عروس المقاومة .. دلال المغربي
لم يكن مستغربا أن يتلكأ العدو في تسليم رفات المناضلة الفلسطينية الشهيدة دلال المغربي وأن يوافق على تسليم جميع رفات الشهداء ويتحفظ على رفات من تسمى وبحق عروس المقاومة قبل أن يرضخ أخيرا ويضمنه جثامين الشهداء في صفقة تبادل الأسرى مع حزب الله اللبناني. فالعدو كان يدرك القيمة النضالية لدلال المغربي وما تمثله من رمزية فيها قدر كبير من أسطورية المقاومة, كما أن هذا الموقف وفي وجود إيهود باراك وزيرا لحرب العدو, الذي له ثأر مباشر معها, يعكس أن العدو لم ينس حتى بعد مرور 30 عاما تلك العملية الفدائية الجريئة والنوعية التي قادتها, وهي عملية أحدثت وقتها رعبا داخل العدو لكونها بينت أن المقاومة تملك الإرادة والإصرار والعزيمة عبر اختراق خطير لعمقه فيما عرف بعملية الساحل أو تل الربيع/ عملية كمال عدوان.
في صبيحة الحادي عشر من آذار (مارس) عام 1978 وصلت دلال المغربي ورفاقها الـ 11 مقاوما بنجاح إلى ساحل غير مأهول قرب تل أبيب بقاربين مطاطيين تسللوا بهما من البحر, ومن ثم توجهوا صوب طريق عسكري رئيسي يربط تل أبيب بالمستعمرات, وهناك استطاعت دلال المغربي ورفاقها إيقاف حافلة كانت تقل جنودا للعدو متجهة لتل أبيب والاستيلاء عليها وأخذ الجنود رهائن وأسرى, وكان هدف هذه العملية الانتقام من عملية للعدو قتل فيها ثلاثة من أبرز مثقفي المقاومة آنذاك, وهم: كمال عدوان, كمال ناصر, وأبو يوسف النجار عام 1973, وأيضا للضغط على العدو لإطلاق أسرى عرب, ومن هناك انطلقوا صوب تل أبيب, وأثناء سيرهم أخذوا يطلقون النار على كل سيارة عسكرية تمر بهم مما أوقع إصابات بعشرات جنود العدو, وبعد أن أصبحوا على مشارف تل أبيب ونتيجة للرعب الذي أحدثوه في الطريق إليها سارعت الحكومة الإسرائيلية بتكليف فرقة عسكرية لإيقاف الحافلة ومنعها من الوصول إلى تل أبيب, وكان قائد الفرقة التي كلفت بذلك آنذاك هو إيهود باراك وزير حرب العدو وزعيم حزب العمل حاليا. وفعلا تمت محاصرة الحافلة بالدبابات والطائرات المروحية العسكرية وجرت معركة طاحنة بين المجموعة الفدائية بقيادة دلال المغربي وقوات العدو, وعندما اشتدت المواجهة وقرب انتهاء ذخيرة المجموعة الفدائية قامت بتفجير الحافلة بمن فيها من جنود, ثم قاتلت دلال ورفاقها قتال الأبطال الأسطوريين حتى نفدت ذخيرتهم, وعندها أمر باراك جنوده بإطلاق النار عليهم وقتلهم جميعا, وتم ذلك وسقطت دلال المغربي ورفاقها شهداء على أرض فلسطين ما عدا مناضلين سقطوا في الأسر وهم جرحى بعد أن قاتلوا بشجاعة وشراسة منقطعة النظير, وبعد سقوطها شهيدة تقدم إليها باراك وسحبها من شعرها, وهناك صورة شهيرة ظهرت له وهو يفعل ذلك, وقيل إنه من حقده أطلق على جثمانها وابلا من الرصاص انتقاما وحقدا يعكس مدى الرعب الذي أعاشتهم فيه هذه البطلة الفلسطينية الشهيدة ورفاقها الأبطال بعد أن نفذوا عملية فدائية فريدة من نوعها, وخاضت معركة سقط على أثرها أكثر من 30 قتيلا من جنود العدو وعشرات الجرحى.
هذه هي دلال المغربي ذات العشرين ربيعا التي قادت ونفذت تلك العملية, والذي حاول العدو رفض إعادة رفاتها, فدلال المغربي تحولت فعلا إلى أسطورة للمقاومة ورمزا مبهرا لها ليس فقط لمشاركتها في تلك العملية, بل لكونها من أولى مقاتلات "فتح" اللاتي شاركن الرجال وقادت واحدة من العمليات الفدائية الصعبة والمعقدة جدا ونجحت فيها, ويطلق عليها أيضا عروس المقاومة أو عروس يافا, وهي المدينة الفلسطينية المنحدرة منها, لأنه كان مقررا زفها لعريسها في نهاية العام الذي قادت فيه ونفذت عملية الساحل, فقد اختارت أن تزف شهيدة لفلسطين إن لم تعد حية لتزف لعريسها, وقد كان, فاستشهدت عروسا في كل الأحوال.