السعودية تدخل مرحلة جديدة في إنتاج النفط الخام

السعودية تدخل مرحلة جديدة في إنتاج النفط الخام

السعودية تدخل مرحلة جديدة في إنتاج النفط الخام

أعلنت شركة أرامكو السعودية عن توسعات كبيرة في إنتاج النفط، لتصل الطاقة الإنتاجية إلى 12 مليون برميل يومياً، وهو ما يعادل إنتاج الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا مجتمعة. وتشمل الزيادة إنتاج نصف مليون برميل من حقل الخرسانية، ربع مليون برميل من الشيبة، و1.2 مليون برميل من حقل خريص، أي نحو مليوني برميل من الزيت العربي الخفيف، وستقوم أيضا بإنتاج نحو 900 ألف برميل من حقل منيفة المغمور من نوع العربي الثقيل، وهو أقل جودة، أي بالمحصلة فإن "أرامكو" ستضيف نحو ثلاثة ملايين برميل إلى إنتاجها بنهاية 2008م، كما أعلن النائب الأعلى للرئيس في مؤتمر أسبوع البترول في لندن.
الحقيقة أن هذه دلائل وتباشير لقدوم نهضة نفطية أخرى ستعيشها المملكة، وبحسب هذه الأرقام فإن المملكة ستنتج ما نسبته 14 في المائة من نفط العالم لوحدها، إذ من المتوقع أن يراوح إنتاج العالم ما بين 86.5 و87 مليون برميل في الفترة الزمنية نفسها.
تعدى سعر برميل الخام الأمريكي في شباط (فبراير) الحالي 100 دولار لمجرد وجود بعض المخاوف من نقص الإمدادات، ولكن ماذا لو ارتفعت درجة حرارة الملف الإيراني وزاد الخلاف مع شافيز إلى حد القطيعة وزادت أعمال التخريب في نيجيريا، وزادت كل من الصين والهند من طلبهما على الخام وهذا أمر متوقع، عندئذ قد يتعدى سعر البرميل 120 دولارا، وإذا ما استطاعت المملكة من تصدير عشرة ملايين برميل من الخام في ظل عطش عالمي كبير للنفط ومخاوف من حدوث نزاعات، فإن ذلك قد يكون بداية لطفرة جديدة يعيشها السعوديون قريباً.
تنتج المملكة حالياً نحو تسعة ملايين برميل، أي نحو 10 في المائة من الإنتاج العالمي الحالي. وبينما نرى أن إنتاج المملكة في تصاعد مستمر، نجد أن معظم الدول المنتجة الأخرى لا تمتلك الموارد نفسها، بحيث تستطيع أن تتبع الزيادة نفسها أو حتى الاتجاه التصاعدي نفسه، فهي إما في مستوى ثابت وإما هابط. فمثلاً يتأرجح إنتاج إيران، وهي ثاني أكبر منتج للنفط في "أوبك" حول أربعة ملايين برميل منذ سنوات، ولا يتوقع أن يتعدى هذا الرقم. أما الولايات المتحدة ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، فسوف يزيد إنتاجها في نهاية عام 2008م من 7.6 مليون برميل يومياً إلى 7.8 مليون برميل يومياً (بحسب تقرير "أوبك" لشباط (فبراير) الحالي) وهي زيادة لا قيمة لها.
يبدو واضحاً أن مكانة المملكة كأكبر مصدر للطاقة في العالم في تزايد، خاصة في ظل عدم وجود منافس، فالإنتاج الروسي سيبقى ثابتا عند نحو عشرة ملايين برميل، وأيضا في ظل تناقص كميات النفط المستخرجة في كل من بحر الشمال وأمريكا الشمالية.
الطلب العالمي على النفط يزيد بوتيرة معروفة ومقدرة بنحو 1.2 في المائة سنوياً. وصل الطلب العالمي على النفط في هذا العام إلى نحو 87 مليون برميل يومياً، وسيزيد بنحو مليون برميل سنوياً إلى عام 2015م. لم يعلن إلى الآن عن اكتشافات كبيرة لحقول جديدة في العالم عدا عن إعلان البرازيل عن اكتشاف حقول جديدة مغمورة تحت المياه العميقة تحتوي على ما قيمته، بحسب تقديرات "بتروبراس" ثمانية مليارات برميل من الخام الخفيف، وهذه الكمية، إن صدقت التوقعات، تساوي 40 في المائة من إجمالي ما اكتشف من النفط في البرازيل، وسوف تجعل شركة "بتروبراس" تتقدم على كل من "شل" و"شيفرون" من ناحية الاحتياطات المملوكة من النفط. طبعاً النفط البرازيلي هذا يقع في أعماق المحيط الهادي، وتكلفة استخراجه عالية ولا يمكن مقارنتها بتكلفة استخراج النفط السعودي.
