عثرات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أضعفت نفوذها لدى "أوبك"
عثرات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أضعفت نفوذها لدى "أوبك"
باعدت عثرات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بين واشنطن وبعض حلفائها القدامى في المنطقة وجعلت منظمة "أوبك" أقل حرصا على إنقاذ أكبر بلد مستهلك للطاقة في العالم من أسعار نفط قياسية تعصف باقتصاد أمريكي هش بالفعل، فقد توترت الأجواء في البيت الأبيض هذا الأسبوع بعد رفض "أوبك" دعوات الولايات المتحدة لتعزيز الإنتاج مما ساهم في ارتفاع النفط إلى مستوى قياسي جديد فوق 100 دولار للبرميل. ويعزو مسؤولون في "أوبك" ارتفاع أسعار النفط التي تجاوزت 106 دولارات أمس الأول إلى سوء إدارة الاقتصاد الأمريكي.
وأبرزت التصريحات توتر العلاقة بين الولايات المتحدة وحلفاء خليجيين قدامى مثل السعودية وهي العلاقة التي اختبرتها حرب العراق والمواجهات بشأن برنامج إيران النووي وإيقاع الجهود الأمريكية لدفع محادثات السلام في الشرق الأوسط.
وقال ديفيد جولدوين الاستشاري في مجال الطاقة "مشكلة البيت الأبيض الأساسية هي افتقادهم المصداقية في القضايا التي تهم "أوبك" ومن ثم لا يحرصون على منحنا متنفسا بشأن السعر." وقال جولدوين "لا يوجد دافع لديهم الآن لمساعدتنا بزيادة الإنتاج".
وقال البيت الأبيض إن بوش "خاب أمله" بفعل قرار "أوبك" عدم تغيير الإنتاج عندما اجتمعت في فيينا يوم الأربعاء بعدما قال الرئيس الأمريكي إن المنظمة ترتكب خطأ بسماحها لارتفاع أسعار الطاقة بزيادة إضعاف اقتصاد الولايات المتحدة الأكثر استهلاكا للنفط في العالم.
وقالت دانا بيرينو المتحدثة باسم البيت الأبيض الخميس الماضي "إذا كانت أوبك قد قررت أنها لن ترفع الإنتاج فإنه لا يوجد الكثير الذي يستطيع الرئيس أن يفعله. نحن لا نتحكم في قراراتهم".
ويقول محللون إن بعض قائدي السيارات الأمريكيين الذين يعانون بالفعل جراء أزمة الرهن العقاري قد يواجهون أسعارا للبنزين فوق أربعة دولارات للجالون هذا الصيف بما يتجاوز المتوسط القياسي 22ر3 دولار للجالون المسجل في أيار (مايو) الماضي.
وكان ارتفاع تكاليف الطاقة قد دفع إدارة بوش إلى الدعوة للحد من اعتماد الولايات المتحدة على النفط مما أثار قلق بعض المنتجين من احتمال تآكل الطلب على النفط لمصلحة أنواع بديلة من الوقود مثل الإيثانول.
ويقول جولدوين إن السعودية هي البلد الوحيد في منظمة "أوبك"، الذي يستثمر كثيرا لزيادة الطاقة الإنتاجية الفائضة. وتعتزم المملكة زيادة الطاقة الإنتاجية إلى 12 مليون برميل يوميا بنهاية 2009 مقابل نحو 5ر10 مليون برميل يوميا الآن. وقال جولدوين "السعوديون يعطون الإدارة كل ما طلبته بالفعل. إنها دول الخليج العربية الأخرى هي التي لا تستثمر."
ويقول محللون إن السعودية ربما تنتج فوق حصتها لضمان حصول الأسواق على كميات كافية من النفط لكن دولا أخرى في منظمة "أوبك" مناهضة صراحة للولايات المتحدة مثل إيران وفنزويلا قد لا تبدي أي تعاطف لمشكلات الاقتصاد الأمريكي. وقال جيمس كراندل محلل أبحاث الطاقة لدى ليمان براذرز "أستطيع القول إن السعودية تنتج أكثر من حصتها لكن هناك كثيرا من عدم الاتفاق في "أوبك" أيضا".
