب التي ذكرها والتلفزيون بسبب تساؤل يراودني منذ فترة عن القنوات المتخصصة بالفنون الجميلة في الفضاء العربي وحصيلة البحث = صفر!
أتفاءل كثيراً عندما أمر بإعلان تلفزيوني عن برامج تعرض مقتطفات في معارض فنية تقام إما داخل الوطن العربي أو خارجه، ولا أرفض مشاهدة النسخ المدبلجة لبرامج تتناول تاريخ الفن العالمي، لكنها ما زالت تحتل نسبة ضئيلة جداً لا تفي بالغرض المنشود منها ومازالت مستوردة.
لكن لماذا الغياب؟ ربما كان الاسم "فنون جميلة" السبب الرئيس لوضعها في قالب نخبوي خاص، وبالتالي نقص المتابعة الجماهيرية لها، لكن إذا أردنا صنع ثقافة جديدة وراقية تمثل الرد على ما تسببت به "الفنون القبيحة" من تردّ في الذوق العام نحتاج إلى نتاج مدروس، فلا يصح اقتراح مشروع ضخم كهذا دون ذكر المأمول منه، ببساطة كما نقتبس أفكار برامج كثيرة من النسخ الغربية يمكننا اقتباس ما توصلوا إليه والانطلاق من هناك بما يتوافق مع بيئتنا واهتمامات الجمهور العربي.
في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها عشرات الشبكات المتكاملة التي تختص بالفنون الإنسانية، وتبث في نحو 25 مليون منزل! لا نبحث عن محطة تحقق مشاهدات بأرقام خيالية وصفقات تجارية تضاف حصيلتها إلى القنوات التي امتصت من المشاهد أكثر مما أعطته، بل نأمل في متابعة محطة فنون "جميلة" تدار بكفاءات كثير من الشباب والشابات خريجي كليات الفن كل في مجاله، وفرصة لتبث محتوى غزيرا تاريخياً بطريقة تعليمية وتثقيفية وبكمية لا بأس بها من الترفيه.
من جهة أخرى ستساهم فكرة القنوات المتخيلة في منح أولئك الذين لا يتسنى لهم فرصة السفر وزيارة المتاحف والمعارض العالمية فرصة للعيش وسط الحدث، حتى وإن كانت ستتبع نظام تقديم البث باشتراك فإن الرسوم وإن ارتفعت قيمتها لن تساوي تكلفة السفر والدراسة إن رغبنا فيها.
عندما يأتي ذلك اليوم سيستمتع الكثيرون بزيارة اللوفر والاقتراب جداً من معروضات متحف المتروبوليتان في نيويورك، سنتذوق فنوناً بطعم آخر تصنع الدهشة وتنمي العقول باتجاه الابتكار.