نضوب كثير من الحقول النفطية في العالم وتقلص إنتاج بعض الدول الكبرى مقابل ازدياد الإنتاج السعودي بنسب خيالية جعل دور المملكة العالمي كمصدر أول للطاقة في العالم أمر لا يقبل النقاش. فمثلاً على صعيد منظمة "أوبك"، من المتوقع أن تنتج المنظمة كلها بنهاية 2008م نحو 32 مليون برميل وإذا ما تم إضافة الملايين الثلاثة السعودية الأخيرة قد يصبح إنتاج "أوبك" نحو 35 مليون برميل تشكل المملكة منها نحو 34 في المائة، أي أن المملكة لوحدها تساوي أكثر من ثلث منظمة "أوبك" البالغ عدد أعضائها 13 عضواً. والجدير بالذكر أن كثيرا من الأعضاء ينتج أقل من مليون برميل، مثل الإكوادور، إندونيسيا، وقطر. وخلال إحدى الزيارات للمنظمة لفت انتباهي كثرة عدد الباحثين والمختصين من دول أعضاء في المنظمة دون غيرهم، ولم يكن التمثيل يتناسب أو يعكس حجم وأهمية الدول الأعضاء.
الاستهلاك الداخلي للنفط في المملكة سيزيد في ظل الحاجة الماسة إلى إنتاج وتوليد الطاقة، ولاسيما بوجود الطفرة العمرانية والصناعية التى تعيشها المملكة. وسوف يخصص نحو مليون برميل للمصافي المزمع إقامتها مع "توتال" و"كونكو فيليبس" ومصفاة رأس تنورة، وهذا يدل على أن صناعة التكرير ستزدهر هي أيضا في الأعوام الخمسة المقبلة، وستصبح المملكة من أكبر مصدري مشتقات الخام في العالم، إضافة إلى المكانة الأولى في تصدير البتروكيماويات.
تحويل النفط الخام إلى مشتقات ومواد بتروكيماوية يضفي قيمة اقتصادية أفضل من مجرد تصدير الخام، وكلما زادت الاستثمارات في تحويل الخام كان أفضل للعوائد الاقتصادية.
ولا يفوتنا في الختام ذكر أن زيادة القدرة السعودية بـ 33 في المائة سيعود بالنفع على الكثيرين، فمثلاً شركات الحفر ستزدهر وتنمو أعمالها، وأيضا أعمال الشركات المساندة لأعمال استخراج النفط، وكمثال على ذلك تم في الفترة الأخيرة ترسية عقد حفر بحري على شركة روان العالمية لمدة ثلاث سنوات في المملكة بقيمة 200 مليون دولار.
وستنمو أيضا أعمال وشركات النقل، حيث يوجد المزيد من النفط بحاجة إلى التصدير إلى أنحاء المعمورة. وقد تحدث طفرة في الطلب على الأعمال الهندسية والشركات الإنشائية لتجهيز الكثير من المواقع وبناء معامل فصل الزيت عن الغاز وعن الملح.
كل هذه الأعمال تعد رجال الأعمال بمزيد من العقود، ولكن هل يوجد لدينا الكثير من شركات الإنشاءات الهندسية وشركات تدير المشاريع الكبيرة بحيث تلبي طلب وطموح "أرامكو" كما وكيفا؟
وأخيرا، إن إنتاج ثلاثة ملايين برميل من النفط سيرافقه إنتاج الكثير من الغاز المصاحب، ولا سيما الإيثان، وهذه هدية جديدة لصناعة البتروكيماويات السعودية، إذ يمكن القول باختصار إن زيادة الإنتاج هذه ستقود دون أدنى شك لنهضة في الصناعة والاقتصاد السعودي.

* خبير في شؤون تكرير النفط والبتروكيماويات
[email protected]

الأكثر قراءة