وكان النفط قد أغلق على انخفاض طفيف أمس الأول، متراجعا عن مستوياته القياسية التي سجلها في وقت سابق من ذلك اليوم من المعاملات عندما دفعت عمليات شراء من جانب المستثمرين بهدف التحوط من ضعف الدولار والتضخم أسعار الخام فوق 106 دولارات للبرميل.
وتحدد سعر التسوية للنفط الأمريكي منخفضا 32 سنتا عند 105.15 دولار للبرميل متنازلا بذلك عن مكاسبه بعد تسجيله مستوى قياسيا غير مسبوق عند 106.54 دولار في وقت سابق من الجلسة. وهبط مزيج برنت في لندن 32 سنتا مسجلا 102.38 دولار للبرميل.
وقال روب كورزاتكوسكي محلل العقود الآجلة لدى "أوبشنز إكسبرس" "ارتفعنا في وقت سابق بفعل لعبة الدولار وتوقعات بأن مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) قد يضطر إلى خفض أسعار الفائدة. "إنها في الآونة الأخيرة لعبة التضخم والعملة".
وأثار تقرير حكومي يظهر انكماشا للشهر الثاني على التوالي في الوظائف الأمريكية تكهنات بأن مجلس الاحتياطي قد يضطر إلى خفض الفائدة ثانية، الأمر الذي أضعف الدولار في وقت مبكر من اليوم. وانتعشت العملة الأمريكية في وقت لاحق مما ساهم في تراجع النفط عن مستوياته المرتفعة السابقة.
وساعد التراجع المطرد في الدولار الأمريكي على ارتفاع أسعار السلع الأولية في حين عزز تراجع حاد في مخزونات الخام الأمريكية وقرار أوبك يوم الأربعاء عدم زيادة الإنتاج أسعار النفط.
وفي حين أخذت مخزونات الخام الأمريكية في الارتفاع على مدى الأسابيع الأخيرة وبلغت مخزونات البنزين أعلى مستوياتها في 14 عاما أظهر تقرير حكومي تراجع مخزونات الخام 3.1 مليون برميل الأسبوع الماضي بينما كان من المتوقع ارتفاعها.
ولطالما جادلت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) التي تضخ أكثر من ثلث إنتاج العالم من النفط بأن ارتفاع الأسعار الآن لا يعكس العوامل الأساسية للسوق وتحركه في المضاربة.
وكرر علي النعيمي وزير النفط السعودي وجهة النظر هذه في تصريحات نشرت أمس الأول، قائلا إن المضاربة تقف وراء بلوغ أسعار النفط خانة المئات وأنها تحول دون سيطرة المنظمة على حركة الأسعار. وأبلغ النعيمي صحيفة "الشرق الأوسط" "اليوم لا علاقة بين أسس البترول وأسعاره". وقال "إن مهمة مصدري البترول هي التأكد من سلامة وصحة الأسس البترولية إذ يهمنا كمنتجين ومصدرين أن يكون العرض والطلب متساويين. وأن يكون المخزون الموجود في الدول المستهلكة في مكانة معتدلة ومستقرة".
وتعقد أوبك اجتماعها التالي في أيلول (سبتمبر) لكن بوسع الوزراء عقد اجتماع غير رسمي على هامش مؤتمر للمستهلكين والمنتجين تستضيفه روما من 20 إلى 22 نيسان (أبريل).
وقال روب لوجلين من "إم.إف جلوبل" "ترك الأمور معلقة على هذا النحو يكون لدي ولدى الآخرين انطباعا واضحا بأن المنظمة تستعد لترك الأسعار طليقة الآن. ربما يشعرون أن ضعف الدولار سيعوض أي زيادة في السعر".
كما تستمد أسعار النفط دعما من التوترات بين فنزويلا عضو منظمة أوبك ومصدر النفط الكبير إلى الولايات المتحدة وجارتها كولومبيا.