حسابات سياسية؟
حسابات سياسية؟
عندما يلتقي الوزراء في منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" يوم الأربعاء المقبل، في فيينا للتقرير بشأن أوضاع السوق ومن ثم التقرير بشأن خطوتهم المقبلة، فإنهم سيكونون مواجهين في واقع الأمر بقرار سياسي في المقام الأول: سياسي بالمعنى المباشر، وكذلك المعنى السياسي المتعلق بقرار يحتاج إلى رؤية سياسية تتجاوز مجرد النظر إلى أساسيات السوق والأرقام الخاصة بالعرض والطلب.
في تقديرات "أوبك" نفسها ووفق تقريرها الدوري الشهري، فإن الطلب على نفط المجموعة يتوقع له أن يتراجع هذا العام بنحو 400 ألف برميل يوميا. وهذه النظرة ليست قاصرة على "أوبك" وحدها وإنما تشاركها الوكالة الدولية للطاقة، إدارة معلومات الطاقة الأمريكية والمركز العالمي لدراسات الطاقة. وكل هذه تتبنى رؤية تقوم على توقعات تنازلية لحجم الطلب المتوقع على النفط بصورة عامة وعلى النفط المطلوب من الدول الأعضاء في "أوبك" توفيره مع تباين في الأرقام.
ليس هذا فحسب، بل إن مخزونات البنزين تسجل أعلى معدل لها خاصة في الولايات المتحدة لم تشهده السوق منذ 14 عاما، هذا في الوقت الذي تجاوز الربع الأول من العام منتصفه، وبدأت الاستعدادات لفصل الربيع ومن ثم موسم قيادة السيارات.
ورغم هذا فإن سعر البرميل لا يزال يراوح حول 100 دولار يزيد عليها ويقل عنها قليلا. ويوم الخميس الماضي سجل قفزة بلغت 3 في المائة، أو 2.95 دولار ليصل إلى 102.59 دولار للبرميل، وهو ما يقل 1.17 دولار عن القمة التي بلغها في ربيع 1980 إذا أخذ عنصر التضخم في الحسبان، وهي تعتبر أعلى قمة في تاريخ صناعة النفط الممتد على أكثر من 160 عاما. ومثل هذا الفرق المطلوب للوصول إلى ذلك الرقم أو تجازه لا يبدو أمرا صعبا مع نوع القفزات، التي يحققها السعر في الوقت الحالي.
لكن "أوبك" قطعا لا ترغب في الوصول إلى هذا المستوى، ولا تزال الأذهان عامرة بالتبعات النفسية والإعلامية والاقتصادية التي دفعتها المنظمة وقتها. فبعدها تمت تهيئة المسرح إلى ليل طويل من التراجع السعري أسهمت فيه عوامل العرض والطلب وبروز دور المنتجين الجدد وتأثيرات سياسات تقليل الطلب من قبل المستهلكين.
وإذا كانت قراءة السوق من منظار الأساسيات والأرقام الخاصة بالعرض والطلب فقط، فإن أمام الوزراء قرار وحيد لاتخاذه وتبقى المشكلة في التفاصيل، لكن هل يمكن للمنظمة أن تخاطر بإعلان الدعوة إلى خفض الإنتاج في الوقت الذي يتجاوز فيه سعر البرميل 100 دولار؟ هذا هو القرار السياسي الأول الذي عليها اتخاذه.
أما الثاني فهو أن على المنظمة العمل على إيجاد أرضية تبني عليها قراراتها الخاصة بخفض الإنتاج أو رفعه. والإشارة إلى ما حدث قبل عامين، عندما كانت المؤشرات تنبئ بحدوث تخمة في السوق وتراجع في الطلب، الأمر الذي دفعها إلى اتخاذ قرار بتعليق العمل بالسقف وخفض الإنتاج بصورة غير رسمية في اجتماعي الدوحة وأبوجا، وهذا هو الوضع السائد منذ ذلك الوقت.
والغريب أن وضع السوق وكيفية التعامل معه يجعلان مثل هذا الغموض خيارا مفضلا، لكن إذا كان الطلب المتصاعد قد غطى على لحظات الضعف بدليل أنه ومنذ العام 2003، فإن الدول الأعضاء كلها كانت ولا تزال تنتج بطاقتها القصوى، فإن السوق تبدو متجهة إلى نوع من التغيير بالاتجاه إلى أسفل فيما يتعلق بالطلب، وهذا ما سيعيد إلى الواجهة الحديث القديم المتجدد حول ما إذا كانت "أوبك" كارتلا أم لا؟ فكلما قامت المنظمة بخطوات لتقييد الإنتاج دعما لسعر البرميل أو دفعه إلى أعلى تصاعدت الصيحات عن بروز الطبيعة الكارتلية للمنظمة، أي إظهار قدراتها في خفض الإنتاج لرفع السعر.
صحيح أن المنظمة قامت في أوقات عديدة طوال تاريخها بتقييد الإنتاج دعما للأسعار، لكن نجاحها لم يكن بالمستوى الذي يؤهلها لتصبح كارتلا بالمعنى الدقيق والتقليدي للكلمة، أي ذلك الذي عنده ولديه القدرة والرغبة على إنفاذ قراراته بالطريقة التي تؤدي إلى النتيجة المرجوة سعريا.
ويعود القصور في هذا الجانب إلى العلاقات الداخلية بين الدول الأعضاء، التي تحكمها في نهاية الأمر نظرتها وقراراتها الخاصة بمصالحها المباشرة وكيفية التوفيق بينها وبين المصلحة العامة لدول المجموعة ككل.
ثم يبقى العامل الخاص بزيادة الطاقة الإنتاجية التي يمكن أن تحقق فائضا ملموسا خلال فترة العام والنصف المقبلين، وحتى قبل ذلك فأي خفض للإنتاج يعني في نهاية الأمر طاقة إنتاجية فائضة. والسجل التاريخي يوضح أنه كلما اتسعت هذه الطاقة كان التوجه نحو خرق اتفاقيات تقييد الإنتاج أكبر، خاصة بعد التعود على معدل أعلى من العائدات المالية.